الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العالم العربي... حصاد التحولات

12 مايو 2012
كان انتحار البوعزيزي وما ترتب عليه من وقائع ونتائج النقطة التي أفاضت الكأس المملوءة في تونس، فرغم ارتباطه في الوهلة الأولى بقرار وتصرف شخصي، وتعبيره عن دوافع فردية، إلا أنه أفرز مجموعة من الظواهر السوسيولوجية التي لم تكن حاضرة في انطلاقته. لقد مارست هذه الحادثة وما تلاها من حراك اجتماعي وسياسي وثورات تأثيراً كبيراً على الفكر الذي كان يقوم بتنظير الواقع العربي وعلى الواقع نفسه. إن التحولات النفسية والذهنية التي حدثت قبل وأثناء وبعد هذه الثورات ليست أقل أهمية عن النتائج السياسية التي أفضت إليها. لقد تحررت الشخصية العربية من الخوف والشعور بالدونية والنقص التي كانت بالنسبة لها في السابق تنتمي إلى النظام الطبيعي للأشياء، إلى الفطرة، والثقافات التي تنتجها مؤسسات مختلفة من الدولة والإعلام إلى المدرسة والأسرة ومكان العمل. لقد قام الحراك العربي بخلخلة الأسس الذهنية للبنية البطريركية التي تقوم على الولاء والطاعة لرب الأسرة ورئيس الزاوية ومؤسس الحزب والزعيم الكاريزمي الذي تجتمع في شخصه الثورة والوحدة والقيادة. هذا الحراك بقدر ما كان مزعزعاً لأسس السيطرة الأبوية ولتقاليد وأعراف التبعية والخضوع بقدر ما كان مزلزلاً للإيديولوجيات التي اعتادت على اليقينيات والمطلقات "العلمية". لقد كان الباحثون الغربيون يقولون في الماضي إنه في العالم العربي كل شيء يتغير من أجل أن لا يتغير أي شيء. فخلف مظاهر الاضطراب والتوتر والعنف توجد طبقة سميكة من الثبات والتكرار، والتغييرات لا تحدث بإرادة الشعوب وإنما من خلال الانقلابات والتواطئات والدسائس، وجوهر الأنظمة لا يتغير مادام أن النخب المتنافسة تنهل من نفس المرجعية الثقافية (المحافظة، الاستبداد، الفساد، الريع الاقتصادي). لقد تم حصر الديناميات الاجتماعية في الثبات وإعادة الإنتاج، والاستبداد والركود الاقتصادي والتقني، والطابع الجماعي التجزيئي، وسيطرة التضامن الآلي، وغياب الفرد وضعف الملكية الخاصة، وسيطرة الفكر الخرافي والغيبي وغياب الثقافة السياسية الحديثة، وتعارض الإسلام والحداثة… دون اعتبار للفروق بين المجتمعات، ولاختلاف السياقات التاريخية والمصالح الزمنية والصراعات الفكرية والإيديولوجية المرتبطة بها. لقد كرس التمركز الغربي إهمال التغيرات التي كانت تعتمل في البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مفضلاً عنها ثوابثاً ثقافية وسيكولوجية وبيولوجية أحياناً كالعرق والعقلية والشخصية والدين. لكن حينما أتى الحراك العربي بالقوة والعنفوان اللذين زلزلا الأحكام المسبقة والتقييمات الذاتية، فقد حتم إعادة النظر في المنطلقات والخلفيات وإعادة ترتيب الأولويات. ومن أهم نتائج هذا الحراك العربي سياسياً هي صعود التنظيمات الإسلامية سواء في تونس أو ليبيا أو المغرب أو مصر، فقد فاز حزب النهضة التونسي بالأغلبية في انتخابات المجلس التأسيسي للدستور، كما أن تشكيلة المجلس الانتقالي الليبي يغلب عليها الإسلاميون، وفي مصر تراهن جماعة الإخوان المسلمون من خلال حزبها الجديد"الحرية والعدالة" على المساهمة في السلطة من موقع المشاركة المطمئنة للجميع في الداخل والخارج، وفي المغرب أفرزت انتخابات 25 نونبر 2011 عن احتلال حزب "العدالة والتنمية" للمرتبة الأولى والتي تخوله رئاسة الحكومة الجديدة التي ستتمتع بصلاحيات تنفيذية كبيرة في ظل دستور جديد. من خلال هذه المتغيرات والتي أجملناها في تحول الشخصية العربية، وتزحزح المركزية الغربية عن مواقعها وتصاعد الوعي التدريجي بأسبقية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتأثير الحركات الإسلامية، تتبادر إلى الذهن ملاحظات أساسية في علاقة بها: إن مسار التحول إلى الديمقراطية الجاري أمامنا ليس هو نفسه الذي عرفته أوروبا بدءاً من القرن الـ 15 إلى غاية الثورات السياسية للقرن الـ 18 من حيث خلفيته الفكرية والفلسفية المتمثلة في العقلانية والحرية والمساواة، وليس نفسه الذي عرفته أوروبا الشرقية في التسعينيات من القرن الماضي خاصة في مكوناته الإيديولوجية. إننا أمام نموذج مختلف للتحرر تقوده حركات سياسية ذات مرجعية دينية. كما أن مسار التحول الديمقراطي الجاري أمامنا قد لا يؤدي إلى الديمقراطية بمفهومها وفلسفتها المتداولة عالمياً، وبالتالي قد لا يستجيب لانتظارات فئات وشرائح واسعة من المجتمعات العربية، ساهمت بدور لا يستهان به في الحراك الحالي لكنها لم تجن ثماره. فهل يستدعي الأمر رفض هذا المسار من منطلق معارضته للحداثة والعلمانية وبالتالي التموقع مع أعداء الديمقراطية؟ أم يستدعي التفكير في إعادة تعريف الديمقراطية وعلاقتها بالشعب بشكل يجعلها تستوعب الجميع؟ هل نحصرها في تمثيلية الحاكمين ونختزلها إلى لعبة صناديق الاقتراع دون الاكتراث بما دون الأغلبية السوسيولوجية؟ أليس هناك مجال أوسع من تمثيلية صناديق الاقتراع التي تكرس منطق الغالب والمغلوب؟ لماذا يغلب البعد المسطري والإجرائي ويغفل البعد الفلسفي والفكري في تحديد الديمقراطية؟ ولماذا لا يتم التفكير في تعزيز مشروعية الانتخاب بمشروعية التوافق والتشارك؟ عصام العدوني كاتب مغربي ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©