الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد سعيد: العقاد نموذج يحتذى به للترقي الذاتي

محمد سعيد: العقاد نموذج يحتذى به للترقي الذاتي
23 يناير 2010 22:29
في هذه المقاربة ثمة محاور جديدة عن الكاتب المصري المرموق عباس محمود العقاد الإنسان، وعن حياته وإنسانيته، ومساهماته الفكرية، وكيف يكون نموذجاً يحتذى به، للترقي الذاتي منذ طفولته وحتى وفاته، وكيف يمكن الاستفادة من تجربته، ليصبح قدوة للشباب. يقول في هذا الإطار محمد سعيد أستاذ مساعد بجامعة الحصن: هناك أفراد في حياة الشعوب ولدوا ليغيروا وجه التاريخ، ومن هؤلاء العملاق عباس محمود العقاد، والذي كان نموذجاً للترقي الذاتي، وبناء الشخصية الثقافية التي وقفت في وجه الصعاب السياسية والاقتصادية والتعليمية، ليغير مسار الحياة الثقافية والفكرية في عالمنا العربي. طفولة مثقفة كان العقاد يتردد مع أبيه على مجلس الشيخ أحمد الجداوي، وهو من علماء الأزهر الذين لزموا جمال الدين الأفغاني، وكان مجلسه مجلس أدب وعلم، فأحب الفتى الصغير القراءة والاطلاع، فكان مما قرأه في هذه الفترة «المُسْتَطْرَف في كل فن مستظرف» للأبشيهي، و»قصص ألف ليلة وليلة»، وديوان البهاء زهير وغيرها، وصادف هذا هوى في نفسه، ما زاد إقباله على مطالعة الكتب العربية والإفرنجية، وبدأ في نظم الشعر. رجولة مبكرة دائماً ما كان والد العقاد يصر على أن يجلسه مع الرجال من أصدقائه، وهم شيوخ بين الأربعين والسبعين قلما يمزحون أو يتفكهون، وفي مرة رآه يجلس بين أقاربه من النساء، فنهره على ذلك وصاح به غاضباً، وأجلسه بين أمثاله من الرجال، وكانت أحاديثهم عن السياسة تارة، وعن الأسر الكبيرة تارة أخرى، وإذا مزحوا ثابوا إلى وقارهم كالمعتذرين.. الصلاة في الصغر كان والد العقاد يحرص على تعليم ابنه المواظبة على الصلاة في أوقاتها قبل العاشرة من عمره، وكان أثقل ما يعانيه من ذلك يقظة الفجر في الشتاء، وصبر الفتى على ذلك مرتين أو ثلاث، ثم تمرد على ذلك دفعة واحدة، وقال لمن جاء يوقظه: «اذهب عني. فلست بالمستيقظ، ولست بالمصلي اليوم» وسمع أبوه ما قاله فصاح به: ماذا تقول؟.. أتقول إنك لا تصلي؟ ووثب إلى عصاه، فذهب به الإصرار مذهبه وقال: نعم. فصمت أبوه ولم يزد، وأعرض عنه أياماً لا يكلمه حتى مر الخلاف، وكان يجلس إليه إلى الطعام في الصباح والمساء. تعليمه لم يكمل العقاد تعليمه بعد حصوله على الشهادة الابتدائية، بل عمل موظفاً في الحكومة بمدينة قنا سنة 1905م ثم نُقِلَ إلى الزقازيق سنة 1907م وعمل في القسم المالي بمديرية الشرقية، وفي هذه السنة توفي أبوه، فانتقل إلى القاهرة واستقر بها. بدأ حياته الأدبية وهو في التاسعة من عمره، وكانت أول قصيدة نظمها في حياته في مدح العلوم قال فيها: علم الحســاب لـه مزايا جمــة وبـه يزيـد المـرء في العرفــان، والنحو قنطرة العلوم جميعهــا ومبين غامضهـا وخيـر لسـان، وكذلك الجغرافيا هادية الفتى لمســالك البلـدان والوديــان