الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في قصص مريم والحظ السعيد لمريم الساعدي

في قصص مريم والحظ السعيد لمريم الساعدي
6 نوفمبر 2008 01:49
تكتب القاصة الإماراتية ''العيناوية'' (نسبة إلى مدينة العين)، كما تصف نفسها في إحدى قصصها، مريم الساعدي، بروح الكاتبة المتمردة والباحثة عن ذاتها في صراعها مع المجتمع وتقاليده من جهة، ومع الوجود والكون من جهة أخرى، وترتاد عوالم المرأة في علاقاتها وتفاصيل حياتها، من خلال سرد تأملي حيناً، ووقائعي حيناً آخر، لتخلص إلى حكمتها الخاصة التي تأتي نتاج تجربة تبرز قدرتها على فهم الحياة والعالم، كما تبرز القدرة على جعل فن القصة حاملا لهموم الإنسان· ففي ''مريم والحظ السعيد'' وهو عنوان المجموعة القصصية التي هي باكورة إنتاجها الصادرة حديثا عن دار ملامح في القاهرة، تبدأ مريم بتقديم تصورها للفن وعلاقته بالحياة، حيث ترى أن ''الفن هو الحياة''، وتوضح أن ''الفن نشاط إنساني ضد الكآبة، الملل، الإحباط، نكد الحياة الروتينية اليومية بكل أشكاله ودرجاته، الفن إعلان تمرد على الشقاء، البؤس، والتعاسة·· هدر الوقت والحياة· الفن في مواجهة الموت·· هو الحياة''· بلا فذلكات قصص مريم الساعدي بسيطة وبلا فذلكات أو تعقيدات، هي قصص تسرد تفاصيل الحياة اليومية لشخوصها، شخوص تختارهم من واقعها ومحيطها والعالم الذي تتصل به، بدءا من البيت والحي والمدينة المحلية، وانتهاء بسائق التاكسي في آيسلندا· قصص تسرد وقائع حياة وتأملات امرأة وحيدة، رغم العالم المحيط بها، أو ربما بسبب هذا العالم، فهي تشعر بمشاعر عجيبة تجاه عالمها، مشاعر رفض وتمرد وتساؤلات كبيرة· وينبغي الانتباه هنا إلى أن الكاتبة تكتب ما يشبه يومياتها، حيث يرد اسمها ''مريم'' في أكثر من قصة من قصص المجموعة· هي قصص تختزل الحياة واللغة في جملة قصيرة مكثفة، ومن كلمات قليلة تخلق عالمها الذي لا يمكن اختزاله· فمنذ البداية تنطوي القصة الأولى ''جرادة وفنجان قهوة'' على تساؤلات مهمة مثل ''هل بالضرورة أن يكون لكل شيء جدوى؟ ألا يجب أن نتوقف عن توقع الجدوى في كل شيء حتى تبدو الحياة أسهل؟ أم الأهم أن تبدو الحياة أكثر معنى من أن تبدو أسهل؟''· وهي تتحدث هنا عن جدوى الكتابة بالنسبة لفتاة تجلس وحيدة وتحتسي القهوة، وتفكر بكتابة ما تشعر به، لكنها تستنكف عن ذلك بسبب شعور اللاجدوى، رغم أنها بعد سطور قليلة تعود وترى أن ''فن القصص يتيح لنا الدخول في حيوات الآخرين''· وفي الإطار نفسه من العلاقة مع الكتابة وطبيعة فهم الكاتبة لها، نقرأ عن فهم الكاتبة للكتابة رأيا على لسان بطلة قصة ''أشياؤك التي تبهجك'' تقول فيه إن ''التدوين فن ابتكره البشر ليتذكروا ماذا فعلوا بالأيام السابقة، وماذا عليهم فعله في الأيام اللاحقة، كان هذا يساعدهم دوما على استيعاب أحداث الماضي، والاستعداد لأحداث المستقبل''· ففي هذه الفقرة فهم جديد لطبيعة الفن والكتابة تتجلى في رؤية الكاتبة لدور الناس في الحياة، ورؤيتها لكونهم ''لا يطوون الصفحات دون جدوى، هم يطوونها ليبدأوا صفحات جديدة''· وهي تقول أيضا ''قصصي الصغيرة الكثيرة، أسباب حياة''، وتضيف على لسان رجل ''لا يمكنك أن تكتفي بكتابة القصص فقط''، وتوضح ''لا يدرك أن فقط بأشيائي الكثيرة أكون أنا·· وأنا بالذات، أكبر''· الكاتبة تتناول في قصصها حياة الناس وحياتها هي، ففي القصة الأولى، وبينما الفتاة تحتسي قهوتها وتتأمل العالم من حولها، تستوقفها علاقة الخادمة بجرادة تحوم في المكان، وتراقب هي هذه العلاقة بشغف، وترى كم هي الخادمة سعيدة بالتعامل مع الجرادة، وحين تنتقل الجرادة إلى الفتاة لا نشعر بالعلاقة نفسها، ولا نشعر بسعادة الفتاة، فهي سرعان ما تعود إلى الخادمة، ونجد الفتاة تتساءل عما يفرح الخادمة ''ما الذي يسعدها وهي الخادمة؟''· توجه نقدي ورغم أن القصة تريد إبراز هذا الجانب، إلا أنها تركز على ظرف الخادمة التي ''تعيش غريبة في أرض غريبة·· تخدم غرباء، منذ عامين لم تر أطفالها، منذ عامين لم تر أمها·· لم تر وجها تألفه ويألفها··· ولا زال في وجهها مساحة للابتسام، وفي قلبها مخزون للضحك تستفزه جرادة''· والأمر هنا يتعلق بسؤال الحياة ومعناها، ومحاولة البحث عن دروب الفرح وسط الكآبة والأسئلة· وفي معالجتها هموم المرأة وقضاياها، تتوجه الكاتبة توجها نقديا، حيث ترى الخضوع والخنوع والمعاناة، سواء في الحياة الاجتماعية والأسرية، من خلال العلاقة في الزواج والأهل والأبناء، أو من خلال العلاقة بالعمل والزملاء، أو حتى في مدى احتياج المرأة للرجل ولو كان ''ظلا''، وخيانة المرأة لجنسها حين تتخلى عنها (كما يحدث في قصة ''عيناوية'' مثلا)، حيث تتخلى عائشة عن صديقتها التي تعشق شقيقها ''حمد'' ويعشقها، حين يفكر في الزواج من ''إحدى قريباته''، وقد كانت عائشة ترعى هذا العشق وتدعمه، لكنها لسبب ما تخلت عنه، في مشهد تقوم خلاله بتوزيع دعوات لعرس شقيقها· ومن خلال إحدى بطلات قصصها، تبدو الكاتبة كمن يرسم الماضي الذي لا يمضي، ويرفض الحاضر الكئيب، ويبدو ذلك ابتداء من قصة ''العجوز'' التي تبرز مشكلات المرأة حين تشعر أن الجميع قد تخلوا عنها وباتت وحيدة، وتجلس تتذكر ''رائحة أغنامها وصدأ صندوقها العتيق''، أو تتذكر ''حياة البادية البعيدة، صحراء ورمال وعطش على امتداد الأفق··'' وحيث العجوز في تلك الأيام من شبابها هي ''الحرمة·· لم يعرف لها اسم''· فهي مجرد ''حرمة'' محرومة من تفاصيل الحياة خارج بيتها، وليست سوى زوجة يتحكم الزوج بمصيرها
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©