الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تعبير عن الجمال

تعبير عن الجمال
13 نوفمبر 2008 02:57
يجدر بنا ونحن نتحدث مليًّا عن الشعر، ونتذوق فلذات بديعة منه، أن ننعش ذاكرتنا باستحضار جوهره؛ باعتباره التعبير اللغوي عن الجمال بطريقة فنية، تختلف قليلاً من ثقافة إلى أخرى، لكنها معجونة دائماً بالإيقاع ومجنحة في الخيال· على أن أجمل المشاعر وأبهاها ـ وهو الحب ـ هو موضوع الشعر الأثير، وهو أمر شخصي مغلف بضباب شفيف من الأسرار، فهذا بشار بن برد يصدح بحب عبدة، متحديًّا الآخرين، أو الأخريات، بقوله: يعيّرني في حب عبدة نسوة قلوبهمُ فيها مخالفة قلبي فقلت: دعوا قلبي وما اختار وارتضى فبالقلب لا بالعين يُبصر ذو اللبّ وما تبصر العينان في موضع الهوى ولا تسمع الأذنان إلا من القـلب وما الحسن إلا ما دعاك إلى الصبا وألّف بين الود والعاشق الصبّ ميزة هذه الأبيات الشعرية أنها تقفز على سنوات تحسب بالآلاف لتقع في سمع قارئ اليوم أو تحت بصره بكل طزاجتها وعنفوانها التعبيري عن عفوية الشعور بالجمال والحسن، وخصوصية الإحساس بالحب· ولن نعود لجدلية القلب والعين التي سبق وأن عرضناها، ولكننا نشير فحسب إلى نقطة الارتكاز الدلالي في البيت الأخير، حيث يصبح الجمال عند بشار ـ وهو البصير الذي أتقن تخييله وتمثيله ـ مجدداً لشباب القلب وداعياً إلى الصبا، حيث ينسكب الشعور الحميم بالمودة ليربط بين العاشق ومحبوبه· وربما كانت تجربة بشار المتوترة تجاه الحسيّ هي التي دفعته إلى الشك في مصداقية الحواس جميعها وتعرضها الدائم للوهم، مما يدفع الإنسان للاحتكام إلى قلبه الذي لا يكذبه في غالب الأحيان· وتظل كلمة الودّ الحانية الرابط السحري بين القلوب، وهي التي يتغنى بها أيضاً ذو الرُّمة في قوله: فيا ميّ هل تجزين ودى بمثله مراراً وأنفاسي إليك الزوافرُ وإذا لا ينال الركب تهويم ساعة من الليل إلا اعتادني منك زائرُ وإني متى أشرف إلى الجانب الذي به أنت من بين الخواطر ناظرُ فالود هو الحب المتبادل المجسد للألفة والتواصل، والحب مثل العملة التي يشترط في قيمتها أن ترتكز على رصيد ذهبي لدى الطرف الآخر، فإن لم يكن لها هذا الرصيد المتبادل كانت زائفة مهما دفعت صاحبها للولع والشطط والمضاربة المجنونة· ومرة أخرى نستشعر لذة الشعر عند ذي الرمة عندما يصور لنا طيف المحبوب الزائر كلما هجع الركب وسجى الليل، وعندما يمثل لنا حضوره الدائم بالخاطر فضلاً عن الناظر كلما أشرف على الجانب الذي يحل به، هذا الإحساس بالآخر والتوحد الوجودي معه لابد أن يضفي على الحياة حرارة تصبح معها الأنفاس زافرة، ويعطي لها معنى تفتقده إذا خلت من الحب والشعر والجمال·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©