الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صدمة الروح العربية

صدمة الروح العربية
11 مايو 2011 20:16
هذا العنوان الافتراضي لا يهدف إلى تقديم دراسة في العولمة، ولكنه يقترح استشراف هذه الفكرة لبحث جوانب العلاقات الجدلية بين الكونية المطلقة وفنونها والمسرح العربي - الذي وإن كانت له خصوصيته - فإنه في النهاية يرتبط بالعالمية إما تاريخاً أو معاصرة أو كليها معاً، ولذلك فليس غريباً أو مناقضاً للمنطق العلمي أو لتقاليد تطوير مرافق الفن - وخاصة في محاولاتنا تطوير واقع المسرح العربي - أن نحاول تقييم ما وصل إليه المسرح العربي والخليجي بالتبعية من تحولات، وذلك من خلال ربطه بفكرة العولمة وخاصة في جانبها (الافتراضي) المرتبط بفكرة التأثير والتأثر الثقافي العالمي، أو ما أطلق عليه في أحيان أخرى (المثاقفة)، وبالطبع دون تجاهل الجانب الاقتصادي الذي هو أساس نظرية العولمة!. العولمة كنظام شبه كوني أيضاً يمكن أن تكون مرشحة للمشاركة في طرح سؤال حول مسارات المسرح العربي المختلفة، خاصة وأن أساس هذا التقييم ينطلق مما أسسه المسرح الغربي من تقاليد، خاصة وأن الفنون في العالم الغربي في عمومها تتجاوز المسلمات في مساراتها العامة، فمع أنها تخضع لفكرة الموروث الغربي للمسرح واستمراريته، الذي أصبح جزءاً من التقاليد اللصيقة للإنسان ومعلماً أساسياً دائماً من معالم الحضارة، إلا أننا لا نرى إجماعاً على شكسبير واحد أو بيتر بروك واحد أو نيتشه أو مارلو أو كالدرون أو موليير أو حتى قامة بحجم بريخت!.. ولكن هذا التنوع في ثنائيات الهوية في المرسح الغربي بوجه عام، يقابله أو يناقضه أهمية موضوع الهوية الخاصة لكل بلد أو اقليم من أجزاء هذا الوطن العربي الكبير! وهو بلا شك تنوع مشروع بسبب تنوع التراث الثقافي والنشاط الإنساني في الوطن العربي. الهوية وعلاقتها بالفن أبرز المشكلات التي واجهت المسرح العربي منذ بداياته وما زالت، لأنها ربما ارتبطت بلاشعور الإنسان العربي، فكرة أن المسرح دخل إلى الوطن العربي مع دخول الثقافة الغربية (الفرنسية والانجليزية) إلى عالمنا العربي والذي حدث كفعل استعماري. ولذلك تحول موضوع الهوية إلى قضية عامة تعبر عن هاجس ينطلق من تراكمات وتقاليد ثقافية، دار حولها الكثير من الجدل والمعارك الأدبية والفنية، التي وإن اتخذت شكلاً ثقافياً، إلا أن منطلقها الأول كان دائماً يتخذ بعداً وطنياً وسياسياً، يتعلق بمفهوم شبه مقدس لدى أمتنا العربية وهو فكرة العروبة، وشمولية مفهومها لدى جميع العرب، لأنه مثَّل ومنذ القديم الإجماع الأهم والأكبر لدى جميع العرب، ولذا فكلما ذكر التراث تجلى موضوع الهوية، وكأنه تحول إلى معادل له، ومقابل توضيحي لهذه الدلالة الشاملة. هذا التقليد أصبح مفهوماً متوارثاً لدى العرب، وخاصة في مجالات الثقافة والفن والأدب، وامتدت شموليته إلى جميع البلاد العربية، كي يصبح - مع الزمن - هماً وهاجساً ثقافياً، تحول بالتقادم إلى إشكاليات اقليمية ترتبط بالطروحات الفكرية والفنية، التي توظف أشكالاً فنية، ليست ذات أصول عربية صميمة، وخاصة المسرح، فمنذ محاولات الهيمنة الأجنبية الأولى على عالمنا العربي، وفكرة الهوية تتصاعد بشكل دائم كي تمثل هماً عربياً، ومصدراً للشك في عملية الأخذ من الآخر، أو حتى مجرد التحاور معه!