الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تمبوكتو... وخطر «الجهاديين» في مالي

14 مايو 2013 22:40
سودرسان راجفان مالي في مدخل «تمبوكتو»، هذه المدينة التاريخية، لم يجرؤ الجنود الماليون الحاملون بنادق كلاشينكوف على الاقتراب من الشاحنة. فصاحوا من مسافة 15 قدماً آمرين الركاب بالترجل، ورفع قمصانهم، ثم الدوران حول أنفسهم. لقد كانوا يبحثون عن أحزمة ناسفة. ولما لم يجدوا أياً منها، لم يجازفوا مع ذلك: فخلال الأسابيع الأخيرة، قتل انتحاريون عدداً من زملائهم. فسمح الجنود للشاحنة بالمرور، وشيعوها بنظرات لا تخلو من ارتياب. بعد ثلاثة أشهر على تدخل القوات الفرنسية في شمال مالي لمنع الجهاديين من الاستيلاء على مزيد من الأراضي، أخذ النزاع يذكِّر على نحو متزايد بساحات المعارك في العراق وأفغانستان والصومال. صحيح أن المتشددين ومقاتلي «القاعدة» طُردوا من تمبوكتو ومدن رئيسية أخرى، إلا أنهم أخذوا الآن يرسلون الانتحاريين ويستعملون العبوات الناسفة لمهاجمة أعدائهم. كما أن العديد منهم اختلط مع السكان وذاب فيهم، مدشنين قوة من الجواسيس والمجندين الممكنين التي تشتغل في السر. ويوم الجمعة مثلاًً، شن خمسة انتحاريين على الأقل هجمات في مدينتين شماليتين، أسفرت عن إصابة جنديين ماليين على الأقل بجروح خطيرة، وفق المتحدث باسم الجيش، النقيب موديبو نيامان تراوري. وفي هذا السياق، يقول العقيد «كيبا سانجاري»، قائد القوات المالية في تمبوكتو، التي تقاتل الآن إلى جانب القوات الفرنسية والقوات الأفريقية الأخرى: «لقد أمضى الجهاديون 10 أشهر هنا»، مضيفاً «بعضهم تزوج، وبعضهم أنجب أبناء. ولذلك، لديهم علاقات هنا. وحتى إن لم يكونوا موجودين هنا مادياً، فإنهم موجودون روحياً». وأضاف يقول: «وحتى عندما لا تكون ثمة هجمات، فذلك لا يعني أننا في سلام. إننا بكل تأكيد في حرب!». في تمبوكتو، التي كانت تمثل القاعدة الرئيسية للجهاديين في وقت من الأوقات، التوتر واضح. وإذا كان ثمة ارتياح جماعي لانتهاء حكم المقاتلين، فإن هذه المدينة التاريخية باتت اليوم صورة معكوسة لماضيها المجيد. فالشوارع، التي كانت تعج ذات يوم بحركة التجار والزوار، ومنهم السياح الغربيون، باتت اليوم شبه مهجورة؛ حيث أغلقت معظم المتاجر أبوابها، وارتفعت أسعار المواد الأساسية بشكل كبير. عشرات الآلاف من السكان الذين فروا خلال حكم «الجهاديين» لم يعودوا بعد، حيث مازالوا في مخيمات اللاجئين خارج مالي أو مع أقارب وأصدقاء في العاصمة باماكو ومدن جنوبية أخرى لم تبلغها الحرب أبداً. كما فر أيضاً كل أقلية الطوارق أصحاب البشرة الفاتحة والسكان الذين يتحدثون العربية، وذلك لأن الكثير منهم تعاونوا مع الإسلاميين أو دعموا تمرداً انفصالياً للطوارق ساعد على بسط الإسلاميين لسيطرتهم. وحتى أولئك لذين لم يدعموا أياً من الحركتين غادروا المدينة خائفين من هجمات انتقامية من المجموعات الأدكن بشرة في مالي والذين تعرضوا للقمع أكثر من غيرهم على أيدي الإسلاميين. ويقول نجيم المبارك، 52 عاماً، الذي يشتغل خياطاً وهو يمشي في شارع مهجور ومكسو بالرمال: «لقد تغيرت المدينة»، مضيفاً «في الماضي، كانت ثمة حركة مرور وتجارة وناس في كل مكان. أما اليوم، فإن الحياة ماتت». وفي هذه الأثناء، تعتزم فرنسا سحب نحو ثلاثة أرباع جنودها الـ4 آلاف بنهاية العام. وستخلفهم قوة لحفظ السلام تضم 12600 عضو، من المقرر أن تصل قبل انتخابات مالي المقررة في يوليو المقبل. ولكن تفويضها كقوات لحفظ السلام يمنعها من استعمال السلاح إلا في حالة الدفاع عن النفس، وهو ما يطرح تحديات على المدى البعيد لجهود فرنسا والولايات المتحدة وبلدان أخرى الرامية للحؤول دون تشكل ملاذ للجهاديين في غرب وشمال أفريقيا. وقد قامت الولايات المتحدة أيضاً بنشر عدد صغير من الجنود، وتقوم حالياً بإقامة قاعدة للطائرات من دون طيار في النيجر المجاور. وقد يزداد الدور الأميركي إذا اختارت مالي رئيساً بشكل ديمقراطي، وهو ما من شأنه إزالة القيود القانونية على المساعدات العسكرية المفروضة بعد انقلاب عسكري في مارس 2012. وكان «الجهاديون» اغتنموا فرصة الفوضى التي أحاطت بالانقلاب، وانضموا إلى تمرد انفصالي للطوارق، قبل أن يحتلوا شمال البلاد. ومن بينهم مقاتلون من «القاعدة في المغرب الإسلامي» ومتشددون آخرين يسمون أنفسهم «أنصار الدين». وبحلول أبريل الماضي، كان المتمردون قد وصلوا إلى تمبوكتو. ثم سرعان ما انقلب المتشددون على الانفصاليين الطوارق وبسطوا سيطرتهم. وسارعوا إلى فرض حكم الشريعة على السكان المسلمين المعتدلين، منفذين قوانينهم عبر عمليات البتر والرجم وعقوبات سجنية. وفي مدينة تمبوكتو، التي تعتبر مركزاً قديماً للفقه الإسلامي على حافة الصحراء الكبرى، دمر «الجهاديون» عدداً من الأضرحة الصوفية، معتبرينها نوعاً من الوثنية وإثماً في الدين. غير أن هدف «الجهاديين» المتمثل في إقامة إمارة إسلامية عُرقل في يناير الماضي عندما شنت فرنسا هجومها، فأخرجتهم من المدينة ومن معاقلهم في مدينتي جاو وكيدال. ولكن «الجهاديين» اختفوا في الصحراء والجبال وفي البلدات النائية، التي باتوا يشنون منها هجماتهم الآن. وفي هذا الإطار، يقول عثمان هالي، عمدة مدينة جاو: «هؤلاء الأشخاص يعرفون التضاريس وكل الأسواق الأسبوعية في المنطقة ، وهو ما يمكنهم من الذوبان في الحشود بسهولة»، مضيفاً «إنهم يتنقلون من مكان إلى مكان ويعرفون كيف يخفون أسلحتهم. وبعد مرورهم من نقاط التفتيش الأمنية، ينصبون الكمائن». من جانبه، يقول العقيد مامادو مانجارا، حاكم إقليم تمبوكتو: «إن الوضع هنا لا يخلو من مخاطر»، مضيفاً «ولكننا نفهم نظامهم ونحن نتخذ الاحتياطات اللازمة للحد من أنشطتهم». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©