السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لقاء الأجيال في أمسية جلسات يلهب حماس المستمعين

لقاء الأجيال في أمسية جلسات يلهب حماس المستمعين
12 مايو 2011 20:36
أدهش برنامج “جلسات” الذي تقدمه إذاعة “إمارات إف إم”، مستمعيه، بدت أمسية الثلاثاء الفائت موعداً راسخاً مع الإصغاء للأغنية المتألقة، والصوت النابع من عمق الوجدان، ليؤول سريعاً نحو ذوات متلقية شغوفة بالحقيقي من الفن والأداء. الجلسة كانت كمثيلاتها السابقات عامرة بألفة الغناء، وأنس الموسيقى، ودقة التزام الكورال، أما الأكثر حضوراً فكان انسجام الحاضرين مع ما أنشده ضيفا الجلسة الفنانان كرامة مرسال وأحمد فتحي من أغانٍ بعضها متجذر في الذاكرة وآخر وافد إليها. جلسة الثلاثاء الماضي بدت قبل موعدها الحقيقي، كان يكفي الإعلان عنها، وعن كونها تجمع بين الفنان اليمني الذائع الصيت كرامة مرسال، وبين الشاب الإماراتي المميز أحمد فتحي، ليعرف المهتمون أنهم بصدد ذهنية خلاقة تقف خلف البرنامج، كأن تكون جلسة قائمة على صوتين يعكسان هذا القدر من التنافر المتناغم، فكرة تعبر عن تمكن إعدادي متميز، وعن رؤية استباقية ثاقبة، والحكاية جديرة بمزيد من التفصيل: بدأ كرامة مرسال رحلته الفنية في العام 1963، وهو لا يزال من ذلك الحين يمعن في إدارة الرؤوس طرباً واتقاد العيون انسجاماً، أما فتحي أحمد فهو من مواليد العام 1982، أي أن العمر الفني للأول يكاد يقارب ضعف العمر الحقيقي للثاني، مع ذلك، الأصح بسببه، فقد كان لدى القيمين على البرنامج ما يبرر، لنقل: يحفز على جمع الاثنين في جلسة واحدة، إيمانا منهم أن الفن الحقيقي إنما هو رسالة تكاملية، وإن شعلة الإبداع الحقيقي تنتقل بيسر من يد إلى يد، لا يهم أن تكون الأولى معروقة بسنوات العمر البهي، وأن تكون الثانية غضة فتية لا تزال تنتظر أن ينصفها الزمن، المهم أن تكون اليدان واثقتين، معطاءتين، تنبضان فناً، وتنضحان أنغاماً موحية. للغناء فقط السهر مع كرامة مرسال تعني انسلاخاً إرادياً عن الواقع، وارتحالاً ممتعاً نحو صفاء الصوت ورقة الغناء، يبدو الرجل الأسمر فناناً حتى الرمق الأخير من آهاته المنبعثة بغير حساب، “وحش الفن” أسموه، لكنه وحش رائع يجيد التغاضي عن كل صغائر العيش ليكون فناناً متنسكاً يستمد من فنه طاقة على البقاء، فتياً رغم أنف السنين. لم يبد مرسال متحمساً للإجابة على الأسئلة: “نحن هنا لنغني وليس لنتكلم”! قالها بنزق محبب، كما لو أنه يخشى أن يسلب منه الكلام رونق أغنية يحفظها عن ظهر قلب جميل، وبناء على إلحاحنا تراجع الفنان المتوغل في طفولة عذبة جزئياً عن قراره، وارتضى أن يجيب باختصار غير مخل على أسئلة سريعة، ومما قاله: لدي بعض الأغنيات الجديدة التي أتحفظ عن الكلام عنها بانتظار حسم النقاش حولها، ما يسعني تأكيده أنها ستكون جميلة، وستحظى بقبول الناس، وسأقوم بتلحين بعضها، في حين سيتولى ملحنون آخرون أثق بقدراتهم تلحين البعض الآخر. كذلك رفض كرامة التوقف عند ما يقال عن سرقة البعض لألحانه ونسبها إلى أنفسهم، بدا كما لو أنه غير معني بالأمر، أو لا يجد فيه ما يبرر إضاعة الوقت، وكما لو أنه يقول أن وجوده في الحياة نفسها، وليس في مبنى الإذاعة وحده، هو من أجل الغناء، وليس من أجل الكلام.. عن نصيحته للأجيال الجديدة من الفنانين قال مرسال: أدعوهم لأن يصنعوا بصمتهم الخاصة، لست ضد التفاعل مع التراث، ومع إنجازات الكبار، لكن من الضروري أن تكون للأجيال الحالية هويتها الفنية المميزة. قال كلماته القليلة تلك، وانطلق مسرعاً نحو مكانه في الاستوديو لينشد الدان الحضرمي الذي تجلت فيه قدراته الصوتية الباهرة، وبحته العذبة الموحية بقصص الليالي المقمرة، ثمة دعوة صريحة في صوته للإبحار نحو ذاكرة متوهجة، واستعادة لحظات مضت، لحظات عنيدة تأبى الاندثار تحت وطأة الزمن الزاحف. ثم تتالت الأغاني، بصوت واثق لا يعترف بفعل الأيام:”يلوموني”، “تحدوني”، “قلهم يا طير”، “مانا ببعدك سعيد”، “ياريم اليمن”. جميعها بدت كما لو أنها محطات يأوي إليها “الوحش” ليزداد ضراوة إبداعية نادرة. لمسة خاصة على الجهة الموازية، كان فتحي أحمد يؤكد أحقيته بدخول المعترك الفني من باب الثقة بقدراته المتمكنة، يبدو الشاب متحمساً لانتمائه الفني، مؤمناً بأن لكل مجتهد نصيباً، هو لديه ما يبرر أن يصدق أمانيه المحقة: صوت متمكن، وطاقة عالية على تأدية الأدوار الغنائية الصعبة، والأهم أن مرونته الصوتية تمنحه فرصة امتلاك لمسته الخاصة على الأغاني التي أنشده الآخرون، ممن يتفوقون عليه عمراً وتجربة. غنى فتحي: “راجع حساباتك”، “قال بومحضار”، “الحسيني”، “ابعاد كنتم”، “سلام مني”، “حايرة”، “شيبي”. ثم انفضت الجلسة، لكن الكثير من أصدائها ظل عالقاً في الأثير يبوح بما جال طويلاً في الخواطر والقلوب.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©