الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جاك شاهين.. العربي الطيب مُواجهاً «أشرار» هوليوود

جاك شاهين.. العربي الطيب مُواجهاً «أشرار» هوليوود
26 يوليو 2017 20:28
منذ أيام قلائل غيبت يد المنون أحد أهم الأميركيين العرب، رحل البروفيسور «جاك شاهين»، الذي كرس نفسه وعمله لمجابهة الصورة النمطية المغلوطة والمعكوسة للعرب في أميركا، رحل المسيحي العربي الذي ناصر القضايا الإسلامية والعربية في كافة المنتديات الأميركية طوال بضعة عقود، ومع رحيله كتب المرض اللعين نهاية واحد من أهم العقول التي خدمت الحقيقة في أميركا، حيث الزيف يسابق الحقيقة ويسبقها أحياناً لاسيما عبر شاشات السينما الأميركية، لكن من أين بدأت قصة شاهين والعرب الذين أراد البعض تصويرهم - ولا يزالون - كالأشرار؟ ذات صباح استيقظ جاك على صياح ابنه وابنته الصغار جراء مشاهدتهما لفيلم على شاشة التلفاز، كان يظهر العرب في مشهد وحشي، شرير، قاس. في تلك اللحظة أدرك شاهين أن لديه مهمة مقدسة: «الدفاع عن الحقيقة». كانت جينات العرب والعروبة تجري في دمه، فكلف أطفاله جمع أي معلومات يرونها طوال مشاهدتهم، ولاحقاً كانت انطلاقة «جاك»، فما الذي رصده عبر مشاهداته الأولية؟ العرب برابرة متوحشون!  عبر نحو 900 فيلم أميركي رصدها شاهين لم يجد إلا 12 فيلماً يقدم صورة إيجابية للشخصية العربية، والباقي يضفي سلبية قاتلة على أبناء الناطقين بالضاد، حيث العربي وحشي، بربري، عدواني، مصدر دائم للتهديد، مكشراً عن أنيابه على الدوام، ولهذا فإنه يستحق القتل بلا شفقة ولا رحمة. في كتابه العمدة «العرب الأشرار.. كيف تشيطن هوليوود أمة»، يرصد تحولاً نوعياً وكمياً في صورة العربي على شاشة هوليوود متصلاً بالسياقات الزمنية لحرب الأيام الستة عام 1967. خذ على سبيل المثال: «العرب يشبهون بعضهم البعض بالنسبة لي» هكذا تفوهت بطلة فيلم «الشيخ يخطو خارجاً» عام 1973، و «كل العرب متشابهون» يقول أيضاً بطل فيلم «القائد» 1968، وتوالت المراحل بعد ذلك من دون أن يتغير شيء، ففي فيلم «الرهينة» 1986، يمزح سفير الولايات المتحدة قائلاً: «لا أستطيع التمييز بين عربي وآخر، نصفهم ملفوفون هكذا في ملاءات الأسرة تلك، يبدو كأنهم جميعاً من نفس الشكل بالنسبة لي». كان السؤال الذي عمد إليه «شاهين» لتحريك العقول الأميركية للخلاص من هذه الصورة النمطية هو: هل يمكن أن يكون العرب جميعهم على هذا الوصف: شخوص بلحىً سوداء، وأغطية على الرأس، ونظارات سوداء، وفي الخلفية سيارات ليموزين، وحريم، وآبار للنفط والجِمال، وربما يخفي أحدهم أسلحة أتوماتيكية وهوس الكراهية يطل من عينيه، وكلمة الله أكبر على شفتيه؟ هذا السؤال كان دافعاً ولا شك لبعض الأميركيين المنصفين، الذي هالهم مثل هذا التعميم الخاطئ بلا أدنى موضوعية، وفي قارة لا يحمل فيها سوى أقل من عشرة في المائة من سكانها جوازات سفر، ما يعني أنهم لم يغادروا بلادهم ولم يتعرفوا على الواقع الحقيقي للعرب الذين يكيلون لهم الاتهامات. طريق شاهين الطويل  هل يظن أحدكم أن طريق شاهين لكشف الحقائق ونزع الأقنعة عن الزيف كان سهلاً مريحاً؟ بالقطع: لا، فقد مارس شاهين عمله وسط مرارة كبيرة جابهها وواجهها من جراء الغرور الفكري والغطرسة الأخلاقية للوسط المحيط به، فبداية يضعنا شاهين أمام صورة العربي الشرير التي تريد لها بعض الأصابع والأيادي الخبيثة في هوليوود أن تسود، ويفتح الأعين على المستفيد الوحيد في تلك الفترة وحتى الساعة من هذا التنميط المغلوط، وهي إسرائيل واللوبي الداعم لها داخل القارة الأميركية. هذه الصورة المقولبة، الجاهزة، للعربي على الشاشة وعبر التلفاز، تشكل الاتجاهات الفكرية والرؤية للمشاهد الأميركي، ومن ثم يبني عليها رجالات السياسة في الكونجرس مواقفهم، ويرسم على وقعها جنرالات البنتاجون شكل وصور معاركهم المقبلة مع العرب والمسلمين. هذا العمل الجسور الذي أقدم عليه شاهين ولد عداوة غير ظاهرة له ورفضاً مستتراً لمشروعه، وفي بلد تتشدق بحرية الصحافة والإعلام صباح مساء كل يوم. النشر ممنوع كتب شاهين مقاله التحليلي الأول، عام 1975، عن صورة العرب على الشاشتين الأميركيتين الكبيرة «هوليوود» والصغيرة «التلفزيون»، غير أن المأساة التي تستدعي التوقف أمامها بعمق هي أن ما كتبه ظل يرفض نشره لمدة ثلاث سنوات، فقد سدت أمامه كل أبواب النشر في كل الصحف والمحلات إلى درجة أنه قدمه لصحيفة متخصصة في الأخبار التلفزيونية ورفضت نشره، مع إقرارها بأنه مكتوب بطريقة جيدة جداً تليق بأستاذ في عالم الإعلام الأكاديمي الأميركي، ولم يقدر له النشر إلا في عام 1978، أي بعد مبادرة السادات للسلام وبدء تغير، ولو طفيف، في صورة العربي عند الأميركيين. الأمر نفسه حدث معه غداة انتهائه من كتابه «عرب التلفزيون» عام 1981 والذي تضمن تحليلاً ورصداً لمفردات الصور الإعلامية التي تسيء للعرب، وتصورهم للأميركيين على شاشات التلفزة كمتخلفين، ولم ينشر الكتاب إلا عام 1984 بعد أن رفضته كل دور النشر التي سعى إليها. ولعل السؤال الحقيقي، هل توقف شاهين عند المأساة والإشكالية أم تجاوزها بنوع إيجابي لتغيير الواقع المؤلم الحادث على الصعيد الأميركي؟ ما وراء الصورة قبل الجواب على السؤال المتقدم يعن لنا أن نتساءل ما هي الأسباب الحقيقية التي دعت الأميركيين لتقديم هذه الصورة النمطية المغلوطة عن العرب والمسلمين في أميركا، رغم أن الولايات المتحدة الأميركية وحتى ذلك الوقت، لم تكن قد دخلت في خصومات جذرية مع الدول العربية والإسلامية مثلما حدث لاحقاً أي غزو العراق وأفغانستان، هذا بالطبع إذا استثنينا الدور السيء الذكر لأميركا &ndash جونسون في حرب يونيو عام 1967 والنكسة التي أصابت العرب في ذلك الوقت. عام 2002 قدر للبروفيسور شاهين أن يشارك في أعمال منتدى الإعلام العربي في دبي، ويومها وضح الراحل تلك الأسباب، وأشار إلى أنه بجانب الصراع العربي الإسرائيلي، هناك جذور تاريخية للإشكالية، أذكت الصورة المشوهة للعرب في عيون الأميركيين، كأناس غير متحضرين، والجزء الغالب من تلك الصورة يعود إلى فترة «حروب الفرنجة» كما أسماها العرب، وميراثها التاريخي، وأدبياتها وما سبقها وما تلاها من كتابات الرحالة الأوروبيين ومن يطلق عليهم تعريف المستشرقين، الذين