السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

كيف تصبح ناقداً سينمائياً؟

كيف تصبح ناقداً سينمائياً؟
9 مايو 2015 21:50
إبراهيم الملا (أبوظبي) ضمن العروض والندوات والورش التي يقدمها برنامج «سينما الصندوق الأسود» في معرض أبوظبي الدولي للكتاب الخامس والعشرين، تحدث الصحفي والناقد السينمائي اللبناني هوفيك حبشيان مساء أمس الأول عن أساسيات كتابة النقد السينمائي والاتجاهات والتيارات الكلاسيكية والحديثة التي رافقت هذا الحقل الملتبس في تصنيفه وفي الإسهامات التي قدمها للسينما خلال مراحل فنية وتاريخية مختلفة، خصوصا مع ظهور أول فيلم سينمائي على يد الأخوين لوميير في فرنسا، ووصولا إلى عصر الصورة الذي نعيشه اليوم بكل تهويماته واختلالاته التي أثرت على منابع وأصالة السينما والنقد معا. شغف وتضحيات استهل حبشيان الندوة بالحديث عن تجربته الشخصية في مجال النقد السينمائي والتي بدأها قبل ستة عشر عاما، مشيرا إلى أن احتراف النقد السينمائي يتطلب شغفا خاصا قبل كل شيء، وتضحيات ذاتية يتخللها بحث منهك وجهد كبير ومشاهدات سينمائية مرهقة وملاحقة المهرجانات السينمائية الكبرى حول العالم. وأضاف المحاضر أنه رغب في بداية ارتباطه بالسينما أن يكون مخرجا وصانعا للأفلام، ولكن مع دخوله حقل الصحافة والكتابة النقدية السينمائية بشكل جدّي، اكتشف لذة فنية ومهنية مضاعفة، وشعر بأنه مشارك خفي وغير مباشر في صناعة الفيلم الذي يكتب عنه، وبالتالي كان هذا الحقل هو الأكثر ملاءمة لهواه السينمائي وافتتانه بالأفلام وبجوانبها السردية والموضوعية والأيديولوجية المبثوثة فيها. واستشهد حبشيان بعبارة للروائي والناقد السينمائي الإيطالي أمبرتو إيكو الذي قال مرة: «إن طريقة تلقينا للفيلم، تتعلق حتى بعاداتنا اليومية في الأكل»، مضيفا أنه ورغم المبالغة التي يضفيها «إيكو» هنا على طقوس الكتابة النقدية للسينما إلا أن هذه النوعية من الكتابات تتشابك كثيرا مع مزاج وذوق الناقد والإطار النفسي والاجتماعي والثقافي المحيط به. ونوه حبشيان إلى أن مشروعية الناقد السينمائي قد لا تتحقق فقط من خلال دراسته الأكاديمية وتعمقه في مذاهب النقد وتاريخ الفن، ولكن المهم وجود منبر أو مساحة إعلامية معروفة ورصينة تعطي هذا الكاتب فرصة كاملة كي يعبر عن رؤاه وآرائه حول الأفلام التي يشاهدها بشكل معمق وغير سطحي كي يعرضها أمام القراء ومتابعي السينما بمختلف أذواقهم وتوجهاتهم. وعرّج حبشيان على نماذج من كلاسيكيات السينما التي يجب على أي ناقد مشاهدتها لتكوين رصيد بصري ومعرفي تعينه على عقد مقارنات بين الأفلام المعاصرة بكل نماذجها، وبين تلك الأعمال المبكرة التي تصدى لها مخرجون عباقرة لا يمكن تكرار تجاربهم نظرا للظروف الاستثنائية التي عاصروها في زمنهم مع السينما الصامتة وسينما الأسود والأبيض. ثقافة تفاعلية وأشار حبشيان إن حساسية النقد لدى الكاتب المختص لابد أن ترتبط بشغف مبكر وهوس ذاتي تجاه الأفلام منذ الصغر، وأن تكون لديه ذاكرة قوية وثقافة تفاعلية ومتواصلة مع سينمات الشعوب الأخرى وعدم الركون لثقافة السينما الأميركية التجارية وحدها والتي أصبحت سببا مباشرا في تدمير الذائقة الفنية لدى الناقد والمشاهد على السواء إلا ما ندر من نتاجات هوليوود ذات الخطاب الإنساني المستقل واللصيق بالمعاني الوجودية الكبرى، وليس بالتقنيات البصرية والسمعية المبهرة فقط. واستطرد حبشيان قائلا إن العين الحساسة للناقد مهمة من أجل التقاط التفاصيل التي لا ينتبه لها المشاهد العادي ولا يكتشف المضامين المتوارية خلف الصورة بأبعادها الرمزية وإيحاءاتها السردية، مشيرا إلى أن دور الناقد يتمثل هنا في تفكيك شيفرة العرض وكشف المسكوت عنه الذي لم يشأ المخرج تقديمه بشكل صارخ ومعلن وواضح، مضيفا أن رأي الناقد وتحليله الشخصي للفيلم قد لا يكون معبرا وبشكل كامل عن مقاصد المخرج، ولكن تراكم المشاهدة والإطلاع على معظم ما قدمه هذا المخرج بالذات يمكن أن يقدم مفاتيح ذهبية للناقد للغوص في نفسية المخرج وفي بواطن العرض والخروج باستنتاجات قائمة على دراسة ورصد وتتبع لأسلوب هذا المخرج ولطريقة عمله وفلسفته تجاه القضايا المختلفة حوله، خصوصا في الأفلام المنتمية لحقل «سينما المؤلف»، وليس السينما التجارية السائدة. وأوضح حبشيان أن مصطلح «النقد» لا يعني بالضرورة التركيز على الجوانب السلبية في العرض السينمائي، ولكنه يذهب مباشرة تجاه الحيادية ووجود مسافة تحليلية بين الناقد وبين الفيلم بعيدا عن العاطفة أو الانحياز لنوعية معينة من الأفلام والمخرجين، كما لا يمكن للناقد أيضا أن يكرر نفسه ويكرر آراءه تجاه كل الأفلام التي يكتب عنها، لأن الطبيعة المستقلة لكل فيلم تفرض على الناقد قراءة مغايرة وبأدوات نقدية تتقاطع مع أجواء ومناخات هذا الفيلم، كما هو الحال مع الاتجاه القياسي في صناعة الأفلام والتي تنتصر لمعادلة الشكل مع المضمون، فكل أسلوب أو منهج سينمائي ــ كما قال ــ بحاجة لمعالجة نقدية تتلاءم مع هذا المنهج والأسلوب. وشدّد حبشيان على ضرورة أن يساهم الناقد في تطوير ذائقة المشاهد وأن يلفت نظره إلى أفلام مهمة وذات تأثير على الحركة السينمائية قديما وحديثا، فإشارات وتنويهات الناقد قد يكون لها دور كبير في خلق جيل أو نخبة من محبي السينما الشبان الذين يمكن لهم مستقبلا الدخول فعليا في عالم صناعة الأفلام أو امتهان حرفة النقد السينمائي أو كتابة السيناريو أو دراسة السينما بشكلها الأكاديمي والتخصصي الصرف. وعرض حبشيان خلال الندوة مجموعة من اللقاءات المصورة مع نقاد عالميين مثل روجر إيبرت، وجون هيس، كما عرض لقاءات صورها حبشيان مع نقاد لبنانيين مخضرمين مثل إبراهيم العريس و أمير شاهين تطرقوا لجملة من الظواهر المهمة في عالم النقد السينمائي والمدارس والاتجاهات المختلفة التي صاغت وما زالت الكثير من التجارب الملفتة في هذا السياق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©