وإذا عرفت لســان قوم يا فتى نلت الأمـــان بــه وأي بيـــان عشقه للقراءة والكتب لم يكن مصروف العقاد يزيد على خمسة مليمات في اليوم ليدرك خمسة قروش في الأسبوع، يتسلمها كل خميس، فلا يشتري بها طعاماً، ولا يذهب بها إلى البهلوان، وإنما كان يشتري بها كتاباً، أو يقسط ثمن الكتاب، وبهذه الطريقة قرأ العقاد العقد الفريد، المستطرف، ومقامات الحريري، وبعض الدواوين. ولم تكلفه المكتبة التي اشتراها أكثر من نصف جنيه بقليل. العقاد كاتباً: -1 كلمات التشجيع التي يتلقاها الفتى الناشئ في مطلع حياته. -2 الظروف التي تمهد السبيل إلى النجاح والمثابرة عليه. -3 الرغبة في الوجهة التي يتجه إليها، والعمل الذي يختاره، ويحس في نفسه القدرة عليه. وهي دروس موجهة لأولياء الأمور، بأن يشجعوا أبناءهم ولاسيما في بداية حياتهم إذا ما أظهروا أي تفوق في موهبة، ويمهدوا لهم الظروف المناسبة لإثراء تلك الموهبة، وترك المجال للأبناء لاختيار المجال الذي يفضلونه. سعة الاطلاع اشتهر العقاد بسعة اطلاعه، وكثرة قراءته لمختلف الكتب، لا يترك نوعاً من أنواع الكتب إلا قرأه، ومع سرعة قراءته ودقته، فقد كان يعلق كثيراً على ما يقرؤه بقلمه. ما يفضل قراءته: كتب فلسفة الدين، كتب التاريخ العام، التاريخ الطبيعي، تراجم العظماء، داووين الشعر. لماذا هذه الكتب؟ يقول العقاد: إنني أقرأ هذه الكتب، وأعتقد أن العلاقة بينها متينة، وإن كان الظاهر يشير إلى غير ذلك، إذ تؤدي جميعاً إلى توسيع أفق الحياة أمام الإنسان، فكتب الفلسفة الدينية تبين إلى أي حد تمتد الحياة قبل الولادة وبعد الموت، وكتب التاريخ الطبيعي تبحث في أشكال الحياة المختلفة وأنواعها المتعددة، وتراجم العظماء معرض لأصناف عالية من الحياة القوية البارزة، والشعر ترجمان العواطف. فأنا لا أقرأ من الكتب إلا ما له مساس بسر الحياة. سر الحياة يرى العقاد أن الحياة أعم من الكون، وأن ما يرى جامداً من هذه الأكوان، أو مجرداً من الحياة إن هو إلا أداة لإظهار الحياة في لون من الألوان أو قوة من القوى. والحياة دائمة أزلية لا بداية لها ولا نهاية. يقول العقاد: إذا كنت تستطيع أن تعرف سر الله، عرفت الحياة، ولكننا مطالبون بأن نحفظ لأنفسنا في هذا المحيط الذي لا نهاية له أوسع دائرة يمتد إليها شعورنا وإدراكنا، والكتب هي وسائل الوصول إلى هذه الغاية، وهي النوافذ التي تطل على حقائق الحياة، ولا تغني النوافذ عن النظر.. النظام في حياته يقول العقاد: «أنا أعمل عن حب لما أعمله، وأحب أن أعترف بمسؤوليتي، ولا أحمل أحداً مسؤولية كتابتي أو آرائي، وأميل إلى التنظيم والمثابرة، ولذلك استطعت أن أجمع بين العمل في المجمع ومجلس الفنون والآداب وبين التأليف والكتابة والقراءة، فأعطي لكل حقه». يكره الهزيمة يقول العقاد: «أعرف أنني أكره الهزيمة في كل مجال، ولكن يشهد الله أنني أعاف النصر إذا رأيت أمامي ذل المنهزم وانكسار المستسلم، ولولا أن هزيمتي أبغض إلي من هزيمة خصمي، لأبغضت النصر