قدموا إلى المنطقة العربية وقدموا تصوراتهم ومشاهداتهم، انطلاقاً من رؤى لم تحرص على الفهم، بقدر ما حرصت على الإساءة وتضخيم السلبيات، ووضعها في قوالب صارت شائعة وجاهزة. يكشف البروفيسور شاهين عن الخطأ المزدوج الذي ارتكب في حق العرب، بالصوت والصورة والكلمة المكتوبة، ذلك إنه وإن كان الكتاب قد أساءوا، فإن الرسامين الغربين لم يكونوا أقل إساءة بدورهم، إذ لم تسجل لوحاتهم سوى كل ما هو «غرائبي» وقدموا له على أنه تعبير عن العرب، حتى لو كانت تلك المشاهد السلبية «هامشية» إلا أنهم جيَّروها لتصب في مجرى التنميط السلبي لصورة العرب، كشعوب متخلفة وأقل منزلة من الرجل الأبيض، الأوروبي والأميركي. صورة العرب الأماجد  عودة إلى الجواب على السؤال المتقدم؛ فإن البروفيسور شاهين لم يكتف بتشخيص المرض، لكنه كالطبيب النطاسي عمل جاهداً وطوال أربعة عقود ونيف على تعريف الأميركيين بالعرب الحقيقيين، أولئك الذين قدموا خدمات للحضارة الإنسانية، لا ينكرها إلا جاهل أو غافل أو حاقد.  خاطب شاهين الأميركيين عبر وسائط الإعلام المتعددة داخل أميركا، والتي عمل كمستشار لبعضها لفترات طويلة، خاطبهم عن العلماء العرب الذين ألهموا الغرب الكثير من مخترعاته، فقد اخترع العرب علوم الرياضيات والكيمياء، ومهدوا الطريق أمام الباحثين الغربيين، وسهلوا لهم عملية تطوير وممارسة النظم التعليمية المتقدمة. كتب «شاهين» طويلاً عن دور العرب الرائد في مجال العلوم الفلكية، واستخدامهم للمعامل والمعدات الفلكية للإبحار ورسم خريطة النجوم وخريطة الكون، وكيف أنهم ابتكروا فكرة مركز الجاذبية، وفي الجغرافيا أوضح للأميركيين كيف أن أجداد من يصورونهم على أنهم برابرة ومتوحشين، كانوا أول من استخدم خطوط العرض والطول، واخترعوا الساعة المائية، وقد ألهمت تصميماتهم المعمارية ابتكار الأسلوب القوطي في أوروبا، وفي مجال الزراعة قدموا البرتقال والبلح وقصب السكر والقطن، وكانوا رواداً في فنون الري والصرف، وقد طوروا تقاليد للتعليم في القانون والأدب والتفكير العلمي والفلسفي التي لعب فيها اليهود أيضاً دوراً مهماً. لم يكن لعوام الأميركيين يوماً دالة على التاريخ، لذا بين لهم جاك شاهين كيف أن العالم العربي اليوم هو خليط من الأعراق، وأن هذا المشهد وليد خمسة آلاف عام خلت، فقد عاش في تلك المنطقة اليونانيون والبريطانيون، ومن قبلهم الفرس والروم، وسبقهم الفراعنة والحيثيون، ولهذا فإنه غير مدهش أن تجد بعض العرب سود الشعر وبشرتهم داكنة، والبعض الآخر يتباهى بالنمش والشعر الأحمر والعيون الزرقاء. وفي أهمية الجغرافيا العربية في مسار العالم ومصيره، حدثهم عن مساحة العالم العربي الذي يكبر مساحة الولايات المتحدة بمرَّة ونصف، والذي يمتد من مضيق هرمز إلى جبل طارق، وهي النقطة التي التقت وتلتقي عندها قارات آسيا وأوربا وأفريقيا. وفضلاً عن هذا كله توقف جاك شاهين، كثيراً، ليفتح أعين الأميركيين على أهم ما جادت به المنطقة العربية على العالم، والمتمثل في الأديان السماوية الثلاث. هؤلاء هم العرب الذين تتجاهلهم شاشات هوليوود، عن عمد، ولا تبرز سوى الأشكال المشوهة، والجينات المتنحِّية للقلة التي لا تذكر فيهم وبينهم.   