الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما الذي حدث؟

ما الذي حدث؟
21 سبتمبر 2016 15:21
إذا كان من الصعب أن أكتب عن الفنان الكبير حسن شريف حال حياتِه، فإنه من الأصعب أن أكتب عنه بعد وفاتِه، ففي هذه الحال يكون الأمر قد انتهى، وأيُّ تفسيرٍ مِنّي لن يُواجَهَ بأيِّ تعقيب من قِبل الراحِل، ولهذا فإنهُ بدلاً من الجزم والحُكم كما فعلتُ في الفصل الخاص بالفنان حسن شريف في كتابي (القرن الجديد.. اتجاهات الفن التشكيلي في الإمارات بعد العام 2000)، لابد في مقالتي هذه من العَرْض فقط، ولكن المشكلة أنّ العَرْضَ أحياناً قد لا يخلو من الحُكم. فيما يلي موجزُ سيرةِ الفنان حسن شريف رائد الفن الإماراتي والخليجي المعاصر، من خلال معرفتي الخاصةِ به، ومن خلال بعض النصوص المنقولةِ عنه. منذ بداية السبعينيات عُرِفَ حسن شريف بكونه فناناً تشكيليّاً ورسامَ كاريكاتير، وكان ينشر رسومه الكاريكاتيرية في مجلة (النصر)، ومجلة (أخبار دبي) وغيرها، وكانت تلك الرسومات تعبّر – بصورة متواضعة في رأيي – عن نظرته التهكمية إلى مفارقات وتناقضات وسلبيات الحياة من حوله، وتوّجَ هذا النشاط بإقامة معرض لرسوماته الكاريكاتيرية في المكتبة العامة بدبي عام 1976، هو أول معرض شخصي لهذا الفن في الإمارات، أمّا لوحاته التشكيلية التي شارك بها في أكثر من معرض في تلك الفترة فقد كانت تعبيرية، وأحيانا رومانسية الطابع. في نهاية السبعينيات حصل حسن شريف على منحة لدراسة الفنون في بريطانيا، واختتم تلك الرحلة بحصوله على دبلوم فنون جميلة من مدرسة بايم شو للفنون بمدينة لندن عام 1984، وفي أثناء سِنيّ الدراسة كان حسن شريف يعود إلى الإمارات في الإجازات ليشارك في المعارض الفنية، وكان قد بدأ التفكير جديّاً في تغيير طريقة إنتاجه الفني، وتجلى ذلك في مشاركته بأعمال خارجة عن إطار اللوحة والمنحوتة في معارض جماعية عدة، إضافة إلى معرضيه الشخصييْن اللذيْن أقامهما لاحقاً بصالة جمعية الإمارات للفنون التشكيلية عامي 1984 و1986، الأمر الذي شكل صدمة بالنسبة إلى عموم الجمهور الذي كان يتوقع أن يرى لوحات أو منحوتات على عادته، وبالإضافة إلى ذلك خرجت من لدن حسن شريف بيانات وتصريحات بمثابة مسوّغات لتقديم أعماله غير المألوفة، فيها إحالات إلى الجانب الفكري والفلسفي في الفن، وكان هذا مستغرباً من مثل الفنان حسن شريف الذي كان يتحدث ويُحاور برومانسية بعيدة عن الفكر في مقابلاته الصحفية، كما نرى ذلك في اللقاء الذي أجراه معه طه إبراهيم ونشر في مجلة (النصر) التابعة لنادي النصر بدبي في إحدى سنوات السبعينيات. فما الذي حدث؟ في يومٍ من أيام الثمانينيات المتأخرة قال لي حسن شريف: «حين ذهبت لدراسة الفن في لندن لم تكن لديّ أية فكرة عمّا أقوم به الآن. أثناء فصول الدراسة حضرنا مساقاً خاصاً للتعريف بتجارب فنانين من مشارب مختلفة، وتم عرض شرائح ضوئية عن أعمالهم عن طريق المكبِّر الضوئي. من بين الكثرة من الأعمال التي رأيتها، لفت انتباهي بعض الأعمال التي لم تكن لوحة ولا منحوتة، كانت تلك أعمال الفنان مارسيل دوشامب»، وبهذا، في تلك اللحظة كان حسن شريف على موعدٍ للتأثر الفكري بمارسيل دوشامب (1887 - 1968) الفنان الفرنسي الذي ساهم في تأسيس عدد من المدارس الفنية مثل الدادائية، السريالية، والتكعيبية، لكنه أعلن في النهاية رفضه لجميع المدارس، وقال: إن الفن سراب، ويُعَدّ دوشامب الفنان الأكثر جدلاً في القرن الماضي بسبب إنتاجه وعرضه الأعمالَ جاهزة الصنع (Ready mades) لأول مرة في تاريخ الفن، وذلك كعمله (حامل القناني/‏ Bottle rack – إنتاج 1914)، و(مجرفة الثلج/‏ Snow shovel – إنتاج 1915 )، وغيرها في اختبارٍ كبيرٍ لـ «معنى» العمل الفني، وقد أقرّ الكثير ممّن كتب عن الفن المعاصر بأن دوشامب – بموازاة بيكاسو – الفنان الأكثر تأثيراً في القرن العشرين، وهو – بلا منازع – رائد وجهة النظر الفكرية في الفن التي أدت إلى نشوء مدارس كالمفاهيمية، والتقليلية، وغيرهما، ومن هذا الواقع يقول حسن شريف: «هناك نوعان من الفن التشكيلي الذي يسمى بالفن المعاصر أو الحديث، الأول يرجع تاريخه إلى أعمال بول سيزان والانطباعيين، وهذا النوع يخاطب شبكة العين، إنه فن جميل، أما النوع الآخر فيرجع إلى العام 1912، إلى أعمال مارسيل دوشامب، وخاصة مع بداية عمله على (الزجاج الكبير)، إنه فن رفيع، وهذا النوع من الفن يخاطب شبكة الدماغ. أما الآن بعد مارسيل دوشامب فقد أصبحت هناك حركة فنية واحدة يقودها الفنان بنفسه، وهي طريقة عمله. إننا في مرحلة (ما بعد الدوشامبية)، وعملنا الفني يجب أن يوضح هذه المرحلة». وهكذا أعلن حسن شريف بعد انتهاء دراسته الجامعية مقولته الشهيرة: «أحسست ابتداءً من عام 1982 أن الكثير من اللوحات التشكيلية، سواء الانطباعية أو التجريدية التعبيرية في كل مكان بدأت تفقد أهميتها لدي، إذ لم أعد أحس بأي متعة بصرية عند مشاهدتها، وشعرت بأن هناك فجوة بين اللوحة والنحت التقليدي، ويجب البحث عن العمل الفني في هذه الفجوة، ومنذ ذلك الحين بدا لي أن العمل الفني ليس هو اللوحة ولا النحت، بل هو (شيء آخر)، هكذا حاولت ملء هذه الفجوة». من هنا قام حسن شريف بإنتاج ما ليس لوحة ولا نحتاً، أي: أشياؤه الفنية الخاصة منذ العام 1982 على الأقل، تلك الأشياء التي عرفها الناسُ جيداً في مُجملِها واشتهر بها، وعلى منوالها استمرّ إنتاجه الفني في الأعوام التالية إلى يوم رحيلِه. صدمة واستفزاز جميع هذه الأعمال كانت تمثل – بنسبة كبيرة في البداية – صدمة واستفزازاً بالنسبة إلى عموم المشاهدين، بل وبعض الفنانين أيضاً، وبناءً على ذلك تمّت محاربة حسن شريف فنيّاً، واتُّهِمَ بالكثير من التهم، لكنه لم يهتمّ بذلك، عاملاً – ربّما – بمقولة بييترو آريتينو: «حتى عندما أتلقى توبيخاً، فإني أحصل على حصتي من الشهرة»، وفي الوقت ذاته قام حسن شريف بالدفاع عن توجهه الفني بالاحتجاج بعدم وجود مطلق في الفن، بدليل تطور الفن ذاته، كما قام بترجمة ونشر الكثير من المقالات الفنية والنقدية لكثير من الفنانين الغربيين وغيرهم ممن ينتجون ما يُسمّى بالعمل الفني الجديد، وذلك لكي يُبرهن للمجتمع الفني المحلي – الذي لا يقرأ كثيراً على حدّ وصفه – جواز الخروج من أسْر اللوحة والمنحوتة التقليديتين، حيث إن الفن الغربي قد سبق إلى ذلك، ولكي يُظهرَ أيضاً القِيَم الفنية والفكرية التي يدعو إليها الفن الجديد. لتلك المترجمات أهمية بالغة، فهي تتضمّن الاحتجاجات التي ساقها حسن شريف ضد الإنتاج الفني السائد، والتي لم يتمكن أحد من الرّد عليها سوى أن قالوا إن ما يفعله حسن شريف هو تقليد للغرب، فكان ردّه عليهم أن لوحاتهم ومنحوتاتهم بالصورة التي هي عليها أشدّ تقليداً للفن الغربي، وبالإضافة إلى ذلك فإن كتاباته تلك قد أثرت لاحقاً ولأكثرَ من عقدين من الزمان في فنانين آخرين، ودفعتهم إلى التفكير بطريقة مختلفة، ومثّلت المنطلق الفكري الذي جاءت منه الاتجاهات الجديدة في الفن الإماراتي اليوم. بالإضافة إلى نشر مترجَماته حول الفن الجديد، قام حسن شريف بنشر خلاصات بحثه وتجربته، وكذلك مزايا أعماله أو أشيائه الفنية. جاء ذلك في مقالات كتبها، ولقاءات وحوارات أجاب فيها، منها ما جاء في كتابه (الخمسة) ص 15: «كل تجربة قادتني إلى تجربة أخرى، وأعتقد أن جميع الأعمال التي أنتجتها منذ بداية تجربتي الفنية، والتي تعود إلى 1970 حتى الآن، هي تجربة واحدة ومستمرة. أحياناً أعود إلى بعض الأعمال القديمة التي كنت قد عرضتها سابقاً، وأستمر في استكمالها بعد توقفي عن إنتاجها لسنوات. ميزة أعمالي أنها تفتقد لبداية ونهاية، وأحس خلال إنتاج هذه الأعمال أنني وصلت إلى أدنى قدر من الانتباه، حيث يتحول العمل إلى عملية آلية، أو أوتوماتيكية، لهذا، فهي ليست منظمة، بمعنى أنني قد أرتكب العديد من الأخطاء أثناء العمل، ولكن هذه الأخطاء تساعد العمل في النهاية. هكذا أرى أن الأخطاء في أعمالي تتحول إلى جمال. قد تتشابه هذه القطع، ولكنها غير متكررة، كل قطعة لها خاصيتها، لأنها وجدت في زمنها الخاص». وقال في ص 49 من كتابه السابق: «ليس الهدف من هذه الأعمال هو النظرة العدمية تجاه الواقع، ولا هو رفض أو إنكار الفن.. فنان هذا العصر لا يستطيع أن يسجل الوضع الإنساني الحاضر بأسلوب قديم». وأقول أخيراً لأختصرَ أيَّ تعليقٍ مُحتمَلٍ على ما سبق ذِكرهُ في هذا المقال: لقد ظلَّ الفنان حسن شريف مُدةً طويلة حتى رحيلِهِ يعملُ بكلمةِ الشاعرِ الفرنسي مالارميه: «الفن سِرٌّ، يجبُ المُحافظةُ عليه». حسن.. الكاريكاتوري شكلت السبعينيات ما يشبه العرس في الإمارات، وكانت الأندية الرياضية حضناً لكل الشباب. ووجد حسن مكانه في اللجنة الثقافية لنادي النصر الرياضي، حيث بدأ بنشر رسوم الكاريكاتير في مجلة (النصر) التابعة للنادي، ناقداً وساخراً من الأحداث الرياضية، مرّة على الجمهور ومرات على ممارسات اللاعبين ومسؤولي الأندية وأحياناً على المنتخب والمدربين الأجانب، وحتى منتصف السبعينيات، طوّر حسن كثيراً من أدواته الفنية في رسم الشخصيات واختيار موضوع الكاريكاتير، ولفت انتباه الصحف المحلية التي راقها حسه الفكاهي وذكاءه، فراح يرسم في جريدتي الوحدة والفجر موجهاً نقده هذه المرة إلى المجتمع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©