، بل إن هذا الوضع أنتج مجموعة من الشعارات المشككة، تزداد قوة أو ضعفاً، حسب توجه المنادي بها وطبيعة خطابه إن كان سياسياً أو طائفياً أو حتى اجتماعياً أو تربوياً!. وربما كان أكثرها تكراراً وما يزال هو شعار “الغزو الثقافي الأجنبي”. هذا المزاج العدواني العام وما يحتويه من تعارض جدلي مع الآخر، ربما كان أحد أهم الأسباب، التي أدت إلى تأخرنا في استيراد الفن المسرحي حسب أصوله الصحيحة. منشأ الخلل الأول إذن يتمركز في عدم وجود علاقات جدلية بين الفن المسرحي ومكونات الهوية العربية في الأصل والخليجية بحكم التبعية، ولذا كان من الصعب إيجاد أسس تنظيرية فنية يقوم الفن المسرحي عليها، ويتطور من خلال استخدامها وتزاوجها مع أشباهها عالمياً أو حتى عربياً. ومع اعتبارنا بأن الهوية عامل أساسي لتطوير الفن المسرحي، إلا أننا نرى بأنه يجب إعادة تقييم علاقة هويتنا العربية ومتطلباتها الجدلية بواقع الفن المسرحي ومتطلباته الحديثة، بحيث يكون هناك تطابق في دمج المفهومين معاً لإنتاج فن مسرحي يخضع لذواتنا العربية واحتياجات الإنسان العربي المعاصر، لتأكيد وحدته المصيرية الشاملة، وهذا يتطلب مفاهيم عامة وجديدة في علاقتنا العربية العربية أولاً على المستوى الداخلي لأي مجتمع عربي، ثم الانطلاق لتوحيد مفهوم الهوية العربية وعلاقاتها المطلوبة بالفن المسرحي. مسرح النكسة والتراث مثلما كان هناك أثر إيجابي للتأثير الغربي على المسرح، الذي تمثل في غرس تقاليد فن المسرح، واستمرار الغرب كمصدر أساسي لتجارب تطوير المسرح العربي منذ بداياته وحتى يومنا هذا. فإن هناك العديد من الآثار السلبية التي نتجت عن هذا التأثر، يتركز أغلبها بعدم خلق تقاليدنا الخاصة والدائمة لأغلب الاتجاهات التجديدية التي طرأت وأثرت ولو وقتياً في المسرح العربي، ربما يمكننا رصد ظاهرتين سلبيتين لأساليب التأثر، تمثلتا في ردة الفعل الوقتية السريعة الغاضبة أحياناً، والاتباع الأعمى لكل ما هو تقليد مسرحي غربي، وربما اعتمادنا على فكرة التأثر المؤقت والسبق لتسجيل ريادة، جعلنا ننهج أسلوب ردات الفعل السريعة واتباع الجديد دون تمحيص ودراسة مدى احتياج واقع مسرحنا العربي لهذه الصرعات الجديدة في المسرح، فقط لأنها قادمة من الغرب!، وهو أحد المظاهر التي تبرر لماذا لم نتمكن من خلق استراتيجيات ثابتة ومستديمة وقابلة للتطوير في مجال المسرح العربي بشكل شمولي. فنحن نمتلك جميع المرافق المسرحية ابتداء من البناء المسرحي، ومروراًِ بالآليات التنظيمية والإدارية والفنية، والكوادر البشرية القادرة على إدارة هذا الفن العظيم، بل لدينا نفس الأشكال والأسس الكاملة لفن المسرح بشتى تنويعاتها وتقاليدها مثل المسرح التقليدي والطليعي والعام (التابع للدولة) والمسرح الخاص والمسرح النوعي، ومسرح الأطفال، ومسارح النقابات والاتحادات، وإدارات كاملة في وزارات الثقافة المعنية بالفنون. وجيوش من الفنانين والنجوم الرواد، ولكننا على الأقل لم نوجد تقليداً واحداً لصناعة الفن الراسخة، مثلما فعل القائمون على الفنون في الغرب!. وربما نتج ذلك من طبيعة المزاج العام لدى بعض الدول العربية، والقائمين على المسرح من الفنانين، حيث نعتقد بأنها مسؤولية مشتركة لنا جميعاً، فمثلاً ينعكس هذا المزاج في أسلوب ردة الفعل الغاضب، التي خلفها واقع النكسة وما ارتبط فيها من آثار على الفن المسرحي، فهزيمة العرب بواسطة إسرائيل، لم تكن تمثل فقط صدمة للروح العربية والفكر القومي العربي، ولكنها تعدت ذلك إلى جميع أشكال الأدب والفن، وخاصة فن المسرح الذي فرض عليه أن يولد ولادة جديدة!. لقد مثلت هذه المرحلة واحدة من أهم محطات الجدل في تاريخ مسرحنا المعاصر، وأفرزت العديد من الإشكاليات في مجال المسرح والتراث والأدب. وإذا كانت هناك مكاسب وقتية فإن هذا الاتجاه قد طرح العديد من أشكال التكرار خلال روح التسييس التي كادت أن تفرغ الفن المسرحي من محتواه، وذلك من خلال الشعارات والدعوات المكررة (ولكن بشكل وزمن آخر) مثل استلهام التراث العربي، وتوظيف التراث العربي، والأشكال والظواهر التعبيرية والتمثيلية في التراث العربي، ونسب العديد من الدعوات والتنظيرات، سابقة على مرحلة