ماذا بعد شاهين؟ يبقى السؤال الحزين ... ماذا بعد مغادرة شاهين لدنيانا؟ الحقيقة مؤلمة، وهي أن الساحة الأميركية تفقد رعيل المهاجرين العرب الأوائل، الذين اندمجوا إلى أبعد حد في الحياة العامة الأميركية بكل مناحيها، ولهذا استطاعوا تحقيق نجاحات واضحة حتى للأميركيين انفسهم. قبل شاهين رحلت قامات فكرية كبيرة: إدوارد سعيد، إبراهيم أبولغد، كلوفيس مقصود والعديد من الأسماء العربية &ndash الأميركية اللامعة.. فهل هناك جيل ثان يحمل الشعلة في الداخل الأميركي من بين الأميركيين العرب؟ إن إيجاد جواب كهذا أمر مهم وجوهري في مسيرة العرب القادمة، فلكي نرى نتائج حقيقية لتغيير الصورة النمطية عن العرب والمسلمين، لابد من توافر الإمكانيات وفي المقدمة منها العنصر البشري. يترك شاهين وصيته منادياً العرب والمسلمين بالعمل الخلاق لإيجاد حلول كافية لتصحيح هذه الصورة، مشيراً إلى أن من الخطأ الاعتقاد أن «هوليوود هي المسؤول الوحيد على هذه المشكلة، وأن تأثيرها ينحصر فقط بمن يعيشون داخل الولايات المتحدة الأميركية، فمن المؤسف أن ضرر هذه الصور المغلوطة ينعكس على الأبرياء وعلى مختلف المجتمعات، ومرد ذلك أن أميركا هي المصدر الأكبر للأفلام السينمائية حول العالم، ولهذا لابد للعرب من وضع خطط عملية ومدروسة لمواجهة هوليوود بأفلام تحمل الصور الصادقة عن العرب والمسلمين، وعدم الاكتفاء بالرايات الفاقعة والأصوات الزاعقة التي تهاجم من دون أدنى فعل إيجابي أو مبادرة خلاقة. «جاك» العاشق ولد «جاك شاهين» البروفيسور الأميركي اللبناني الأصل، عالم الاجتماع ووسائط الاتصال الذي نذر حياته للدفاع عن الشخصية العربية التي تتعرض للتشويه في الإعلام الأميركي، في سبتمبر/&rlm&rlm أيلول 1935، في مدينة «بيتسبرغ» ونشأ فيها لأبوين لبنانيين مهاجرين إلى أميركا، وكأن القدر كان يعده للمهمة التي تصدى لها طوال حياته: مهمة تفنيد الأكاذيب الهوليوودية وتخليص الحقيقة من الزيف، فقد كانت والدة «جاك» تعمل في شباك التذاكر في إحدى دور السينما الأميركية، الأمر الذي مكنه من دخول ومشاهدة كل الأفلام. = في الثانية عشرة من عمره، عمل جاك الذي عشق السينما، في وظيفة بإحدى دور السينما متحايلاً على القانون الذي يشترط سناً معينة للعمل. = دفعه عشقه للسينما إلى دراسة المسرح في معهد كارنيجي للتكنولوجيا، ثم حصل على درجة الماجستير من ولاية بنسلفانيا، ولاحقاً الدكتوراه في الاتصالات الجماهيرية من جامعة ميسوري في كولومبيا. = كتب العديد من المقالات المعمقة وترك مجموعة من الكتب المهمة منها: عرب التلفزيون (1984)، الصورة الشريدة للعرب في السينما الأميركية، مذنبون: حكم هوليوود على العرب بعد الحادي عشر من سبتمبر. = حصل جاك شاهين على العديد من الجوائز تقديراً لمساهماته البارزة في تعميق التفاهم المتبادل بين الشعوب والثقافات الإنسانية، مثل جائزة جامعة بنسلفانيا، والمجلس العربي الأميركي ضد التمييز، ومؤسسة فولبرايت، ومؤسسة كارنيجي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©