الذي يفضي لا محالة إلى انهزام واستسلام. لا يعرف التشاؤم كان بيت العقاد البيت رقم 13، والشقة رقم 13. وكان لا ينزعج من هذا الرقم. بل إنه كان يضع على مكتبه تمثالاً للبومة التي يتشاءم منها الناس. ما لم يكتبه كان العقاد يتمنى أن يكتب هذه الكتب ولكن لم يسعفه أجله وهي: عبقرية كليم الله موسى، عبقرية بوذا وكونفوشيوس، عبقرية جمال الدين الأفغاني، عبقرية الإمام محمد عبده، عبقرية الغزالي. العقاد الإنسان وفلسفته كانت حساسية العقاد شديدة على عكس ما يتوقعه الناس، ومن المفيد إيراد هذا المثال الذي يظهر رقة العقاد: في أثناء سجنه، وقع نظره يوماً على جلاد يهوي بسوطه على ظهر سجين، ثم ينبثق الدم من ظهر الرجل المسكين.. فعاد إلى مكانه في السجن باكياً، وقلبه يكاد ينفطر شفقة ورحمة، ومكث مريضاً مدة أسبوع كامل، ولم يستطع النوم ثلاث ليال بأكملها، وظلت صورة الدم على ظهر السجين تشاغل عينيه، واستمرت أنات الرجل تدوي في أذنيه. وبسبب ذلك نقل إلى المستشفى، وفي الليل سمع أنات المرضى فزاد ضيقه، وطلب أن يعود إلى السجن مرة أخرى. في ختام مقال للعقاد عن فلسفة الحياة، قال ما معناه: إن الحياة تستحق أن نصونها إذا كانت لنا شروط نمليها عليها وتقبلها، ولكنها غير جديرة بالصون إذا كانت كلها شروط تمليها هي علينا فنقبلها صاغرين، ولا نملك العدل فيها.. مجمع اللغة اللعربية لقي العقاد تقديراً وحفاوة في حياته في مصر والعالم العربي، فاخْتير عضواً في مجمع اللغة العربية بمصر سنة 1940م فهو من الرعيل الأول من أبناء المجمع، واخْتير عضواً مراسلاً بمجمع اللغة العربية بدمشق، ونظيره في العراق، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1959م. وقال عبارته المشهورة عندما سئل عن شعوره بهذه الجائزة فقال: «إنه شعور بالامتنان، فهذه الجائزة أخذتها من الشعب على يد الحكومة». كيف تنبأ بوفاته؟ كان العقاد يكره الموت ولا يخشاه، ولم يكن يطمع أن تدوم حياته إلى سن المائة، فقد توفيت والدته في سن الثمانين، ووالده دون هذا السن، وقد تنبأ بالموت في حديث خاص، فقال: إن الابن يأخذ متوسط عمري أبيه وأمه، وقد تنتهي حياتي قبل الثمانين. الموت أفضل يقول العقاد: إذا فاجأني الموت في وقت من الأوقات، فإنني أصافحه ولا أخافه، بقدر ما أخاف المرض، فالمرض ألم مذل لا يحتمل، لكن الموت ينهي كل شيء. ويكمل قائلاً: نعم، إن الخوف من الموت غريزة حية لا عيب فيها، وإنما العيب أن يتغلب هذا الخوف علينا، ولا نتغلب عليه كلما وجب أن نغلبه في موقف الصراع بين الغريزة والضمير، فإن الخضوع له في هذه الحالة ضعف، والضعف شر من الموت، ويقول العقاد: إنني لا أتمنى أن أصل إلى سن المائة كما يتمناه غيري، وإنما أتمنى أن تنتهي حياتي عندما تنتهي قدرتي على الكتابة والقراءة، وإذا توفرت لي الصحة ولم تضمحل قوتي، وبلغت سن المائة، فإني أؤلف كتاباً أسميه: «تجارب مائة» أو «قرن يتكلم».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©