الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إنذار هاواي الكاذب.. أخبار سارة!

20 يناير 2018 01:27
عندما كنتُ طفلاً، أخبرني والداي بأنهما سيخرجان للمشي قليلاً. ولما كنت جد منشغل بمشاهدة حلقة من سلسلة «شارع سمسم»، فإنني لم أسمعهما حقاً. غير أنه في تلك الأثناء تحديداً قرر «نظام البث في حالة الطوارئ» إجراء اختبار عندما كان والداي بعيدين. كان عمري 5 سنوات ولم أكن قد سمعته من قبل. فأصابني صوت الإنذار بالذعر. وأخافني صوت الإنذار لدرجة أنني لم أنتبه إلى الجزء الذي كان يقول: «إن هذا مجرد اختبار». ولأن والدي كانا بعيدين، فلكم أن تتخيلوا شعور طفل في الخامسة. وإلى هذا اليوم مازال نبض قلبي يتسارع عندما أسمع صوت إنذار. ولهذا، فبوسعي أن أتخيل رد فعل الأطفال الصغار في هاواي على صوت إنذار بدا حقيقياً، ودام قرابة 40 دقيقة بسبب خطأ بسيط ارتكبه مسؤول في «وكالة إدارة الطوارئ» في هاواي. والواقع أنه حتى الناس في خارج هاواي أصابهم الذعر. فهذا «آجيت باي» رئيس «لجنة الاتصالات الفيدرالية» يبدو مستاء في هذا التقرير لقناة «إي بي سي»: «إن إنذار الطوارئ الكاذب الذي أُطلق أمس في هاواي كان بكل تأكيد غير مقبول»، مضيفاً «لقد تسبب في موجة ذعر في الولاية – فاقمها تأخيرٌ دام 38 دقيقة قبل أن يتم إصدار رسالة تصحيح». «وأضاف باي أن الإنذارات الكاذبة التي يعتقد أنها حدثت بسبب خطأ بشري، تُضعف ثقة الجمهور في نظام الإنذارات، وبالتالي، تقلص فعاليته خلال حالات الطوارئ الحقيقية». ولكن لنتوقف للحظة للتركيز على الأخبار السارة التي أنتجها هذا الإنذار الكاذب، وهي عديدة على نحو مفاجئ. الخبر السار الأول، والأهم، هو أن هاواي لم تنزلق إلى الفوضى. «أليا وونج» من مجلة «ذي أتلانتيك» ركزت على الرعب الذي الذي تسبب فيه الإنذار ولكنها لفتت أيضاً إلى أنه «يوم الأحد، لم تكن ثمة أي تقارير رسمية عن وفيات أو إصابات حدثت بسبب إنذار الطوارئ الذي أطلق يوم الأحد». فكروا في الأمر للحظة: سكان ولاية بكاملها تقول لهم السلطات إن العالم كما يعرفونه قد يكون على وشك النهاية. ومع ذلك، لا يحدث انهيار للقانون والنظام. ولعل الاستثناء، إن جاز أن نسميه كذلك، هو ما أوردته صحيفة «هونولولو ستار» التي كتبت عن «أسوأ» انهيار للقانون والنظام رأيته وقع بسبب هذا الحادث: «كانت سيليست راسل تقود سيارتها بالقرب من متجر «7 إيليفن» في وايمانالو. وكانت ثمة إشارة الضوء الأحمر وكان الناس يضغطون على منبهات مركباتهم كي لا يتوقف السائقون عندها لأنهم كانوا يريدون الوصول إلى منازلهم طبعاً. وبالتالي، فقد كان الوضع سيئاً»، كما تقول. ولكن ذلك لم يكن بتلك الدرجة من السوء في الحقيقة! وهذا يعزى في جزء منه إلى وقت الإنذار (بعد الثامنة صباحاً بقليل خلال يوم عطلة نهاية الأسبوع)، وفي جزء آخر، إلى عدم وجود أدلة على هجوم فعلي (إذ لم يكن ثمة إطلاق لصافرات الإنذار). ومع ذلك، فإنه لم يكن ثمة انهيار في النظام الاجتماعي، إذ لم تتعرض أي محلات بقالة أو متاجر لعمليات نهب. والواقع أنه من المهم التأكيد على هذا، لأنه يشكّل تبايناً قوياً مع الكيفية التي نميل إلى أن نتخيل بها أوضاعاً مثل