الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغرب الرسمي والشعوب العربية: سوء فهم!

13 مايو 2011 22:11
التطورات التي شهدتها وتشهدها المنطقة العربية، تدخل ضمن الأحداث الكبرى لنوعية نتائجها. من الممكن القول إن مفهوم الحرية والإنسانية والديمقراطية المرتبطة بالعالم الغربي ستكون أحد المفاهيم التي ستعرف تغييرات جذرية. والمقصود بتغيير هذه المفاهيم لا يعني بأي حال إعادة تعريفها الاصطلاحي أو الفلسفي، بل المعني بالتغيير مصدر هذه المفاهيم كقيم إنسانية. في بداية عصر ما يسمى بالنهضة بالعالم العربي ظلت باريس ولندن وغيرها من العواصم الغربية الوجهات المفضلة لرموز التنوير العربي من طه حسين إلى رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده والأفغاني …وغيرهم كثير. وعلى نفس المسار نشأت أجيال كثيرة في فترات التحرر وما بعد الاستقلال حيث نظر الناس بعين الأمل إلى الغرب باعتباره منبع الحرية والإنسانية وملجأ للديمقراطية. وفي فترات الصراع بين قيم الاستبداد وقيم الحرية احتضنت باريس ولندن وغيرها من العواصم الغربية رموز المعارضة في العالم العربي وشكلت واحات وارفة الظلال لحرية التعبير واحتضان المطالبين بالديمقراطية. ليست هذه الصورة وليدة الوضع السياسي المعاصر. إنها تضرب بجذورها في عمق الحركة الإنسانية التي نشأت في أوروبا كحركة ثقافية واسعة استهدفت التخلص من قيود الفكر الديني وسعت إلى اعتبار الفرد محور الفكر الإنساني. ولم يكن عصر النهضة والأنوار سوى تتويج لمسار إنساني لإعادة تعريف الإنسان باعتبار أن الحرية والكرامة والإرادة أسس لا محيد عنها لإنسانيته. هكذا ترسخت صورة الغرب الإيجابية في تمثلات أجيال كثيرة في العالم العربي. لكن يبدو أن هذه الصورة الوردية التي غزت المخيال الاجتماعي للإنسان العربي تتضرر في الظروف الحالية بشكل كبير أو على الأقل سينشأ جيل جديد لا يثق كثيراً في الغرب وخاصة حكوماته، حكومات يظهر يوماً بعد يوم أنها تغض الطرف عن المطالب الديمقراطية. فعلى امتداد التطورات الجارية في العالم العربي توصل بريدي الإلكتروني بعشرات الرسائل مفادها” حكومات العالم الحر خذلتنا،” من ليبيا يقول الصديق محمد” كان أملنا كثيراً في حظر جوي لكن يبدو أن القذافي يمتلك أوراق ضغط كبيرة على الرؤساء الغربيين، وإذا كان صحيحاً قد مول الحملة الرئاسية لساركوزي فسأكون حزيناً على مآل فرنسا الحرية والإخاء والمساواة. ” أتصور حجم الإحباط الذي يملأ إحساس محمد، هو الذي عرفته برصانته الكبيرة وحماسه الصادق نحو قيم الحرية. رسائل من هذا القبيل توحي بأن صورة الغرب وحمولته الإيجابية التي نشأت عليها أجيال كاملة ماضية إلى التغيير بفعل سياسة الحكومات التي لا ترى من المستقبل سوى مصالح ظرفية مرتبطة بأنظمة. ولعل أحدث ضربة تلقاها بلد الأنوار هو حديث متواتر عن “علاقة” بين ساركوزي والقذافي. هذه مجرد أمثلة عن العلاقات المريبة مع مؤسسات رسمية غربية تعلن على الملأ دعمها للحريات والديمقراطية، وتتواطأ لضمان استمرارية مصالحها الضيقة. أكثر من صوت أكاديمي غربي نبه إلى حالة الاستياء الشديد التي تسود شباب العالم العربي نتيجة الصمت الغربي أو ضعف حماسته اتجاه حراك الشعوب. العديد من التحليلات لم تفسر ذلك بمصالح شخصية لبعض صناع القرار السياسي الغربي، بل عزت الأمر إلى حالة الخوف التي تسيطر على الخيال السياسي الغربي من احتمال انتهاء الثورات العربية بين أيدي المتطرفين الإسلاميين. ما يقع في ليبيا يذكر الكثيرين في العالم العربي بما حدث في العراق بعد حرب الخليج الأولى عام1991، شجع الأميركيون والبريطانيون الناس في جنوب العراق على الثورة ضد نظام صدام حسين الذي أصبح ضعيفاً. وكان السيناريو المقترح أو هذا ما تم الإيحاء به: تبدأون أنتم المهمة ونحن نتدخل لإنهائها. ولكن سرعان ما استعاد صدام حسين سيطرته منفذاً عمليات انتقامية أودت بحياة الآلاف، واختفى آخرون في السجون دون أن تحضر مساعدة دولية للسكان. قد يكون للحكومات الغربية ما يبرر خوفه بحكم الحمولة الإعلامية والرمزية التي تتحكم في صنع القرار. قد يكون أحد هذه العوامل ذلك الخوف من التيارات الإسلامية وعدم وضوح طبيعة المعارضين الجدد. وهنا يقول الخبير في الشؤون الإسلامية الفرنسي أوليفي لوروا” من بنغازي إلى طهران، ينزل الشبان إلى الشوارع للمطالبة بالحرية والديمقراطية. لذلك يجب على أوروبا أن لا تترك الخوف من الإسلام يعميها وعليها أن تدعم الشبان”. من حسن الحظ أن العقل الغربي دائم المساءلة لذاته من خلال أصواته النقدية القادرة وباستمرار على مساءلة الذات. فسواء مع أوليفي لوروا أو مع إمانويل مارتان وغيرهما يظل سؤال العقل حاضراً، ويظل المثقف والأكاديمي قادراً في كل مرة على إعادة تصويب بوصلة السياسي نحو قيم الحرية والديمقراطية والإنسانية، وعلى هذا الأساس، هناك أمل كبير في أن يستطيع الجسم الأكاديمي من العالم الحر في تصحيح مسار العلاقة بين العالمين العربي والغربي. إن الجانب السياسي السريع من أزمة الثقة الحاصلة بين الغرب الرسمي والشعوب العربية يمكن تصحيحه بقرارات أكثر جرأة ومنحازة لقضايا الإنسان، أما الجانب العميق فيحتاج إلى صيغ أكثر تقدماً من قبيل الالتحام بالعالم العربي و المساهمة في تأسيس بنيات مؤسساتية مستقلة وسليمة وتراعي الحراك السياسي والاجتماعي السائد في المنطقة. عزيز مشواط - كاتب مغربي ينشر بالتعاون مع مشروع "منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©