القاهرة (الاتحاد)
الوصال في الصوم من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم التي اختصه الله تعالى بها، والتي لا تجوز متابعته فيها، وفي النهي عن الوصال في الصوم مظهر من مظاهر رحمة النبي وشفقته بأصحابه وأمته، قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، «سورة التّوبة: الآية 128»، وقالت أم المؤمنين عائشة: نهى رسول الله عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصِل، قال: «إني لستُ كهيئتِكم، إني يُطعِمُني ربي ويسقين».
وقال القاضي عياض: الوصال هو، متابعة الصوم دون الإفطار بالليل، وقال ابن الأثير: هو أن لا يُفْطِرَ يومين أو أياماً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل الصوم يومين وثلاثة أيام متوالية، لا يأكل فيهن ولا يشرب، ولما أراد بعض الصحابة أن يقتدوا به، نهاهم.
سأل بعض الصحابة رسول الله عن الجمع بين نهيه لهم عن الوصال في الصوم وفعله الدال على الإباحة، فأجابهم باختصاصه به، مبيناً لهم أنهم ليسوا مثله، وفي رواية للبخاري قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، فقال: له رجال من المسلمين: فإنّك يا رسول الله تواصل، فقال رسول الله: أيّكم مثلي، إنيّ أبيت يطعمني ربّي ويسقين، فلمّا أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثمّ يوما ثمّ رأوا الهلال، فقال: لو تأخّر لزدتكم، كالمنكّل بهم حين أبوا».
وقال ابن عثيمين: صوم الوصال أن لا يفطر الإنسان في يومين، فيواصل الصيام يومين متتاليين، وقد نهى النبي عنه وقال: «من أراد أن يواصل فليواصل إلى السَحَر»، والمواصلة للسحر من باب الجائز، وليست من المشروع، ورسول الله حث على تعجيل الفطر، وقال: «لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر».
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «إنِّي أبيتُ يُطْعِمُني رَبِّي ويَسْقين»، قال النووي: يجعل اللَه تعالى فيَّ قوة الطاعم والشارب، وقيل، هو على ظاهره، وأنه يُطْعَم من طعام الجنة كرامة له، والصحيح الأول، لأنه لو أكل حقيقة، لم يكن مواصلا، وقال ابن حجر: مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة، فكأنه قال يعطيني قوة الآكل والشارب، ويفيض عليَّ ما يسد مسد الطعام والشراب، ويقوي على أنواع الطاعة من غير ضعف في القوة ولا كلال في الإحساس، والمعنى إن الله يخلق فيه من الشبع والري ما يغنيه عن الطعام والشراب فلا يحس بجوع ولا عطش، أي أنه يعطى القوة من غير شبع.
عدد اليوم