هذه. الخبر السار الآخر هو أنه ليس ثمة أي دليل على أن كوريا الشمالية استُفزت من خلال إنذار هاواي. وقد يكون هذا عائداً إلى الحظ. كما قد يكون عائداً إلى الدفء الذي عاد إلى العلاقات بين «الشمال» و«الجنوب» مؤخراً. ثم هناك أيضاً إمكانية ألا يكون الإنذار مسيئاً بطبيعته، أو يمكن أن يعني بكل بساطة أن شبه الجزيرة الكورية ليست بالوضع الحاد والقابل للانفجار، مثلما يتصورها البعض. غير أن أهم خبر سار ربما هو أن هذا الخطأ سيؤدي إلى تحسين النظام وتجويده. فمثلما كتبت إيمي وانج من صحيفة «واشنطن بوست»، فإن نظام ولاية هاواي بدأ في اتخاذ تدابير من أجل ضمان عدم حدوث هذا مرة أخرى: «في الماضي لم يكن ثمة زر إلغاء، ولم يكن ثمة زر إنذار كاذب البتة»، يقول ريتشارد رابوزا، المتحدث باسم «وكالة إدارة الطوارئ» في هاواي، مضيفاً «أما اليوم، فقد أصبحت هناك إمكانية لإصدار رسالة فورية عبر النظام نفسه تقول: «إنه إنذار كاذب. الرجاء تجاهله»، حالما يتم تحديد الخطأ. «وكالة إدارة الطوارئ» في هاواي أعلنت أنها علّقت أيضا كل التمرينات الداخلية إلى حين إكمال التحقيق. وإضافة إلى ذلك، بدأت الوكالة العمل بنظام عمل جديد يقوم على «قاعدة تفعيل/‏‏‏‏تحقق من قبل شخصين» بالنسبة للاختبارات والإشعارات بإطلاق صاروخي حقيقي. فيوم السبت، يقول ريبوزا، طُلب من الموظف في البرنامج الحاسوبي أن يؤكد أنه يريد إرسال الرسالة. وفي المستقبل، ستصبح ثمة حاجة لشخص ثان من أجل التأكيد. وأخيراً، هناك ترامب. فبعد أكثر من يوم، تطرق الرئيس الأميركي للوضع مساء الأحد الماضي، قائلاً: «لقد كان ذلك أمراً يخص الولاية، ولكنننا سنتدخل ونعمل معهم الآن. يعجبني تحملهم المسؤولية. فقد تبنوا كامل المسؤولية (عما حدث). ولكننا سنتدخل ونعمل معهم. أعتقد أن موقفهم كان رائعاً. لقد تحملوا المسؤولية. لقد ارتكبوا خطأ». والواقع أنني أدرك أن سقف التوقعات بخصوص الزعامة الرئاسية بات منخفضاً جداً مع دونالد ترامب. ففي عالم مثالي، كان الرئيس سيستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتهدئة الأعصاب المتوترة يوم انتشار الذعر. ولكن لنكن صادقين. فهناك طرق كثيرة كان بإمكان ترامب أن يفاقم بها الوضع ويجعله أكثر سوءاً، ثم إن رد فعله الحقيقي لم يكن مروعاً. كما أنه على حق في أن مسؤولي الولاية تحملوا مسؤوليتهم. والحق أن مسؤولي هاواي يستحقون أيضاً الإشادة لأنهم لم «يصلبوا» الشخص الذي كان مسؤولاً عن إطلاق الإنذار. ولما كان النظام عرضة لمثل هذا الخطأ البسيط على ما يبدو، فإن المرء يأمل استمرار هذا الموقف، رغم الدعوات المطالبة برأس الشخص الذي ارتكب الخطأ. إن مبعث القلق الدائم بشأن التصعيد النووي يكمن في أن الأخطاء حين تكون مقرونة بأنظمة رد سريع يمكن أن تتسبب في حرب عرضية. غير أن هذا لم يحدث في حالة هاواي واحتمال حدوثه في المستقبل سيقلص. كما أن أحداً لم يصَب أو يُقتل جراء هذا الخطأ. وبالتالي، وتأسيساً على كل ما تقدم، يمكن القول إن ما حدث في هاواي مثّل نجاحاً، وليس إخفاقاً! *أستاذ السياسة الدولية بكلية القانون والدبلوماسية في جامعة تافتس الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©