الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا والصراع على روح أوروبا

روسيا والصراع على روح أوروبا
25 مايو 2014 23:03
ترودي روبين كاتبة ومحللة سياسية أميركية رغم مغادرة الجموع لميدان الاستقلال وسط العاصمة الأوكرانية، كييف، بعد أن غص بمظاهرات كبرى أطاحت الرئيس الأوكراني، فإن علامات الصراع ما زالت قائمة حتى الآن. ففي الساحات مترامية الأطراف المحاذية للميدان، وأيضاً في الشوارع الخلفية يمكن رؤية الخيم والمطابخ المؤقتة التي أقامها المتظاهرون، بالإضافة إلى أكوام من إطارات السيارات المحروقة والركام المتناثر في مؤشر على استمرار الثورة الأوكرانية التي سعى «الكرملين» إلى وأدها من خلال تقسيم البلاد وقيادة حملة دعائية تضع الثوار في خانة «الفاشية». والحقيقة أن موسكو تريد فقط نزع المصداقية عن الانتخابات الرئاسية التي بدأت يوم أمس من خلال التحريض على العنف وجعل التصويت مستحيلاً في المناطق الشرقية من البلاد، لكن رغم كل ذلك لم تمت ثورة ساحة الميدان. كما أن الصراع المستمر بين موسكو وكييف يعكس صراعاً أوسع من أجل روح أوروبا وتوجهها، حيث يتبارى في ساحة الصراع تلك جيل من الشباب الأوكراني المتعلم والمتطلع للديمقراطية، ضد فلاديمير بوتين الرامي إلى بناء إمبراطورية أوراسية قائمة على مناهضة القيم الغربية وعلى الحكم السلطوي. وهنا تبرز أوكرانيا باعتبارها المثال الذي يريد من خلاله بوتين إثبات اندحار الديمقراطية، بعد أن دمر النظام الناشئ بعد الحرب الباردة في أوروبا إثر ضمه لشبه جزيرة القرم دون أن يواجه معارضة تذكر. والأكثر من ذلك أن هذا النزوع العدواني لروسيا يجد له صدى كبيراً لدى أحزاب «اليمين» المتطرف في أوروبا، والتي من المتوقع أن تحقق نتائج جيدة، حسب استطلاعات الرأي، في انتخابات الاتحاد الأوروبي. وبفعل صرامته وعدائه لكل مختلف في التوجه والرؤى، فضلا عن تودده لطهرانية دينية واحتقاره لقيم الغرب تحول بوتين إلى بطل متوج في أعين «المحافظين» الأوروبيين المنزعجين من تداعيات العولمة وقيود الاتحاد الأوروبي، وكما قال المثقف الفرنسي، برنارد هنري ليفي، في منتدى ضم باحثين أميركيين وأوروبيين وأوكرانيين في كييف: «إن الهدف الحقيقي لبوتين هو تقسيم الاتحاد الأوروبي». ويضيف «ليفي» أن بوتين صدق فكرة «الأوراسية» التي اقترحها عليه مستشاره «ألكسندر دوجين»، هذا الأخير الذي سبق أن تحدث عن سيناريوهات تقوم بموجبها روسيا بتقسيم أوروبا وحلف شمال الأطلسي ليتوج بوتين قائداً لفيدرالية فضفاضة من «أوراسيا» وأوروبا تقوم على مناهضة أميركا. ومع أن هذا السيناريو يبدو مغرقاً في الخيال بالنظر إلى ضعف روسيا الاقتصادي والديموغرافي، إلا أنه موجود في ذهن بوتين، يدل على ذلك عدوانه على أوكرانيا بسبب تقاربها مع الاتحاد الأوروبي بدل انضمامها للفيدرالية الأوراسية التي كان منهمكاً في التخطيط لإقامتها. وفي هذا السياق يقول، «قوسطنطين سيجوف»، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كييف «يحاول بوتين تقسيم أوروبا وتأجيج مشاعر معادية لها، وهو الأمر الذي يؤكده تحركه في أوكرانيا»، لذا تظل التداعيات الجيوسياسية لخطة الكرملين واضحة، فإذا نجح بوتين في كبح ثورة ساحة الميدان في كييف، فقد ينتقل في مرحلة لاحقة إلى انتزاع أراض من رومانيا وكازاخستان ولاتفيا بذريعة أن تلك الأراضي تقطنها أقليات ناطقة باللغة الروسية. لكن «منتدى الباحثين»، الذي استضافته كييف أشار إلى التداعيات الوجدانية لمصير أوكرانيا، فقد مرت عشرون سنة على انضمام بلدان وسط وشرق أوروبا إلى الاتحاد الأوروبي بعد انهيار جدار برلين، ليبث ذلك روحاً جديدة في قيم الديمقراطية الغربية، إلا أنه ومنذ ذلك الوقت، غرقت الديمقراطية الأميركية في صراعاتها الداخلية وتحزباتها المتعصبة، فيما تراجع الاتحاد الأوروبي بسبب فقدانه الحماس وبيروقراطيته الزائدة، وقد تحدث المشاركون في المنتدى بنوع من الحنين الجارف عن التطلع نحو الديمقراطية التي شاهدوها في كييف، حيث رفرف العلم الأوروبي جنباً إلى جنب مع العلم الأوكراني. وإذا كان بوتين قد لجأ إلى شيطنة ثورة ساحة الميدان في كييف، فلأنها تمثل بالنسبة له كابوساً يهدد نظامه السلطوي، والمفارقة أنه في الوقت الذي يطالب فيه بتطبيق نظام فيدرالي في أوكرانيا يقوم بتركيز السلطة في روسيا، ومع أن السلطة الجديدة في كييف أعلنت استعدادها تفويض السلطة الإدارية في المناطق والأقاليم، إلا أن ذلك لا يكفي بويتن، بل يريد الترويج لفلسفة جديدة في أوروبا قائمة على الصراع حول السلطة والتأسيس للمعايير غير الديمقراطية، هذا كله فيما يسعى متظاهرو الميدان في كييف إلى العكس ويريدون نظاماً مفتوحاً يستجيب لتطلعاتهم نحو الحرية والرخاء الاقتصادي، وهم في ذلك يفترقون عن جيل آبائهم الذين ترعرعوا تحت الاتحاد السوفييتي، كما أنه لا علاقة لهم بماضي أوكرانيا المناهض للسامية. وبالطبع لن يقبل بوتين بتحرر أوكرانيا، لأن لديه طبقته الوسطى الشابة، التي يتعين عليه التعامل معها، هذا الأمر يوضحه، فولوديمير فياتروفيتش، مدير المعهد الأوكراني للذاكرة الوطنية بقوله «يريد بوتين كسر ثقافة ساحة الميدان قبل أن تكسره»، فلو نجحت الثورة الأوكرانية، وهو ما يتطلب دعماً متواصلاً من أوروبا والولايات المتحدة، فإن ذلك سيكون له آثار عميقة على روسيا، لكن إذا فشلت سينطوي الأمر على خطورة كبيرة بالنسبة لمستقبل أوروبا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي.انترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©