الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة السورية... ودروس التاريخ

8 مايو 2013 23:27
وولتر بينكس محلل سياسي أميركي هل أوضح لنا أحد مدى صعوبة تحقيق الولايات المتحدة لأهدافها السياسية طويلة المدى بخصوص سوريا؟ وهل هي أهداف قابلة للتحقيق؟ ثم ماذا عن التكلفة من حيث الأرواح والأموال؟ إنني لا أتحدث هنا عن الأنشطة العسكرية فقط من قبيل إيصال الأسلحة إلى الجيش السوري الحر، أو فرض منطقة حظر جوي. فهذه جهود عملياتية يمكن أن تساعد على خلع بشار الأسد. ولكن ما أقصده هو ما سيأتي بعد ذلك. قبل أسبوعين تقريباً، قال أوباما: «إننا في حاجة لإيجاد انتقال سياسي يسمح بحدوث انتقال ديمقراطي متعدد الطوائف حتى تصبح سوريا مكاناً، حيث يستطيع كل الناس العيش في سلام ووئام». وقبل ذلك، في أكتوبر 2011، كتب إليوت أبرامز، وهو سياسي محافظ شغل مناصب رفيعة في مجلس الأمن القومي في عهد بوش الشيء نفسه تقريباً على موقع مجلس العلاقات الخارجية الإلكتروني: «إن أهداف السياسة الأميركية ينبغي أن تتمثل في إنهاء العنف، وإسقاط نظام الأسد، وإرساء أسس نظام ديمقراطي مستقر يحمي الأقليات العلوية والكردية والمسيحية». ولكن، ما الذي تعلمته الولايات المتحدة خلال 60 عاماً بخصوص العواقب غير المقصودة وغير المتوقعة طويلة المدى لمحاولة تحقيق «انتقال ديمقراطي متعدد الطوائف» و»السلام والوئام» في بلدان لا تملك مثل تلك التقاليد -وخاصة بعد استعمال القوة العسكرية الأميركية فيما كان يبدو أسباباً وجيهة؟ هل تتذكرون الآن أكثر من حالة... كوريا مثلاً؟ الواقع أن حمل الغزاة الشيوعيين «الشماليين» على التراجع في الخمسينيات كلف 36 ألف جندي أميركي قتيل. واليوم، ما زال هناك جنود أميركيون في كوريا الجنوبية يشكلون قوة قوامها 28 ألف رجل. ولكن حكومة سيئول ديمقراطية. فيتنام؟ لقد خسرنا 58 ألف جندي في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، ثم خسرنا الحرب برمتها فيما بعد. ولكن اليوم هناك علاقات تربط الولايات المتحدة بالحكومة الشيوعية التي دخلنا معها في حرب مدمرة. أفغانستان، بدأت كعمل عسكري محدود ومبرَّر للقضاء على «القاعدة» بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ولكنها تطورت إلى عملية إعادة إعمار لأفغانستان نفسها ومؤسساتها الحكومية، وهي ما زالت عملاً مستمراً لم يكتمل بعد -وقد بلغت التكلفة 2200 قتيل و18460 جريحاً. العراق، كان حالة مختلفة في الواقع. فقد كانت حرب اختيار، ومبرَّرة تحت ظروف مشكوك فيها. وقد كلفت 4400 قتيل أميركي، إضافة إلى نحو 32 ألف جريح. كما حاولت الولايات المتحدة بناء قوات أمنية لجنوب فيتنام وفرض عملية بناء دولة ديمقراطية على نظام سايجون الضعيف والمستبد. ولكن جهودها تلك باءت بالفشل، لأن الجمهور الواسع لم ينضم إليها ويدعمها في ذلك. والواقع أن فيتنام كانت تمثل قصة تحذير في 1991 بالنسبة للرئيس بوش خلال حرب الخليج. فقد كان الهدف هو تحرير دولة الكويت من الاحتلال. وكانت العملية العسكرية تهدف إلى طرد قوات صدام حسين. ولكن بعد ذلك، لم يذهب بوش إلى بغداد، ولم يحاول فرض الديمقراطية. غير أن مقاربته للأسف لم تؤثر على ابنه بعد مرور 12عاماً على ذلك. فباستعمال القوة المفرطة، خلع بوش قسراً صدام عن السلطة، ولكنه وأقرب مستشاريه لم يفهموا الدينامية الداخلية للعراق ولم يستعدوا لحركة التمرد التي ظهرت خلال مرحلة ما بعد الحرب، التي أصبحت فيها الولايات المتحدة هي العدو. ومحاولات إدارة بوش الخرقاء الرامية إلى بناء الدولة تميزت بتفكيك الجيش العراقي وجهود إعادة بنائه، إضافة إلى محاولة إدخال مؤسسات ديمقراطية إلى بلد ليست لديه مثل هذه التقاليد. وما زال هذا الجهد الذي كلف أكثر من تريليون دولار يشكل علامة استفهام طويلة المدى. ولكن الشيء الأكيد هو أن العراق اليوم أبعد ما يكون عن منارة الديمقراطية التي بشَّر بها نائب وزير الدفاع وقتئذ «بول وولفويتز» وقال للكونجرس إنه سيتحول إليها. والواقع أن أفغانستان كانت ستكون مختلفة ربما لو أن الولايات المتحدة لم تتخل عن ذلك البلد تقريباً بعد أن طردت بن لادن في ديسمبر 2001 وأنهت حكم «طالبان»، وإن كانت الجهود الرامية إلى تشكيل حكومة ديمقراطية وبناء قوات أمن أفغانية وطنية كانت صعبة وشاقة، على كل حال. والحقيقة أن حرب الخليج 1991، ومؤخراً ليبيا ومالي، ينبغي أن تشكل نماذج لسوريا، لأن كل واحدة من هذه الحروب حظيت بدعم الأمم المتحدة والدعم العسكري لبلد أوروبي أو دولة مجاورة؛ وحيث أخذت القوات الأميركية تلعب دوراً ثانوياً. غير أن كثيراً ممن يسمون أنفسهم محللين استراتيجيين يدفعون في اتجاه تدخل عسكري من دون إدراك تعقيده. والحال أن الحفاظ على منطقة حظر جوي هو عملية مختلفة جداً عن ضرب بضعة أهداف من مدى قصير والعودة إلى الوطن، على غرار ما فعله الإسرائيليون على ما يبدو الأسبوع الماضي. وأخيراً، علينا أن نسقط من ذهننا فكرة أنه عبر مد بعض مجموعات الثوار بدعم عسكري محدود، فإن الولايات المتحدة ستستطيع لعب دور مهم في حكومة سورية خلال مرحلة ما بعد الحرب من دون قوة برية. ثم من يعتقد حقاً أن الأميركيين هم الأشخاص المناسبون لتوحيد المجموعات العلمانية والدينية والإثنية المتنافسة التي تشكل الشعب السوري المتنوع؟ علماً بأن الولايات المتحدة لا تستطيع توفير مليارات الدولارات اللازمة لإعادة إعمار البلاد، والإشراف على قيام «النظام الديمقراطي المستقر» الذي يرغب أوباما وأبرامز -وربما ومعظمنا- في رؤيته. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©