الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ترجمة عربية لكتاب المفكر الفرنسي باشلار الماء والأحلام

ترجمة عربية لكتاب المفكر الفرنسي باشلار الماء والأحلام
20 نوفمبر 2008 01:49
إن هذا الكتاب ''الماء والأحلام: دراسة عن الخيال والمادة''، هو من أهم الكتب التي أصدرتها المنظمة العربية للترجمة بدعم من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم· وهو كتاب يقود القارئ في رحلة تأمل ساحرة يغوص فيها عند بدايات الشطآن الصافية اللمعان، حيث تولد الصور وتمرّ سريعا وتنتهي في الأعماق المظلمة حيث الأساطير· مؤلف الكتاب هو المفكر والفيلسوف والمحلل الفرنسي اللامع باشلار (1884 ـ 1962) الذي ترك الكثير من الكتب والأبحاث التي لا يمكن لباحث أو دارس أو مفكر أن يستغني عنها وأبرزها: ''التحليل النفسي للنار''، ''شعرية الفضاء''، ''تكوين العقل العلمي''، ''العقل العلمي الحديث''· أما كتابه هذا ''الماء والأحلام'' الذي ترجمه الدكتور علي نجيب إبراهيم فقد ظهر لأول مرة في طبعته الأولى بالفرنسية سنة ،1942 وقدم له الشاعر السوري أدونيس بقوله ''إنه كتاب يقرع باب المخيلة العربية لكي تستيقظ من سباتها الطويل، حيث حلّت الأشياء التي تصنعها المحاكاة محل الأشياء التي يبدعها الطبع محضونا بالطبيعة، وحيث يختزل الغيب والمجهول واللامرئي في ''معتقد'' أو في ''عادة'' أو في ''طقس''· العلم والشعر ويرى أدونيس أن هذا الكتاب ''علم بلغة الشعر، وشعر بلغة العلم· تقرؤه فتشعر كأنك تقرأ قصيدة يتشابك فيها الحلم والواقع، المخيلة والمادة· تشعر كان العناصر تتماهي، أو يحل بعضها محل الآخر· تفيض على الخيال معجونا في وردة تتفتح بين يديك، أو ترى إلى الكلمات كيف تنسكب نبعا، أو تتعالى شجرا، وتقول حقا ''كل شيء'' في الشعر نفسه وغيره· الشعر فكر، والفكر شعر· وتتنور ذلك ''البيت'' الذي رفعه أسلافنا (النفري، والمعري) لكي لا أذكر إلا اثنين، كل منهما يعيش في ذروة، بعيدا عن الآخر، وقريبا إليه''· هذه، إذا، ترجمة تشارك في التوكيد على طاقات اللغة العربية بوصفها فاعلة، قبل أن تكون ناقلة· وبوصف الطاقة فعلا، لا نقلا· صحيح أن سيرورة الكتابة العربية في القرن العشرين، أو في نصفه الثاني تحديدا، نوع من الغرق في ''طين'' المعنى· باسم الموضوعية، أو المنطق والعلم، أو ''الجمهور'' الغارق، هو كذلك، في ''طينه'' الآخر''· ''غير أن ''الطين'' ـ برأي أدونيس ـ مجرد مادة للخلق· مجرد ''موضوع''· ولا بد له من ''ذاتية'' الخلق· والخلق عجن وتكييف· والذين يتتبعون الكتابة العربية اليوم· في مختلف ميادينها، يقدرون أن يروا كيف يقدم هذا ''الطين'' على الورق كأنه مجرد خامة، كما هو تقريبا في لباس ''النوم''· كأنه مجرد كم· كأنه لا يعرف اللمس، والعجن، والكيف· يقدرون كذلك أن يتخيلوا· بل أن يتحسسوا كيف تتعذب اللغة العربية، وتشقى· لكن، كما ''تزرع'' اللغة أشجارها، ''تزرع''، كذلك رياحها· هكذا، تسير هذه الترجمة لهذا الكتاب بالذات، في أفق الرياح، على طريق يتلاقى فيها ما أسست له المخيلة الشعرية الفكرية، أو الفكرية الشعرية، عند هذين الخلاقين الكبيرين، النفري والمعري، والسلالة اللغوية ـ الفنية التي انحدرا منها، وتلك التي تتواصل بعدهما، يتلاقى مع كل ما يؤسس لمشاركة عالية بين إبداعية الذات، وإبداعية الآخر''· المياه الثقيلة في فصل من هذا الكتاب، الذي عنونه باشلار بـ''المياه الثقيلة في أحلام يقظة إدعار الآن بّو'' يرى باشلار إننا ''قادرون على أن نميز في مؤلفات إدغار بّو وحدة وسائل التعبير، ونغمة الفعل التي تجعل من المؤلف ''اطرادا مبتكرا'' إذ دائما ما تمتلك المؤلفات الكبرى هذه العلامة المزوجة: علم النفس يجد لها مكانا خفيا، والنقد الأدبي يجد لها فعلا أصليا· لاشك ـ يؤكد باشلار ـ أن لغة شاعر كبير مثل إدغار آلان بّو لغة ثرية، لكن لها مراتب· فالخيال يخبئ تحت أشكاله الكثيرة، ما هي مفضلة، ما هي فاعلة تحدد وحدة التعبير ومرتبته· ولن تجد عناء في البرهان على أن المادة المفضلة عند بّو هي الماء، أو، بتعبير اصح، ماء خاص، ''ماء ثقيل'' أعمق و(أَمْوَتُ)، وأَنْعَسُ من كل المياه النائمة والميتة والعميقة التي نجدها في الطبيعة''· الماء في خيال بّو تفضيل، نوع من الماهية والماهية الأم· سوف يتمكن الشعر وحلم اليقظة عند إدغار بّو من إفادتنا في تمييز عنصر مهم في هذه ''الكيمياء الشعرية'' التي تعتقد أنها قادرة على دراسة الصور بأن تثبت لكل منها حِمْلَهَا من حلم اليقظة ومن مادتها الحميمية''· كما يعرفنا باشلار في هذا الكتاب على الخصائص السطحية، والخصائص العميقة ''للماء المتخيل'' يقول: ''سوف نتمكن من محاولة دراسة هذا العنصر قبل غيره من العناصر الأخرى للخيال المادي· وسوف نرى ـ يؤكد باشلار ـ أن بعض الأشكال الشعرية تتغذى من مادة مزدوجة، وان المادية المزدوجة تصنع الخيال المادي وبرأيه ففي بعض أحلام اليقظة يبدو أن كل عنصر يبحث عن تزاوج أو عن خصومة، عن مغامرات تهدئه أو تثيره· بينما يبدو لنا الماء الخيالي، في أحلام يقظة أخرى، مثل عنصر للمصالحة، مثل مفهوم أساسي للأخلاط· '' كل ماء رقراق بدئيا هو، في نظر إدغار بو، ماء يجب أن ''يُظْلِمَ''، ماء سيمتصّ العذاب الأسود· كل ماء حي هو ماء قدره أن يتباطأ ويتثاقل، كل ماء حي هو ماء على وشك أن يموت وأحال أن الأشياء في الشعر الفاعل، ليست ماهية كائنة عليه بل هي ما تصير إليه· وهي صائرة في الصورة ما تصيره في أحلام يقظتنا''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©