الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاستفتاء السويسري.. والديمقراطية المباشرة

24 مايو 2014 00:31
ليونيد برشيدسكي كاتب مقيم في موسكو هل يمكن للديمقراطية المباشرة أن تنجح؟ أعتقد أن الاستفتاء السويسري حول حد أدنى للأجور في البلاد يشير إلى أنها قد لا تكون فكرة سيئة مثلما يريد بعض السياسيين إقناعنا بذلك. كان السؤال هو عما إن كان ينبغي تحديد حد أدنى للأجور عند 22 فرنكاً للساعة (حوالي 25 دولاراً)، وهو ما يعادل نحو 4300 دولار في الشهر، ليصبح بذلك من بين الأعلى والأكثر سخاء في العالم، غير أن إحالة الأمر إلى استفتاء شعبي بدت خطوة خطرة: إذ لماذا لن يرغب الناس في تأمين أنفسهم ضد الفقر؟ والواقع أن استفتاءات أخرى لم تكن تبشر بالخير، على غرار ذاك الذي أجري في فبراير الماضي حول الحد من الهجرة من خلال تحديد حصص صارمة. كما حذر مسؤولون حكوميون وخبراء اقتصاديون أيضاً من أن من شأن هذه الخطوة الإضرار بتنافسية البلاد وإضعاف اقتصادها. بل إن شركة «ويذرفورد إنترناشيونال» لخدمات حقول النفط، التي بلغت عائداتها 15 مليار دولار في 2013، ذهبت إلى حد توصية مساهميها بالموافقة على نقل مقر الشركة من كانتون «تسوك» حيث الضرائب منخفضة إلى إيرلندا، والسبب الرئيسي هو أن البيئة القانونية والتنظيمية في إيرلندا «أكثر استقراراً وقابلية للتنبؤ»، لأن البلاد لا تعتمد الديمقراطية المباشرة، التي يمكن من خلالها تغيير القوانين وحتى الدستور عن طريق استفتاء. ولكن في 18 مايو، رفض السويسريون المقترح بأغلبية كبيرة، حيث صوت ضده 76 في المئة من الناخبين الذين شاركوا في الاستفتاء. وإذا نظرنا إليه بالمقارنة مع استفتاءات أخرى، نجد أن هذا الاستفتاء يشير إلى أن رغبة السويسريين في الواقع قابلة للتنبؤ إلى حد ما: فهم قد لا يحبون الأجانب ولكنهم يرفضون أيضاً العبث بالحريات الشخصية وحرية الأسواق. والواقع أن السويسريين يعيدون التأكيد باستمرار على ارتيابهم في الأجانب. ففي 2009، حظر استفتاء شهير بناء المآذن. وفي العام الماضي، صوّت 78 في المئة لصالح قانون لجوء أكثر تشدداً وصرامة. ثم هناك استفتاء 2014 المعارض للهجرة، الذي اعتبره مسؤولو الاتحاد الأوروبي تحدياً لسياساتهم المتعلقة بحرية التنقل، ويمكن أن يصبح سابقة خطيرة لبلدان أخرى مثل بريطانيا حيث يشعر الناس بالقلق من التدفق المتزايد للعمال من البلدان الواقعة على أطراف الاتحاد الأوروبي. وعلى رغم أن بروكسل ردت على ذلك باستبعاد سويسرا من برنامج لتبادل الطلبة وتجميد اتفاقية حول تبادل الطاقة، إلا أن استطلاعاً للرأي أجري تزامناً مع الاستفتاء السويسري أظهر أن الألمان كانوا سيصوّتون هم أيضاً بنفس الطريقة لو طلب منهم ذلك. وقد أثبت السويسريون كذلك أنهم مؤيدون للتجارة والأعمال، حيث رفضوا في 2012 مقترحاً يدعو لتمديد فترة الإجازة بالنسبة للعمال من أربعة أسابيع إلى ستة. وفي العام الماضي، رفضوا مقترحاً كان سيضع سقفاً لرواتب المديرين التنفيذيين يعادل ضعف الراتب الذي يتقاضاه أقل عامل أجراً في الشركة باثنتي عشرة مرة. ولكنهم منحوا المساهمين حق الموافقة على رواتب المديرين التنفيذيين. وقد أظهرت دراسة شملت 22 استفتاءً حول مسائل تتعلق بإعادة توزيع الثروة أجريت بين 1981 و2004 أن سن الناخبين هو أفضل مؤشر على الكيفية التي سيسير بها استفتاء ما، وليس تصنيفهم وفق الدخل والمستوى التعليمي، ذلك أن الناخبين من كبار السن كانوا يعارضون باستمرار خفض مدة العمل، ووسائل حماية أكثر سخاء للعاطلين عن العمل. وفي هذا السياق، كتب الباحثان جوليانو بونولي وسيلجا هوسرمان يقولان: «إن الشخص المتقاعد لن يعتمد مرة أخرى على تقنين سوق العمل أو إعانات البطالة أو سياسات الأسرة. ولذلك، فإن حسابات التكاليف والأرباح واضحة وصريحة أكثر، والتعقل في صنع القرار حاضر بقوة في القرارات الفردية». وبالنظر إلى حقيقة أن نسبة المشاركة في الاستفتاءات السويسرية هي 40 في المئة في المتوسط، والناخبون الشبان لا يميلون إلى المشاركة فيها عموماً، مثلما هو الحال في بلدان أخرى، فإن الأفكار المحافظة للناخبين من كبار السن والتشبث بأخلاقيات العمل السويسرية التقليدية يضمنان، في الغالب، عدم تمرير المبادرات اليسارية. وقد أكد السويسريون حكمتهم من خلال رفضهم لمعظم الأفكار غير المعقولة، مثل إلغاء القوات المسلحة أو التحكم في أسعار الكتب، وكذلك مقترحات محافظة جداً ذات حمولة سياسية مثل إنهاء تغطية التأمين الصحي لعمليات الإجهاض. إنهم شعب واقعي ومنطقي وافق مؤخراً على رصد استثمارات إضافية في البنية التحتية المتعلقة بالسكك الحديدية ولكنه رفض صفقات ومشاريع أخرى يراها غير ضرورية. ولو كان لحزب سياسي سجله بخصوص نمط التصويت، لكان هذا الحزب ليبرالياً ومعتدلاً. وأعتقد شخصياً أن الناس في معظم البلدان سيصوتون على هذا النحو الحذر والعقلاني الذي يفعله السويسريون، إذا عرفوا أن قراراتهم ستوضع موضع التنفيذ بشكل فوري. وعلى غرار أي رجال في منتصف العمر، فإن السياسيين يتمسكون بدورهم كوسطاء، حيث يتحدثون عن التهديد الشعبوي وافتقار الناس العاديين للمعرفة المتخصصة. غير أن السويسريين ليسوا مختلفين عن بقية الشعوب. فهم ليسوا أذكى من الألمان أو التايلانديين أو الأوكرانيين، وإنما هم أغنى فقط -والغنى، حسب بونولي وهوسرمان، ليس مؤشراً جيداً لأنماط التصويت. وإذا كانوا يستطيعون التصويت على نحو مسؤول، فليس ثمة سبب لعدم نجاح الديمقراطية المباشرة في بلدان أخرى. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©