السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد الوهيبي يرسم الوطن الغائب بالذهب والفضة

محمد الوهيبي يرسم الوطن الغائب بالذهب والفضة
13 يناير 2006
دمشق ـ عمّار أبو عابد:
محمد الوهيبي فنان تشكيلي يحمل وطنه فلسطين في ضميره ومخيلته، ورغم أنه غادر مدينته طبريا لاجئاً إلى سوريا، وعمره سنوات قليلة، إلا أن الابتعاد عن الوطن وديار الأهل خلق في داخله شجناً معذباً، يعبر عنه بالألوان الدافئة، بحيث انعكس شعوره بالغربة على لوحاته، التي باتت تعجّ بالألغاز والدلالات والرموز· فهو في كل زاوية من زواياها يحيي وطنه ومدينته، ويعبر عن الظلم الذي لحق به·
محمد يرسم الواقعي بغير واقعية كرمز، أو قد يدمجه بدلالة أخرى بعيدة عنه، ليعبر عن آفاق رؤيته، وهو يعمل بالحفر منذ (21) عاماً، وخلال مسيرته تلك أضاف لمسة (الوهيبي) الخاصة إليه·
معظم لوحاتك تقوم على إسقاطات فلسفية، تعتمد الرموز، فهل اخترت أن تعبر من خلالها عن ذاكرة الوطن؟
الرموز والدلالات تشير إلى المحيط والبيئة، فسنبلة القمح لها دلالة تعبيرية ومعرفية، وعدد حباتها هو بذاته لغز معين، وأنا جزء من هذه البيئة، ومن هذا الكون، لذا أستلهم دلالاتي منه، وأوظفها لإظهار ما بداخله، بشكل قصيدة أو لوحة أو عمل درامي·
وكيف تحيي ذاكرتك الوطنية؟
أستخدم رموزاً كثيرة تعبر عن الوطن بمعناه الكبير والواسع، فللوطن دلالات واسعة من خلال شعور الإنسان به، وقد تكون الدلالة ابتسامة أو حبة تين أو لوز أو زيتون، فالوطن مجموعة دلالات تبقى في الذاكرة وفي روح الإنسان، وهي لا تأخذ شكل أو حالة النقصان بل الكمال، لأن الوطن لا يتجزأ أو لا تنقصه أية مفردة· وأكثر ما يؤثر في الإنسان هو شعور (الفقدان)، والشك بأنه لن يرى هذا الوطن، ولذلك نجد أن من لا يملك وطناً يعيش في غربة دائمة·
لا أنسى طبريا
أخرجت من طبريا صغيراً، فكيف انعكست بيئة مدينتك هذه في لوحاتك؟
إنها لا تزال في داخلي وتفكيري، وأعمل على توضيح صورتها، عندما أسمع حديث الذكريات عنها من الأهل والأقارب، عندما يحدثونني عن شكل بيتنا، والمنطقة التي كنا نعيش فيها، لذلك فإن طبريا تظل في داخلي ولا يمكن أن تنسى، وأنا أدخلها في لوحاتي من خلال قداسة المكان الذي يولد الإنسان فيه، ومن خلال إضافتي للتراجيديا، لأن حزني يزداد عندما أرى أني ممنوع من العودة إلى وطني، لأنه محتل·
وكيف يؤثر إحساسك بالغربة على لوحاتك؟
إنه يؤثر باللاوعي، حيث تحمل لوحاتي قيمة تراجيدية، تعبر عن أحزاني الداخلية·
شجن داخلي
الألوان التي تستخدمها تبدو وكأنها قادمة من أزمنة قديمة، فكيف تفسر هذه الألوان؟
الفنان يختار الألوان بحسب ثقافته ومزاجه، واللون واختياره له علاقة بالشجن الداخلي الذي يعبر عن النوازع الدفينة داخل الإنسان، لذا أختار الألوان الدافئة التي تعبر عن بحثي عن بيت أو مدينة استولى عليها المحتل، لذلك تجد ألواني من درجات البني، وكأنها تعبر عن شجن داخلي يحتلني·
لكننا نلاحظ أنك تقتصر على الألوان الداكنة، فأين الألوان الأخرى؟
إذا كنت أعمل باللون الوحيد (المنكروم)، فهو لن يكون لوناً وحيداً، لأن الألوان عندما تتوافق يمكنها أن تعطيك سلماً من درجات لونية هائلة، تعطي باستمرار الجديد والجميل· كما أنني أستعين بدرجات ألوان الطبيعة، فآخذ من الشمس لون الذهب، ومن الظلمة السواد القاتم، ومن القمر لون الفضة! فمفرداتي ليست مأخوذة من نسيج لباس، أو لون زهرة، فمثلاً إذا أردت رسم شجرة، أرسمها شجرة زيتون، لأنها تحمل الشجن والرومانسية والدراما!
