الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سقوط زوجة الاثنين

سقوط زوجة الاثنين
9 مايو 2013 21:49
أحمد محمد (القاهرة) - سرقت «سماح» كل ما غلا ثمنه وخف وزنه من بيت زوجها التاجر وهربت في جنح الليل، ولم يكن هروبها صعباً أو يحتاج إلى خطة للتخفي، فهي تقيم معه وحدهما في شقة مستقلة بعيداً عن زوجته الأولى وأولاده الذين من بينهم من يكبرها في العمر فهي في الخامسة والعشرين من عمرها، بينما زوجها تخطى الخمسين تزوجها منذ عام واحد لم تشعر خلاله بالراحة النفسية ولا بالسعادة، فالمسافة بينهما شاسعة ولا مجال للتقارب ودائماً مشغول بتجارته ولا يهمل أسرته الأولى، وكثيراً ما تقضي الليل وحدها بين أربعة جدران ولا تستطيع القنوات الفضائية الكثيرة أن تؤنس وحدتها وإذا اتصلت به هاتفياً رد عليها بكلمات مقتضبة. لم تكن راغبة في تلك الزيجة ولا رافضة لها، لكنه عندما تقدم لأسرتها وافقت عليه لأنه ليس به ما يعيب، وكما قالت لها أمها لا مانع من أن تكون الزوجة الثانية، فهي الصغرى والجديدة والتي تحظى باهتمام الزوج الثري الذي سيغدق عليها بأمواله، وقد ظهر ذلك في البداية في فترة الخطوبة، أليس هذا أفضل من عيشة الفقر التي تحياها وتغرق فيها ولا تجد أحياناً جلباباً آخر تبدل به؟ لكن بعد الزواج لم تعوضها الأموال عن العزلة التي كانت فيها وشعرت أسرتها بما تعانيه، لكن لم يلتمس أحد لها عذراً في شكواها. واجهت زوجها بمتاعبها وبما تعانيه، لكنه لم يناقشها ولم يعدها بحال أفضل، بل ثار في وجهها واتهمها بأنها ترفض النعمة ولا يناسبها إلا الضنك الذي كانت فيه، وعيرها بأحوال أسرتها المعدمة ويكفي أنه يجعلها تعيش في نعيم لا تحلم به، وقطع الحديث وهو يهددها ويحذرها من العودة إلى هذا الكلام وسد في وجهها كل السبل ولم يدع لها خياراً آخر، هكذا حدثت نفسها وليست مضطرة للاستمرار في هذا السجن بلا جريمة فأخذت مجوهراتها والمبالغ التي كانت بن يديها، وبعض الأجهزة غالية الثمن خفيفة الوزن وانطلقت نحو المدينة ارتمت وسط الزحام، هنا لا أحد يسأل عن أصل ولا فصل، استأجرت شقة وأقامت فيها إلى أن تجد لها عملاً. لم تشعر سماح بالذنب لأنها سرقت أو لأنها هربت من زوجها واختفت من أمام عيون أسرتها، ولا يهمها أنهم سوف يتألمون لمجرد فعلتها، وكذلك الفضيحة التي ستلحق بالجميع من تحت رأسها، فكلهم لم يرحموها ولم يشعروا بما كانت تعانيه، فلا سبب للندم ولا للتفكير فيما مضى المهم ما هو الآتي، فهي في كل الأحوال بحاجة إلى رجل تحتمي به وتعيش في ظله، لكن لا يمكن أن تقلب الأوضاع وتذهب لتخطب واحداً من الشباب عليها أن تنتظر الفرصة التي ترى أنها قريبة، ولا داعي للاستعجال، وهي معها ما يكفيها واستأجرت محلاً صغيراً في نفس المنزل الذي تقيم فيه وبدأت الاتجار في الأجهزة الصغيرة تجارة محدودة لا تحتاج إلى خبرة ولا مجهود كبير. لم