الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرئيس المنتخب··· ومستشارو السياسة الخارجية

الرئيس المنتخب··· ومستشارو السياسة الخارجية
10 نوفمبر 2008 00:08
غالباً ما تكون الحملات الانتخابية مصدر إحباط لمنظري السياسة الخارجية، ليس فقط لأن المرشحين يستخدمون لغة بسيطة وشعبية للتملق للناخبين البعيدين عن هموم الثقافة والفكر، بل لأن من يبدي منهم مقدرة فكرية ويحظى بإعجاب أساتذة الجامعات نادراً ما يحرز تقدماً في الانتخابات الرئاسية· فعلى سبيل المثال تعرض المرشح ذو الثقافة العالية، ''أدلي ستيفنسون''، لهزيمتين ساحقتين على أيدي الجنرال السابق ''دوايت إيزنهاور''، وعندما صرح أحد مناصري ''ستيفنسون'' المتحمسين أنه متأكد من ضمان صوت كل مفكر في أميركا رد عليه ''ستيفنسون'' قائلاً: ''شكراً، ولكني أحتاج لأغلبية أصوات الأميركيين للفوز''· والحقيقة أن هذا التوجه الأميركي المناهض للمرشحين المفكرين استمر لسنوات بعد ذلك ليظهر في حملة آل جور ونفور الناخين من أسلوبه في النقاش خلال العام ،2000 وابتعادهم أيضاً عن جون كيري في انتخابات 2004 رغم إجادته للغة الفرنسية وتصويتهم لصالح جورج بوش· لكن ما أن تضع الحملة الانتخابية أوزارها ويسدل الستار على السباق حتى تأخذ الأمور طريقاً آخر مختلفاً، ويبدأ الرؤساء المنتخبون في العودة إلى الأكاديميين المختصين في السياسة الخارجية بحثاً عن المشورة والرأي، وفي هذا السياق لجأ جون كنيدي وليندون جونسون إلى ماكجورج باندي من هارفارد ''وولت روستو'' من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا للاستعانة بآرائهما ومعرفتهما الأكاديمية بميدان العلاقات الخارجية· ومن جانبه استدعى الرئيس ريتشارد نيكسون هنري كيسنجر وأنزله من برجه العاجي في الجامعة إلى واقع العلاقات الدولية، وأسند إليه مسؤوليات غير مسبوقة في الأمن القومي، أما جيمي كارتر فقد استعان بزبجينيو بريجنسكي من جامعة كولومبيا، فيما لجأ الرئيس بوش إلى كوندوليزا رايس من ستانفورد وبول وولفوفيتز من جون هوبكنز وكلاهما سجل بصمتهما في الشؤون الدولية· ويبدو أن استقطاب أكاديميين مشهود لهم بالحنكة والموهبة من الجامعات العريقة هي عادة أميركية خالصة، إذ لا يوجد بلد آخر في العالم يلجأ قادته السياسيون بنفس درجة الرؤساء الأميركيين إلى المتخصصين في العلوم السياسية، ويتعاملون مع هذا الفرع الأكاديمي بذات الجدية، فمن غير المتوقع مثلا أن يستعين رؤساء الوزراء في بريطانيا بأكاديميين من أوكسفورد وكامبريدج من أجل المشورة الدبلوماسية· ومع أن الفرنسيين يتحدثون كثيراً عن الثقافة ويفتخرون بمدارسهم العليا، إلا أنها تنتج بيروقراطيين أكثر من خبراء استراتيجيين كما في الجامعات الأميركية· فمن هم الأكاديميون الأميركيون المرجح المناداة عليهم خلال الأسابيع القليلة المقبلة للالتحاق بفريق أوباما؟ هنا يبرز اسم سامانتا باور من جامعة هارفارد الفائزة بجائزة ''بوليتزر''، وهي رغم استقالتها من حملة باراك أوباما في شهر مارس الماضي بسبب وصفها لهيلاري كلينتون ''بالوحش''، إلا أنها من المحتمل العودة مجدداً إلى فريقه بعد الانتخابات، حيث يُعرف عنها إيمانها القوي بالجانب الأخلاقي في السياسة الخارجية وانتقادها الشديد لما يجري في إقليم دارفور السوداني· البروفيسور ''جون إيكنبوري'' من جامعة ''برينستون''، هو أيضاً أحد الأسماء المحتمل تعيينها في إدارة أوباما الذي يصف تصوره ''بعملية بناء نظام ليبرالي''، وهو يرى أنه على أميركا الاحتفاظ بدورها الريادي من خلال بناء مؤسسات دولية فعالة وإقامة التحالفات مع القوى العالمية بالطريقة نفسها التي انتهجها فرانكلين روزفلت وهاري ترومان· والحقيقة أن هناك العديد من الأكاديميين الذين وقفوا إلى جانب أوباما خلال حملته ويحتمل انضمامهم إلى إدارته لعل أبرزهم ''سارة سيويل''، المختصة في حقوق الإنسان من جامعة هارفارد، والتي سبق لها أن تعاونت مع الجنرال ديفيد بترايوس لصياغة الدليل الخاص بالجيش الأميركي حول طرق مكافحة التمرد· وتبرز أيضاً في هذا السياق ''سوزان رايس'' مساعدة وزير الخارجية في إدارة كلينتون للشؤون الأفريقية، وأنتوني ليك، الأستاذ في جامعة جورج تاون ومستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كلينتون· ولا شك أن ما يثلج الصدر في هؤلاء الأكاديميين الذين من المحتمل انضمامهم إلى إدارة أوباما مؤهلاتهم الفكرية الفذة التي تظهر من خلال كتبهم ومقالاتهم الأكاديمية، لكن المشكلة أن ''وولت روستو'' و''بول وولفوفيتز'' كانا أيضاً من خيرة الأكاديميين، وأنتجتا كتباً ومقالات حول الطريقة الأمثل لاستخدام القوة الأميركية ونشرها في العالم· فكيف يمكن لهذا الجيل الجديد من خبراء السياسة الخارجية تجنب الأخطاء التي ارتكبها أسلافهم؟ الحقيقة أن المشكلة تكمن في الأكاديميين الذين يتبنون نظرية معينة ويسعون إلى إثباتها ما قد يؤدي في النهاية إلى سوء قراءة الواقع والتعامل معهم بتعسف حتى يتناسب مع تصورهم المسبق· وعلى سبيل المثال اعتبر ''روستو'' خلال إدارتي كنيدي وجونسون أن دول العالم تحركها جميعاً المصالح الاقتصادية ولا شيء آخر سواء في الحرب، أو السلم، وهو ما جعله يعتقد أن تدمير البنية التحتية لفيتنام الشمالية كفيل بإقناع ''هو تشي منه'' بالتراجع لتقليل الأضرار الاقتصادية، لكن ما حدث أن هذا الأخير امتص القصف الأميركي لبلوغ الهدف الأسمى المتثمل في تحقيق الوحدة، حيث فشل ''روستو'' في تقدير قوة الأيديولوجية التي تلعبها المشاعر القومية· وبنفس الطريقة اعتبر ''بول وولفوفيتز'' أن الإطاحة بصدام حسين سيقود تلقائياً إلى نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، ومع أنه من المبكر إصدار حكم مطلق بهذا الشأن، إلا أن المشهد بعد مرور خمس سنوات لا يبدو مشجعاً· ولحسن الحظ يختلف إيكنبوري وباور عن روستو وولفوفيتز، بحيث يؤمنان معا بالدبلوماسية المتعددة الأطراف وبأولوية الحوار في حل المشاكل وبضرورة الحديث إلى الأعداء، كما أنهما يُقران معاً بوجود مساحات رمادية بين الأسود والأبيض تجاوز محوري الخير والشر اللذين أقرهما الرئيس بوش· ديفيد ميلن أستاذ السياسة الأميركية بجامعة إيست أنجليا بالولايات المتحدة الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©