الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لماذا تتعثر قوانين الإعلام

5 مايو 2013 20:22
تتعثر حالياً مشاريع قوانين الإعلام وتثير الجدل في العديد من الدول، كما تتعدد آراء وملاحظات الخبراء والمعنيين. لكل حالة خصوصيتها طبعاً، ولكن ثمة «بنود» مشتركة بين جميع الحالات انطلاقاً من الطبيعة العامة للإعلام ومن مستجدات التكنولوجيا والانفتاح التي طرأت في السنوات الأخيرة. هذا موضوعياً.. أما واقعياً فلا يمكن فصل المشاريع «والملاحظات عليها» عن النوايا الكامنة ورائها، ليس فقط إذا كانت الغاية منها المنفعة العامة من الإعلام/ أو تشجّيع قيام سوق إعلامي فاعل/ أو وضع معايير مهنية وتقنية مشتركة. ففي مناطق الصراعات الساخنة، غالباً ما يضاف الهاجس الأمني وينعكس مباشرة على درجة حرية الإعلام والصحافة. ففنلندا والنرويج وألمانيا واستونيا وهولندا والنمسا وايسلندا ولوكمسبرج وسويسرا، أي الدول الأكثر نأياً عن النزاعات المحلية والجغرافية والأكثر ازدهاراً في مستوى الحياة، جاءت في أعلى سلم حرية الصحافة في المؤشر العالمي لحرية الصحافة الصادر عن جمعية» مراسلون بلا حدود» للعام 2011-2012، وفي أسفل السلم جاءت دول مثل اريتيريا وكوريا الشمالية وتركمانستان وإيران والصين والخ.. في حالات دول بين الأكثر حرية للصحافة «مثل السويد والدانمارك وانجلترا» يتضح أمران، وهو استنادها إلى تشريعات مختصرة وقديمة العهد، بدأت إجمالا من نهايات القرن الـ16 وبدايات القرن الـ17 وتزامنت عضوياً مع عصر التنوير الفكري والنهضة العلمية التي ما زالت أوروبا تجني ثمارها منذ ذلك الحين. والأمر الثاني أن إطار الحرية ليس عبثياً بل يرتبط بخير الفرد والمجتمع معاً. جان ستويرات ميل، الفيلسوف «التطبيقي» الأكثر تأثيراً في القرن الـ 19 في انجلترا وأوروبا، جزم في كتابه «عن الحرية» بأن للفرد الحق بالتعبير عن نفسه وأن اسكات «رأي واحد» قد يعني إسكات الحقيقة، كما ربط بين حرية التعبير و»عدم أذية الأفراد الآخرين» وخير المجتمع الذي يتمتّع فيه «أكبر قدر من الناس بأكبر قدر من السعادة» (وهي رؤية شهدت الكثير من التطوير اللاحق في أوروبا لتشمل عموم الناس). استطراداً، ذكّرني ذلك أيضاً بحالة الولايات المتحدة الأميركية (وما ترمز إليه من حريات فردية) حيث كان التأثير الواسع لأفكار جون كالفين التي تربط مباشرة بين الدين والنجاح في الحياة. بكلام آخر ثمة علاقة متماسكة بين البنية الفكرية والحريات في الغرب والتشريعات الناظمة للإعلام وتطور مستوى الحياة والمجتمع، وهي علاقة كانت عضوية وجدلية، فلم تتم الواحدة بمعزل عن أخرى. أي أن نسخ مجتمعات أخرى لمثل هذه التشريعات لا يؤدي منهجياً إلى رفع مستوى الحريات أو تحسين مستوى الحياة إذا افتقد لباقي المسارات. وعليه فإن الانتصار للحريات في بيئة تزدهر فيها أيديولوجيات الاستئثار والإلغاء والثأر «ايذاء الآخرين»، قد تكون كارثية إذا لم تنطلق من رؤية تنويرية أصلية، تستوعب التراث وتنتشل الجميع من الغرق في تأويلات الماضي والنزف الحالي المستمر وهذا القدر من الكراهية. هذه الرؤية لا يكفي أن تضمن عدم إلغاء الآخرين، بل الأهم أن تحفّز الأفراد والجماعات على السواء نحو هدف مستقبلي مشترك، فيه مكان لآمال وتطلعات الجميع، بما يلغي المخاوف على الحريات أو منها. وعندها لن تكون هناك حاجة فعلية لا لقانون أو لوزارة إعلام، بل تشريعات تنظيمية فقط. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©