يكن «ماهر» حسن النية وهو يتقرب منها، فهو شاب وصولي طماع يعشق المال ولا يهتم بمصدره، زاغت عيناه على المجوهرات التي تتحلى بها وتكاد تغطي رقبتها ومعصميها، أظهر أمامها شهامة مصطنعة وقدم لها خدماته، وهو يساعدها في عملها ويرفض أي أجر لأنه في الحقيقة يخطط لما هو أكبر وليس من قبيل الشهامة التي لا وجود لها عنده وهي ليست أفضل حالاً ولا أحسن نية منه، فقد ألقت بشباكها حوله وأغرته بما لديها وسريعاً تم الاتفاق على الزواج. لم يسأل عريس الغفلة عروسه عن أصلها أو فصلها ولم يهتم بمن تكون ولا من أين لها بتلك الأموال، فهذا كله لا يهم، وهي الأخرى لم تكلف خاطرها لتعرف من يكون الرجل الذي سيشاركها حياتها، كل منهما له هدف تبرره كل الوسائل، تم الزواج في تلك الشقة التي استأجرتها وقرر الزوج الذي أظهر حبه لها أن يقوم بمهام تجارتها وعليها أن تجلس معززة مكرمة في بيتها، وافقته وإن كانت جلسة البيت من قبل هي السبب فيما هي فيه وما زال سراً لا يعرفه هذا المغفل، ولكن وجدت أن هناك فرقاً، فيمكنها أن تأتي وتروح كيفما تريد ولا قيود عليها. لم تدم السعادة الوهمية طويلاً بين الزوجين لأن التجارة أصيبت بالكساد بسبب الخسائر المتكررة، وهذا الزوج ينفق معظم ما تقع عليه يداه من أموال، فهو يدمن المخدرات وله شلة من أصدقاء السوء وانتهى الأمر بإغلاق المحل تماماً حتى انتهت به الحال إلى الاتجار مع بعضهم في السموم لينفق على نفسه وزوجته وطفلهما، فهو غير قادر على الفكاك والهروب من أجل هذا الصغير، وبالفعل فكر من قبل في أن يتركهما ويختفي للبحث عن ضحية أخرى، لكن لم يجد مكاناً ولا فرصة ولا مفراً من البقاء ولو وجد ملجأ لما تردد في الذهاب إليه. عندما علمت سماح بأن تلك الأموال التي يأتيها بها زوجها من الحرام لم تمانع ولم تعلق، بل قبلت في هدوء لم يكن يتوقعه وكان يخشى أن تعرف الحقيقة وعلى الأقل تلومه وتوبخه، لكنها لم تفعل وكان السكوت علامة الرضا وبعدها كانت على دراية ببعض تحركاته والمتعاملين معه وهو ليس من التجار الكبار، وإنما من الصبية في هذا العالم الواسع، لكن العائد في النهاية لا بأس به، وكذلك ليس له وسيلة أخرى للكسب، فقد ترك مهنته في أعمال التوصيلات الكهربائية، ولم يعد أحد يثق به ولا يتعامل معه بسبب سوء سلوكه وعدم التزامه. لم تستمر هذه الأحوال كثيراً حتى فوجئت الزوجة في الفجر بطرقات شديدة ومتتالية على الباب تؤكد أن الأمر جلل، فقامت منزعجة وكانت المفاجأة أن رجال المباحث قد ألقوا القبض على زوجها وجاؤوا به معهم لتفتيش المنزل ولحسن حظها لم يكن يحتفظ بأي مخدرات في مسكنه، وإلا اعتبرت شريكة معه أو على الأقل متسترة عليه ولم يعثروا على شيء إلا ما كان معه أثناء القبض عليه، وهو في طريقه لتوصيله إلى أحد الزبائن وسقطا معاً، ووجدت الزوجة نفسها وحيدة بلا مال ولا رجل ولا مورد رزق هي وصغيرها. ليست