الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كيمتش وأزمة الهوية

8 نوفمبر 2008 02:57
ليس هناك على الأرجح دولة في العالم أكثر تجسيداً للقدرة على التعامل مع تحديات ومصاعب التحديث من كوريا الجنوبية، فمجتمعها مرجل للمنافسة والتناقض تتنازعه مشاعر تتراوح بين احترام الماضي والسعي من أجل المستقبل· وشعب هذه الدولة التي شقت طريقها من العالم الثالث إلى العالم الأول في جيل واحد، يعمل في الوقت الراهن لساعات طويلة، ويرتكب المزيد من حوادث الانتحار، مقارنة بأي شعب من الشعوب التي تواجه نوعاً من التمزق الثقافي بين الشخصية التقليدية والعالم المتعولم، وهو ما يتجسد في الوقت الراهن فيما يطلق عليه ''عجز كيمتشي''· من الصعب تجاهل القيمة الثقافية للـ''كيمتشي'' في المجتمع الكوري الجنوبي، والـ''كيمتشي'' للعلم هو الطبق الرئيسي في هذا البلد، وهو عبارة عن ملفوف متخمر في الثوم، والفلفل الأخضر الحار، والخل· وهو لا يمثل مجرد طعام فحسب بالنسبة للكوريين الجنوبيين، وإنما هو رمز وكنز وطنيّان· ففي تاريخ سابق من العام الحالي، عندما غامر أول رجل فضاء كوري جنوبي بارتياد الفضاء، أنفقت ثلاثة مراكز أبحاث حكومية في هذا البلد ملايين الدولارات لإنتاج نوع من الـ''كيمتشي'' الخالي من البكتيريا لإرساله مع ذلك الرائد إلى الفضاء، لأنه ''إذا ما ذهبت كوريا الجنوبية إلى الفضاء فإن الـ''كيمتشي'' يجب أن يذهب معها''، على حد تعبير أحد العلماء المشرفين على هذا المشروع· وفي الآونة الأخيرة، ألقت وزارة الزراعة الكورية الجنوبية بثقلها وراء حملة عامة- خاصة كلفتها 40 مليون جنيه، الهدف منها الترويج للمطبخ الكوري الجنوبي في الخارج، وإكسابه شهرة لا تقل عن شهرة المطابخ العالمية كالمطابخ الفرنسية، واليابانية، والتايلاندية، والصينية، والإيطالية· وبالإضافة إلى تأسيس مدارس غذائية كورية جنوبية في الخارج، فإن من أهداف الحملة أيضاً مضاعفة أعداد المطاعم الكورية الجنوبية في الخارج أربع مرات بحلول العام ·2017 ولكن تقريراً قُدّم إلى البرلمان الكوري الجنوبي الأسبوع الماضي، أظهر قصوراً رئيسياً في الطموحات الغذائية الكورية، يتمثل في أن كميات الـ''كيميتشي'' الجاهزة المستوردة من الخارج، وخصوصاً من الصين تفوق بكثير الكمية التي يتم إنتاجها محلياً، وهو ما يرجع إلى رخص سعر الـ''كيمتشي'' المستورد من الصين مقارنة بمثيله الكوري الجنوبي· وأشار التقرير إلى أن الإقبال المتزايد على استهلاك الـ''كيمتشي''، أدى إلى زيادة الكميات المستوردة منه من الصين خلال الفترة بين 2004-2007 إلى 376 %· الأكل لا يعني فقط إشباع الحاجات الفسيولوجية للإنسان، وإنما يؤدي أيضاً وظائف ثقافية واجتماعية أيضاً، ويلعب دوراً أساسياً في الطريقة التي يخلق الناس بها هويتهم القومية، ويحافظون عليها· حتى الآن، كانت معظم السجالات الدائرة حول العولمة تدور حول شرور ''التنميط الغذائي'' أي نشر الثقافة الغذائية ''الماكدونالدية'' وتوحيدها في مختلف أنحاء العالم·· بيد أن قلق كوري بشأن العجز في الـ''كيمتشي''، يشير إلى جانب أكثر دقة وأكثر تهديداً لنمط الحياة الحديثة يتمثل في صورة سؤال هو: ما الذي يحدث عندما تبدأ في استيراد الطعام الذي تعتبره رمزاً لهويتك القومية الخاصة من الخارج؟ الناس يميلون في أوقات التغيرات الكبرى للتعلق بما يعتبرونه جوهراً لثقافتهم ودينهم· ويعتقد المختصون أن العجز الذي تعاني منه كوريا الجنوبية في الـ''كيمتشي'' يمكن أن يكون مؤشراً على مستقبل نصبح فيه على وعي حاد بالطريقة التي نرتبط فيها مع بعضنا بعضاً، على نحو قد يؤدي إلى زيادة مشاعر التشوش الشخصي، والإقصاء، والقلق، ويقود في النهاية إلى التمترس الثقافي الإقليمي· ومن هنــــا، فـــإن الـ''كيمتشي'' المستورد من الصين يمكـــن أن يأتي حامـــلاً معـــه الرائحـــة النفاذة التي تنم سلفاً عن خلافات المستقبل· جريجوري رودريجيز مدير برنامج فيلوز في نيو أميركا فاونديشين ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©