الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«ماياكوفسكي».. شاعر السؤال في بلاد الدولار

«ماياكوفسكي».. شاعر السؤال في بلاد الدولار
29 يوليو 2017 22:03
أحمد عثمان (باريس) في عام 1925، زار فلاديمير ماياكوفسكي (1893-1930) الولايات المتحدة الأميركية، وهكذا اكتشف كبر مساحة نيويورك ونسيجها المختلط من جنسيات متعددة، وقبلها توقف في كوبا والمكسيك. عن هذه الرحلة، أصدرت مطبوعات سونور كتابه المجهول عن رحلته السياحية «اكتشافي لأميركا»، Ma découverte de l’Amérique, traduit du russe par Laurence Foulon, préface de Colum McCann, Les Editions du Sonneur.. من ترجمة لورانس فولون، للمرة الأولى إلى الفرنسية، قبل أيام قليلة. في عام 1925 توجه ماياكوفسكي إلى الولايات المتحدة الأميركية في إطار دعوة للمشاركة في سلسلة من الندوات. المرسى الأول: هافانا. مسافراً للمرة الأولى، حصل على تصريح الهبوط وعند ذاك تعرف على المناخ القاري: «ما هذا المطر؟ رياح وسيل من المطر. تحت المدار، المطر سيل من المياه مع هبوب الرياح». في المكسيك، تحل الدهشة على موضوعات أخرى مثل الجيش: «الجيش المكسيكي مثير للدهشة. لا أحد، حتى وزير الدفاع لا يعرف عدد الجنود في البلاد. الجنود يتبعون الجنرالات. إذا كان الجنرال مقرباً للرئيس، فسوف يتحصل على مخصصات عشرة آلاف جندي إذا كان لديه ألف. وعندما يحصل على مستلزمات المعيشة الخاصة بالجنود، يبيع الغذاء والذخيرة الخاصة بالتسعة آلاف جندي الذين لا يخصونه. إذا كان الجنرال معارضاً للرئيس يتبجح بامتلاكه لألف جندي، وفي اللحظة المناسبة يرسل عشرة آلاف جندي لمقاتلته». ومن دون شك، هذا يبين تعدد المحاولات الانقلابية. ولكن تغير الديكور والإيقاع ريثما حط قدميه على الأرض الأميركية. بعد العراقيل الإدارية، قام بدفع 500 دولار كضمان للحصول على تأشيرة سياحية مدتها ستة أشهر. هو ذا الشاعر في بلاد الدولار. أصابته الدهشة من عدد الأشرطة البيضاء التي تحدد مسار المشاة، وكذا من ارتفاع البنايات الشاهقة، إلى حد أنه لصق وجهه على زجاج نافذة السيارة لكي يتمكن من رؤية قمتها: «من وجهة نظر بصرية وحضرية، تعرض (البنايات) إحدى الصور الكبرى في العالم». كل شيء كبير ومتفرد في هذا البلد الغريب: الفرجات التي تفصل بين البنايات، الرياح التي «تتلاشى غير معاقبة، غير مروضة على امتداد كيلومترات تمثل طول عشرات الشوارع التي تقطع مانهاتن»، السهولة التي تمكننا من تأجير مكاتب بسكرتيراتها، من دون نسيان المرور الجنوني للسيارات والباصات. هل هناك استثناء للتقسيم التربيعي للشوارع؟ برودواي «الوحيدة التي تتلوى، متقلبة ومتكبرة»، والتي تغمرها أنوار المسارح والمطاعم، بيد أن المرء في لحظات معدودات يلاقي الشوارع البائسة. في خضم الأمواج المتدفقة للمشاة، تساءل ماياكوفسكي في نفسه عن عدد الأميركيين الصافيين من بينهم. هناك الإيرلندي، الألماني، الروسي، البولوني، الصيني أو «السود»... وغيرهم. على أي حال، يندمج جميعهم ويصبح أميركياً لما يكون مفهوم العالم مختصراً في جملة إعلانات المتاجر الكبرى. هل الأميركيون متحضرون؟ حقاً! في كوني آيسلند، مشاهد النسوة الملتحيات تبدت له منفرة. الدولار، الذي لا يمكن التملص منه، يحيط نوعاً ما بالبخل أكثر من الرغبة في الإنفاق والثراء. وحسبما الدولار، يتم تقييم الأفراد قبل معرفة مهنتهم: «العمل هو العمل». يسمح هذا الشعار بالمخالفات الغريبة ويشجع على كل صور الفساد. وفي المقابل، أثار دهشته مشهد العصبة العنصرية «كوكلوكس كلان» في عرضها العلني غير المعاقب (أيضاً!) في شوارع نيويورك. غير محتملة، مجازر شيكاغو. غير محتمل إيقاع العمل في ديترويت، عاصمة صناعة السيارات. الحوادث محجوبة وتعدد الجنسيات جعل الفعل الادعائي المشترك غير محتمل: «كيف نصيغ بروباغندا فعالة بخمسين لغة؟». غادر ماياكوفسكي نيويورك في باخرة بنظرة أخيرة: «المرأة الجميلة التي تمثل الحرية الأميركية تلوح بالشعلة التي تقبض عليها وتخفي خلفها سجن جزيرة الدموع».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©