أنت تقيم جدلية ما بين العدد والألوان في اللوحة، فما هي فلسفتك الخاصة في هذه المسألة؟
كثير من الفنانين والأدباء يعملون على الأعداد، وأنا أعتقد أن عدد الألوان في اللوحة يمثل لغزها الداخلي! فقد أستخدم مثلاً اللون الذهبي مع لون القمر الفضي ولون العتمة، فأستخدم بذلك ثلاثة ألوان تعطي دلالة تعبيرية درامية، فتوظيف العدد هنا، لا يكون بالمنطق الأدبي بل بمنطق المساحة الملونة مع التعبير الداخلي للعمل· وأنا في المبدأ لا أوافق على فكرة إقامة مهرجان لوني في اللوحة، بل أعتقد أن ألواناً قليلة قد تعبر عن الفكرة· لذا فأنا مع الاقتصاد في التكنيك، وبما يتوافق مع الفكرة ذاتها·
وهل تعمد إلى لغة الأسرار والألغاز في أعمالك؟
المسألة ليست مسألة أسرار وألغاز، بقدر ما هي بحث عن رؤية جديدة، تعطيني دلالة تعبيرية، لا سيما وأن كل شيء يعطي دلالة· لنقارن بين الكرة والمكعب، فالمكعب له ستة وجوه، أما الكرة فليس لها استقرار، فرمي الكرة لا يعطي احتمالات محدودة، بينما رمي المكعب يعطي ستة احتمالات فقط· وعلى هذا فأنا من خلال التأمل والبحث في الأشكال أحصل على دلالات تعبيرية أوظفها في أعمالي·
نلاحظ في لوحاتك تأثراً واضحاً بالبيئة الفراتية وبيئة وادي النيل، فإلى أي حد تتقاطع هذه البيئات مع بيئتك الفلسطينية؟
الثقافة العربية واحدة، والبيئة العربية متصلة، لذلك يدفعني الحنين لكل البيئات والحضارات العربية·
اخترت اختصاص الغرافيك في الجامعة، فما المميز في العمل عليه؟
أحببت الدخول إليه، لأنه غريب، لكنني فيما بعد أدركت أهميته، فالحفر وسيلة بصرية هامة، يتمتع بتقنيات ممتازة، وفيه مساحة كبيرة للإبداع والابتكار لا سيما أن التكنولوجيا تخدمه·
لأي درجة يساعدك الكومبيوتر في عملك، وهل يستطيع فنان الغرافيك الاستغناء عنه؟
وجود الكومبيوتر ليس أساسياً بقدر أهمية وجود الاجتهاد والفن الشخصي، وبما أن الفن التشكيلي هو حالة من البصريات، فالكومبيوتر يعطي بصريات واختزالات هائلة، وتوقعات كبيرة تفيد اللوحة، فهو وسيلة هامة من وسائل التعبير التكنولوجية، ولكن للحاسب طاقة محددة ودرجات لونية مدروسة، فاستخدامه ليس واجباً بل استعانة· فالإنسان تلميذ في الحياة، يتعلم مما حوله كالحاسب أو من سطح خشبة أو من وجه صخرة، فمجالات البحث والمعرفة كثيرة·
الفن جملة ناقصة!
ترمز للماضي والمستقبل في لوحاتك، فما هي رموزك المستقبلية، وكيف يؤثر ذلك على كمال اللوحة؟
رموزي للمستقبل تأتي من خلال التجارب التي أعيشها في الحاضر، فالفكرة تكون صغيرة ثم تكبر، وإذا حدث العكس، فالعمل الفني سيكون ناقصاً! وأعبر عن المستقبل بالاختزال، لأن هناك دائماً يوماً جديداً وبحثاً معرفياً متجدداً· فالبحث عن المستقبل يؤثر على لوحاتي بأن يجعلها غير منتهية، وفي اعتقادي إنه لا يوجد عمل فني منته تماماً، فالفن جملة ناقصة· وإن أي فكرة جديدة هي رمز للمستقبل، فأنا أعبر كل يوم عن ما حصدته معرفياً، وبذلك أرمز للحياة التي تمضي إلى المستقبل·
هناك تقاطعات كثيرة بين لوحاتك وفن الأيقونة، فإلى أي حد تأثر أسلوبك بالأيقونة؟
الأيقونة هي دلالة مكانية وروحية نجدها في المكان، وفي الوقت نفسه قد يجد الفنان هذه الدلالة، فيحلق في الفضاء ليتحد مع الخيال ثم يصعد ويصعد من خلال نقاء الروح الداخلية، فالعمل الفني فيه اتجاهان: الإحساس بالجموح والوعي بالعقل· فعندما أرسم تفاحة تماثل الواقع، فهذا عقلاني، أما عندما أرسم جوهر هذه التفاحة فهذا روحاني وجموح·
المرأة والرموز
في لوحاتك غالباً ما نجد الماعز والطيور، فإلى ماذا ترمز هذه المخلوقات، وماذا قصدت بتكبير حجمها أو تصغيره؟
هي دلالات بيئية موجودة حولنا، إلا أنني قد أضيف إليها دلالات خيالية، فقد أبالغ بشكلها أو حجمها فتعطي طاقة أكبر أو أصغر، وفي هذه الحالة تكون الطاقة لمفردة أخرى في الصورة·
للمرأة حضور طاغ في أعمالك، فمن هي هذه المرأة وإلى ماذا ترمز من خلالها؟
المرأة نصف البشرية، وهي رمز لوجودنا، وهي دلالة إنابة عن حالة التراجيديا التي أعيشها شخصياً· وهذه المرأة ليست امرأة مسماة، إنما هو البحث عن القيمة الجمالية والتعبيرية من خلال التراجيديا في حس المرأة، فالتراجيديا تكون أفضل وأجمل بحضور المرأة، وهكذا تنوب دلالاتي عن أفكاري الداخلية·
جمعت ما بين الكنائس والجوامع، فماذا قصدت بذلك؟
وطننا أصل الحضارات والثقافات والديانات، فالإسلام والمسيحية انطلقا منه، وفيه ولد الأنبياء، وهذا أمر هام يجب أن يتذكره العالم لكي يبتعد عن التفريق ما بين الديانتين السماويتين·
أعطيت المكان قداسة في لوحاتك، لماذا؟
إن العمارات الشرقية هي عمارات روحية، فيها طاقة إنسانية كبيرة، فعلى الرغم من بساطتها كونها بيوتاً طينية، إلا أن طاقتها تكمن في الأيدي الإنسانية التي عمرت معظمها، والتي أعطتها حساً من الجمال والقوة المرهفة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©