النكسة إلى ما بعد 1967، مثل مقولات لتوفيق الحكيم، ويوسف إدريس، وفكرة الفرجة العربية في الشمال الأفريقي الخ... وطبيعي أن هذا التيار أنتج اتجاهاً واضحاً ومؤثراً في المسرح العربي، بل حتى الإنسان العربي البعيد عن الهم المسرحي، معتمداً على فكرة الهم العربي العام المعادي للعدو الصهيوني وعملائه الداعمين له من القوى الاستعمارية الغربية. التجريب وتغير روح العصر أما الظاهرة السلبية الخطيرة الأخرى فقد نتجت عن تغير مفردات روح العصر، وربما يكون أبرزها أثر وسائل الإعلام، الذي قد يكون مدمراً وشاملاً، إذا اعتبرنا انحسار دور الثقافة المأخوذة من مصدرها الأساسي وهو الكتاب، الذي ألف أساساً ليكون جزءاً من المنظومة الثقافية، وليس فقط الاعتماد على الكتب التي ترتبط بالمنهج الدراسي. خاصة إذا ارتبط ذلك بمخرجات الثقافة لروح العصر الحديث، وهذا عنصر تغييري فاعل وهام تفرضه علينا تغيرات جوهرية في هذا العصر، و ينطلق من فكرة إحلال جيل كامل مكان جيل رائد أرسى تقاليد راسخة للفن المسرحي في جميع ربوع الوطن العربي. هذا الوضع الجديد يتطلب منّا تكييف عطائنا الفني حسب خطاب ومعطيات هذه التغيرات القسرية، مراعين في ذلك اتساع آفاق الفن المسرحي وتداخله مع فنون جديدة، ربما أبرزها فن السينما والرقص الحديث، إضافة لحلول الآلية والتقنيات الحديثة في جميع مفردات عملية الانتاج المسرحي. مما يعني محاولة التزاوج بين الأجيال الفنية المختلفة وتقاليد الفن المسرحي الموروثة، مع إضافة لمسة من “العصرنة” على أشكال الفن المسرحي دون التخلي عن الاستفادة من جهود وإنجازات الرواد وذلك من خلال التحاور الإيجابي حول قضايا الفن المسرحي ومعطياتها الحياتية. هذا المسرح الجديد إذن، لا يتقاطع فكراً ولا فنياً ولا ثقافياً، مع تراث مسرح الستينات التراثي ذي التوجه السياسي، الذي أتى نتيجة لردود الفعل الغاضبة التي ثبت الآن بأنها عالمياً وتاريخياً، لا تؤسس لحركة فنية راسخة ودائمة. مع الاعتراف بالطبع بتأثيره في فترة سابقة خلال غليان المد القومي العربي، وربما ولنفس السبب هو تغير روح العصر واعتبار الفن ترفاً للتباهي، ولشغل خانات هذا الفراغ الفني، وبحث الجيل الجديد من الفنانين عن بديل فني أسهل استيعاباً، وأكثر ملائمة لظروف أغلبهم من السطحية وقلة الثقافة، ظنوا خطأ بأن ما يسمى بالتجريب المسرحي، هو الحل الأمثل، فقرر الجميع التجريب، أو عذراً التخريب، وأصبح الجميع بين ليلة وضحاها مجربين أو أقول مخربين!. أي ببساطة شديدة انتقلوا من رفض مطلق لردة فعل غاضبة، إلى ردة فعل باردة وخالية من كل حياة، تبعوا تيار التجريب، دون فهم لطبيعة هذا الاتجاه الغامة - وحتى لدى أبرز من خبر المسرح، وقعوا في نفس الخطأ أو الخطيئة، فإن كان تيار مسرح التراث في الستينيات قد أنتج أعمالاً بارزة، وخلق جيلاً من الفنانين المبدعين، تدعمهم تقاليد باهتة ووقتية، فإن تيار التجريب باب مفتوح على مصراعيه، مقياسه الجمال والقدرة على التذوق الفردي، دون تقاليد ثابتة وراسخة يسلمها فنان إلى آخر في مرحلة أخرى، كي يقوم بالبناء عليها وتطويرها، إنه ببساطة وتجاوزا مسرح شخصي لا تقاليد له سوى تخريب ما هو موجود، تحت شعار التجريب المستمر، والنتيجة التي وصلت إليها بعض المسارح - وخاصة في الخليج العربي - اليوم، تفصح عن نفسها بجلاء، حيث لم يصل هذا التجريب إلى وضع أسس مسرحية واضحة، يمكن من خلالها تمييز تيار عن آخر. إنه ببساطة حلقة أخرى من مراحل تخريب المسرح، مهما اختلفت مسمياتها، خاصة إذا عرفنا بأن هذا الباب المفتوح بلا رقيب، قد دخل منه كل مغامر يملك الجرأة الوقحة فقط، ولا ينتمي لأية روح مسؤولة تجاه الفن ودوره في المجتمع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©