الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتخابات أميركا وفراغ الثقة

17 سبتمبر 2016 22:38
إني أرى ريحا من انعدام الثقة تحرك السباق الانتخابي الرئاسي الأميركي، فالمرشحان الرئيسان، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، لا يحظيان بثقة كبيرة، إذ امتنع ترامب عن نشر تقاريره الطبية والضرائبية، وامتنعت هيلاري عن عقد مؤتمرات صحفية منتظمة أو الكشف سريعاً عن تشخيص مرضها بأنه التهاب رئوي. وكان خطاب ترامب في المؤتمر الحزبي، تجسيداً مثالياً لسياسة عدم الثقة. فقد جادل بأن الأسر الأميركية مهددة من الأجانب العنيفين الذين يمثلون تهديداً. وتصريح هيلاري عن «ثلة من البائسين» يخرج من نفس المعين الروحي، حيث رأت أن لدينا في هذه البلاد ملايين المتعصبين والعنصريين والخائفين من الأجانب والكارهين، وهم أشخاص قلوبهم بلغت من السواد درجة «لا يمكن إصلاحها». إن أتباع كنيسة إيمانويل الأسقفية الميثودية للأفارقة في تشارلستون بولاية نورث كارولاينا، أحسوا أن الرجل الذي قتل أصدقاءهم المقربين يمكن إصلاحه، لكن هيلاري حكمت على قطاع كبير من بني وطنها بأن لا أمل فيهم ولا خلاص لهم. لكن المرشحين لم يخرجا من فراغ. وسياسيو انعدام الثقة رشحتهم أمة يتزايد فيها انعدام الثقة. وقبل جيل كان نصف الأميركيين يشعرون أنهم يستطيعون الثقة في من حولهم لكن الآن أقل من ثلث الأميركيين يرون من حولهم جديرين بالثقة. والشباب هم الأكثر في عدم الثقة بالآخرين، فنحو 19% فقط من جيل الألفية يعتقدون أن الآخرين يمكن الثقة بهم. لكن وسط كل الفئات العمرية الأخرى تتصاعد ثقافة جنون العظمة والتفسير التآمري. وكنا قد شرعنا قبل عقد من الزمن في محاولة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، لكن انتهى بنا الحال إلى انتشار الطابع الشرق أوسطي في ديمقراطيتنا. والشيء الحقيقي بشأن انعدام الثقة في السياسة وفي الحياة عامةً هو أنها ذاتية التدمير. فالأشخاص الذين لا يثقون في الآخرين ينتهي بهم الحال إلى عزل أنفسهم وإقصاء الآخرين وإتلاف طبيعتهم الداخلية. وعلى مدار العقود الماضية ارتبط التقلص في الثقة الاجتماعية بوباء الوحدة. ففي عام 1985، كان 10% من الأميركيين يعتقدون أن ليس لديهم صديق مقرب يستطيعون مناقشة الأمور المهمة معه. وبحلول عام 2004، أصبحت النسبة 25%. وحين يرفض المرء الإفصاح عن دخيلته أمام الآخرين، فإن هؤلاء لا يفعلون ذلك أمامه. وتصاعد انعدام الثقة يرتبط بتقلص الروابط في المجتمع وتصاعد الريبة غير المبررة. وصعود انعدام الثقة يقلص الحميمية. فحين يدخل المرء على مواقع التواصل الاجتماعي يرى أشخاصا يتطلعون إلى الصداقة. والناس ينشرون ويعجبون بصور خاصة على مواقع مثل سنابتشات وفيسبوك. لكن المناخ الشائع من انعدام الثقة يدمر الحميمية الحقيقية التي تتضمن إقداما على كشف دخيلة النفس والاعتراف بعدم العصمة من الخطأ والمغامرة العاطفية والمحادثات التلقائية التي لا يمكن التنبؤ بها وجها لوجه. بل إن ما يراه المرء على مواقع التواصل الاجتماعي هو في الغالب صورة خادعة للحميمية. والمشاركة تخضع لرعاية مشددة، أي أن المقصود بها أن تقلل عدم إمكانية التنبؤ والخطر وعدم العصمة من الخطأ والحميمية الحقيقية. وتهكم أحد الأشخاص ذات مرة قائلا «أصدقائي يخبرونني أن لدي مشكلة في الحميمية لكنهم لا يعرفونني حقاً». وعدم الثقة يؤدي إلى دوامة تدعيم الذات هذه. وكما لاحظ أليكس تاباروك من جامعة جورج ميسون في الآونة الأخيرة، فإنه في المجتمعات التي يشيع فيها انعدام الثقة، لا يعلم الآباءُ أطفالهم -على الأرجح- التسامح مع الآخرين واحترامهم. والمزيد من عدم الثقة يقود إلى قوانين أكثر تشددا مما يؤدي إلى نمو أكثر بطئا، وهذا يؤدي بدوره إلى عقليات نكدة وإلى المزيد من عدم الثقة. والخوف عدو كبير للحميمية. وفقدان الحميمية يجعل المجتمع أكثر عزلة. والعزلة تؤدي إلى المزيد من الخوف، والمزيد من الخوف يؤدي إلى زعماء يستغلون هذا الخوف. ولا يمضي وقت كبير حتى تحمل دوامة الموت هذه المرء بداخلها. والديانات الكبرى والفلاسفة السياسيون الحكماء لطالما نصحوا بالمضي في الطريق الآخر. ونصحوا دائما بأن القوة الحقيقية توجد في الصداقة ولا سبيل إلى ذلك إذا ابتنى المرء الحوائط حوله. ولطالما دافعوا عن الانتقال بين المتناقضات، أي أنه حتى في أسوأ الظروف يتعين على المرء أن يقابل عدم الثقة بقبول عدم العصمة من الخطأ والريبة بالبراءة والشك بالإيمان والعداوة بالمحبة. ومرشحونا لا يفعلون هذا لكنه في الواقع الطريق الواقعي إلى القوة. * كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©