الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في ليلة العيد يفتقد البترول

في ليلة العيد يفتقد البترول
10 يناير 2006
شهيرة أحمد:
'في الليلة الظلماء يفتقد البدر'، لطالما نردد هذا البيت الثمين من الشعر عندما نشعر بأهمية شيء افتقدناه، أو بمدى فداحة خسارتنا بمن ذهب ورحل··· فعندما يدلهم الظلام ويعم نتحسر على الضوء ولو كان ضوء شمعة، وعندما يعم الشر ويستفحل النكران نثمن الخير مهما صغر، ونعلي من شأن فاعله مهما كان عطاؤه ضئيلا، فكيف إذا كان الشر عارماً، والظلمة دامسة·
بهذه الروح نفسها، تذكرت بيت الشاعر عندما رأيت هذه الصور تترى عبر وكالات الأنباء··· مع تعديل بسيط هو أن المفتقد في عيد العراقيين ليس 'البدر' الذي لم يعد قادراً على إنارة بيوتهم أو تدفئتها في موسم الشتاء والبرد الذي ينخر العظام، بل 'البترول' الذي يستطيع أن يفعل ذلك، بل ويتيح لهم أن يملأوا سياراتهم بالوقود لكي 'يعيِّدوا' مثل باقي خلق الله، ويتزاوروا··· ويأخذوا أطفالهم إلى الملاعب - هذا إن بقيت لهم مساحة للعب-، ويمارسوا شؤون حياتهم العادية مثل كل الناس في أي مكان على ظهر هذه البسيطة التي لم تعد بالنسبة إليهم 'بسيطة'!
ربما لم يجد 'العيد' سيارة تجلبه إلى العراق··· ربما ضاع في نخيل السماوة أو غرق في ماء دجلة أو ابتلعه الفرات··· وربما نسي وهو يمر على بقاع الدنيا أن في هذه الكرة الأرضية أرضا تسمى العراق!
لو قلنا إن العراقيين مهملون، ومنسيون، ومهمشون، فلن نكون قد أضفنا الى الحقيقة التي يعرفها الجميع شيئاً ذا قيمة، لكن حين يأتي العيد والعراقيون يخوضون في دمهم الذي لا تشبع الفضائيات ووكالات الأنباء من استعراضه فإننا نؤشر حينها على عذاب استثنائي··· فالعراقيون في هذه الحال ليسوا مهمشين ومهملين ومنسيين فقط بل إنهم 'مهمشو المهمشين، أو منسيو المنسيين' إن جازت العبارة، ولم لا تجوز إذا كان هؤلاء يعانون أضعاف ما يعانيه غيرهم، فهم يدفعون الضريبة اكثر من مرة··· مرة لأنهم 'عراقيون'، هكذا!··· ومرة لأنهم فقراء رغم أن بلادهم من أغنى بلاد الله!··· ومرة لأن لا أحد يعتني بهم··· ومرة لأنهم لا يجدون قوت يومهم فضلاً عن كونهم لا يجدون 'وقود يومهم' وهذه كلها أوضاع كفيلة بأن 'تهد جبلاً' كما يقال·
لكن هذه المعاناة لم تهد العراقيين الذين يصارعون ويقفزون بشكل يومي على مآسيهم الكثيرة، يمارسون حياتهم بإصرار عجيب على صناعة وطن جميل، يعملون··· يدرسون··· يتحدّون··· يكتبون··· و··· وما كان لكل هذا أن يتحقق لولا إيمانهم بأن العراق يستحق كل التعب وكل العناء حتى لو كان أن يصطفوا في طوابير للحصول على البترول الذي يسجل 'نقصاً' في بلد خلقها الله 'أرض البترول'·
في زمان قديم قال الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدته الرائعة 'غريب على الخليج': 'ما مرَّ عام والعراق ليس به جوع'· السياب قال هذا الشعر في ذلك الوقت، ترى··· لوعاد الآن حياً ورأى حال العراقيين وأحوالهم، ماذا سيقول؟ وأي شعر يمكن أن يصدر عنه؟
من يدري··· ربما تكفيه الصور مؤونة الكلام وتقول ما يقال وما لا يقال!
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©