الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روافد يونانية في الفكر السياسي الإسلامي

روافد يونانية في الفكر السياسي الإسلامي
11 مايو 2011 20:14
صدر هذا الكتاب “الأصول اليونانية للنظريات السياسية في الاسلام” أول مرة في أعقاب ثورة يوليو 1952 وصدرت طبعته الثانية بعد ثورة 25 يناير 2011، وحين حقق د. عبدالرحمن بدوي الكتاب وقدم له كان البحث جاريا عن النظرية السياسية التي يمكن الأخذ بها أو اللجوء اليها. وغني عن القول إن رأيا ساد وقتها وما زال بضرورة البحث في تراثنا الإسلامي عن تصور سياسي للحكم، أو على الأقل العثور على جذر اسلامي للنظريات السائدة في عالمنا المعاصر. نماذج سياسية وصحيح أن المسلمين الأوائل ومن جاء بعدهم، ارتضوا فكرة أو نظرية الخلافة، لكن التصور العام للدولة ارتبط لديهم بالنماذج السياسية التي التقوا بها، خاصة النموذج الفارسي بعد أن فتح المسلمون بلاد فارس وتعرفوا على بلاط كسرى والقواعد السياسية التي حكمت تلك البلاد. وهناك العديد من الدراسات التي ظهرت حول هذا الجانب فضلا عن عدد من النصوص الفارسية التي ترجمت الى العربية مبكرا، لكن الجناح الاخر للفكر السياسي الاسلامي جاء تأثرا بالنموذج البيزنطي ومن ثم الفكر السياسي اليوناني. وكان فتح بلاد الشام فرصة للاحتكاك بالدولة البيزنطية حيث هزم المسلمون جيوش هذه الدولة وطردوها من الشام، لكنهم احتفظوا بنظامها الاداري في المدن والبلدان الشامية وتعرفوا على واقعها السياسي ونظام الحكم لديها، ورغم الحروب فإن التأثر يحدث بين البلدان المتحاربة والتفوق العسكري على الخصم لا يعني عدم الاستفادة بما لديه من نظم وقواعد. وكان طبيعياً ان تكون الدولة العباسية اكثر انحيازا للنموذج الفارسي في السياسة، بحكم عوامل وظروف نشأتها، فالذين قادوا الثورة على الدولة الأموية من اجل اقامة الدولة العباسية كانوا من الفرس غالبا، فضلا عن ان الخلافة العباسية بحكم مركزها في بغداد كانت قريبة ـ جغرافياً ـ من حاضرة الامبراطورية الفارسية، لذا اتجه المفكرون والمثقفون الى التراث السياسي الفارسي ينقلون عنه ويتأثرون به، خاصة في الأمور التي تتعلق بسياسة الملك وتدبير أمر الرعية. وهنا نتذكر جهود ابن المقفع سواء في الترجمة أو التأليف، ونعرف جميعا ان كتابه “كليلة ودمنة” كان كتابا سياسيا بامتياز، رغم انه جاء على لسان الحيوانات، وهناك كتب اخرى لغير ابن المقفع، حتى ساد التصور أن الفكر السياسي ينسب الى الفرس، ونسى الناس أن لغير الفرس فلسفة وفكرا سياسيا. وحين وقعت أزمة الشعوبية المشهورة في القرنين الثاني والثالث الهجريين أخذ بعض الكتاب يميزون الفرس بالتفوق في الفكر السياسي فنجد أبا حيان التوحيدي يقول في الإمتاع والمؤانسة “للفرس السياسة والآداب والحدود والرسوم، وللروم العلم والحكمة، وللهند الفكر والروية..”. انفتاح ومع ازدهار الدولة العباسية تم الاتجاه الى الترجمة ومن ثم الانفتاح على فكر جديد، وقام بالترجمة مترجمون عرب من الشام وهؤلاء كانوا يترجمون في الأغلب عن اليونانية والفكر اليوناني القديم، وكان الخلفاء يكافئون المترجمين ويقربونهم ويجزلون لهم العطاء، وكان ذلك تشجيعا كبيرا وهم لم يتخوفوا من شيء وترجموا الكثير، ربما تعثروا في ترجمة الالهيات أو نصوص الميتافيزيقا اليونانية لتعارضها الواضح مع العقيدة الاسلامية لكنهم عرفوا الفكر السياسي اليوناني حيث ترجموا “جمهورية افلاطون” وعددا آخر من أعماله فضلا عن كتاب أرسطو “فن السياسة” والواضح أن أنصار الفكر والفلسفة كانوا يدافعون عن فكرهم في مواجهة سيادة الفكر الفارسي. ووضعوا عدة كتب في ذلك. والكتاب الذي بين أيدينا “الأصول اليونانية للنظريات السياسية في الاسلام” يضم عددا من هذه النصوص ومنها كتاب “العهود اليونانية” وقام بتأليفه احمد بن يوسف بن ابراهيم، ويقول ان هذه العهود مستخرجة من كتاب السياسة لافلاطون وما انضاف اليه. وكتاب السياسة في تدبير الرياسة المعروف بسر الأسرار الذي ألفه الفيلسوف الفاضل ارسطاطاليس وهي كتاب منحول فقد نسبه صاحبه إلى ارسطو. ولا يخفي مؤلف كتاب العهود اليونانية موقفه فهو يكشف نفسه من البداية حيث يريد ان يقنع القارئ ومن ثم المجتمع بأن الفكر السياسي ليس حكرا على الفرس فقط، ويقول: “تأملتُ ـ ايدك الله ـ ما عددته الفرس من حسن السيرة ورجاحة الآراء وملك الأهواء. ورأيتُ ما صدر من ذلك غير مجانب للحق ولا بعيد عن الصدق. ولو اقتصرت عليه دون ما قادك اليه جماح التعصب لوجدت مجالا رحبا ومستعرضا فسيحا”. ولا يقف احمد بن يوسف عند هذا الحد، بل يتقدم خطوة اخرى تجاه قارئه: “فأما تكريرك تقصير اليونانيين في السياسة، فقد انفذت اليك ثلاثة عهود لهم منها عهد ملك منهم الى ولده فيما افضي به اليه من أمر مملكته، وعهد وزير منهم الى ولده فيما ينبغي أن يستعمله المتقلد للوزارة، وعهد رجل من ارفع طبقات العامة الى ولده فيما ينبغي أن يعمله في تصرفه”. ثم يقول: “فقابل بها ما وصل اليك من غيرهم لترى محلهم من حسن السيرة وفضلهم على غيرهم في السياسة”. أي أن الفضل في السياسة لليونان وليس للفرس. ويدرك المؤلف طبيعة القارئ والمجتمع الذي يخاطبه لذا يقدم له اليونانيين باعتبارهم مؤمنين موحدين بالله ويعترفون برسله وكتبه المنزلة. ونجد العدل يحتل مكانا كبيرا ومكانة مهمة: “اعلم ان بقاء ذكر الملوك بحسب ما عمروه من البلدان وحفروه من الأنهار وأحيوه من سنن الدين وبسطوه من العدل”. ويقول الملك في نصائح لابنه الذي سيخلفه في الملك: “اعلم أن الطاعة لا تنقاد للقسر والمحبة لاتنقاد إلا للعدل، فغلب العدل على رعيتك تظفر منهم بالمحبة الباقية بعدك” ويحذره بشدة من الاعتداء على أموال المواطنين “الرعية” يقول له “واعلم أن أموال رعيتك محظورة عليك ولا يجوز لك ان تقترض منها إلا ما يرفع دولتك أو ليسد رمق ضعفاء رعيتك”. ويحذر المؤلف على لسان الملك من يأتي الى الحكم من أن يعتدي أو يقتل من “صلح للملك” وبتعبير عصرنا قتل المعارضين، اذ يقول: “الجاهل من الملوك إذا رأى فضيلة في قريب منه قد أشرقت في أيامه وتعالمها الناس معه خافه على مملكته فقتله ورأى أنه أتى صوابا”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©