هذه هي المشكلة الوحيدة وإنما أيضاً هذا الرجل المجهول قد عاقبته المحكمة بالسجن ثلاث سنوات لا تدري ماذا ستفعل خلالها، فقد خرجت من الزيجة الأولى بمبالغ كبيرة أسست بها حياتها تلك، ولكنها الآن صفر اليدين وعندما حملت طفلها وتوجهت لأول زيارة لزوجها في محبسه عادت، وهي في حالة يرثى لها لما رأته من ضعفه وانكساره وهو يرتدي الملابس الزرقاء يرجوها أن تقف بجانبه وألا تتركه، ووعدته بأن تفعل كل ما في وسعها من أجله فهو والد ابنها وشريك حياتها ولن تتخلى عنه إلى أن يخرج إلى الحرية. تمر الأيام ولم تجد «سماح» ما تنفق به على نفسها وولدها وزوجها الذي يحتاج هو الآخر للأموال على الأقل لشراء السجائر التي كان يدخنها بشراهة وما زال ولا يستطع أن يقلع عنها، والتجار الذين كانت تتعامل معهم من قبل رفضوا مساعدتها أو إعطاءها بضاعة بالأجل لأنهم عرفوا ما حدث معها ومع زوجها ولا يضمنون أن تفي بالمستحقات، واشتكت لزوجها من هذه الظروف وضيق ذات اليد وتقصيرها في زيارته وتقديم المصروف له، فطلب منها أن تذهب إلى أحد أصدقائه الذين كانوا يعملون معه في تجارة المخدرات ليساعدها أو لتقترض منه إلى حين ميسرة أو إلى أن يخرج من السجن ويعمل ويرد له الدين. لم يكن هذا متاحاً ورفض الصديق المساعدة وقال لها بصريح العبارة إنه ليس بنكاً لكي يقرضها ولا جمعية خيرية لكي يساعدها، وإذا كانت تريد مالاً فعليها أن تعمل ولم تمانع ولم تتردد، بل إنه بذلك يسدي لها معروفاً حتى لو كان عملها في الممنوع وتجارة المخدرات ومعرضة للمخاطر وقبلت وبدأت على الفور وكل مهمتها توصيل الطلبات إلى الزبائن، وكما حدث معها من قبل لم يتحفظ زوجها ولم يرفض عندما علم بحقيقة مصدر الأموال التي تأتيه بها، قدم لها كل امتنانه وشكره العميق على وقوفها بجانبه وهو يعدها ويمنيها بأنه سيعوضها عن هذا كله وعليها أن تصبر فقد مضى الكثير وبقي القليل. لم تأت الرياح بما تشتهي السفن ولم تسر خطتهما كما كانا يأملان، وسقطت الزوجة هي الأخرى في يد البوليس وألقي القبض عليها، فقد كانت تحت المراقبة وهي لا تدري من خلال تعاملاتها وتحركاتها واستعملت المحكمة معها الرأفة وعاقبتها بخمس سنوات فقط، وتم نقلها إلى سجن النساء المجاور لسجن الرجال قريباً من زوجها الذي قضى مدة عقوبته وخرج إلى الحرية، توجه إليها في زيارة وحيدة ليتسلم ابنه، ثم انقطعت أخباره، فقد قرر أن يطلقها لأن المستور قد انكشف وبعد ضبطها تبين أن زوجها الأول قد أبلغ عنها وعن هروبها وسرقة أمواله، فهناك قضايا أخرى في انتظارها وقد جمعت بين زوجين، وكذلك هو ليس على استعداد لمواصلة المشوار معها. قال لها إنها لم تعد تنفعه فلم ينفعها الندم ولا الدموع فقد غدر بها ونسيت أنها غدرت بزوجها من قبل، أصيبت باكتئاب وأحيلت إلى المصحة النفسية للعلاج.!!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©