السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدقائق الأخيرة

الدقائق الأخيرة
16 مايو 2014 21:56
المصرف سوف يغلق أبوابه خلال ربع ساعة. لا بد لي من سداد مبلغ معين حتى لا يحسبونني متقاعساً عن السداد، ولربما تورَّطت في غرامة تأخير. لهذا أجري في الشارع جرياً كي أجتاز البوابة قبل أن تفوت الفرصة.. أنفاسي متقطعة وجنبي يوشك أن ينشق من فرط الألم، لكني أركض لأن الأمر مهم فعلاً. هنا تظهرين أمامي يا عفاف.. لا أدري من أين جئت، ولا من أي شق في الجحيم خرجت لتعترضي طريقي في هذه الساعة بالذات.. - «محمد.. أنا سعيدة بأنني قابلتك.. أنا بحاجة إلى مَنْ أتكلَّم معه. أنت تعرف نهلة طبعاً.. إنها فتاة رقيقة.. فتاة ممتازة، وكنت أحسبها صديقتي، لكنها تصر على أنني ساذجة وحمقاء. تحاول أن تأخذ مني علاء، وهذا ما اكتشفته فجأة .. انزلق لسان علاء، وقال إنها تتصل به.. وأنا أعرف نهلة جيداً وأعرف أنها لا تتصل إلا لغرض..». قلت لها وأنا أنظر في ساعتي: - «هذا جميل. سوف نناقش هذا فيما بعد لكن يجب أن الحق بالمصرف» هنا تصيحين في حماسة: - «المصرف!.. لقد تذكرت الآن .. لقد هدد المدير ‏CEO بأن يطردني من عملي في المصرف .. قال إنني كسول ومهملة، وأنا أعرف جيداً السبب. أنا الوحيدة التي لم تخضع لتحرشه وألعابه القذرة.. من الصعب أن تحتفظ الفتاة العاملة الجميلة بكرامتها وعملها معاً.. يجب أن تختار». لا تبدين لي جميلة بتاتاً يا عفاف، فلا بد أن هذا المدير قادم من جزيرة بلا نساء أو هو مصاب بسرطان في شبكية العين. ليس هذا وقت التفكير على كل حال..  - «اسمحي لي يا عفاف.. أنا متعجل جداً». تسدين عليَّ الطريق بحيث يستحيل أن أمر، وتقولين: - «أنت تغيرت كثيراً.. صرت مغروراً ضيق الصدر.. ولم تعد مستعداً لسماع كلامي.. في الماضي كانت هُناك فسحة من الوقت كي نتبادل الآراء وأشكو لك.. لقد غيرك الثراء». لم أعد أرى سوى الشيك وغرامة التأخير.. يجب أن تبتعدي.. يجب أن تصمتي.. لو كنت رجلاً لانهلت عليك بالركلات، ثم عاجلتك بسيف يد على الحنجرة لتخرسي.. من الخسارة أنك أنثى في هذه اللحظة بالذات..  أحاول الفرار منك لكنك تسدين الطريق من جديد فأصيح: - «أتركيني وشأني أرجوك.. !.. لا وقت لديَّ». هنا ترتجف شفتك السفلى بعض الوقت ثم تنفجرين في البكاء. تسندين رأسك للجدار وتنهمر الدموع كمزراب: - «أنا حسبتك تهتم بأمري، لكنك مثل علاء شخص أناني وغد... يمكنك أن ترحل لكنك لن تراني بعد اليوم». أمد يدي لكتفك لأشرح فتصيحين في هستيريا: - «لا تلمسني!!». هُنا يمتلئ المكان بالإخوة الغاضبين حاري الدماء الذين قرروا الدفاع عن هذه الأنثى المسكينة التي جعلها تحرشي تبكي. لا أحد يتدّخل لمنع المعاكسات عامة إلا عندما يكون المصرف موشكاً على غلق أبوابه، ويكون خراب بيتي قريباً.. الظريف أنك لا تدافعين عني ولا تشرحين أي شيء لمن يريدون البطش بي..  أتركك حيث أنت يا عفاف وأفر فراراً، بينما عبارات السباب تلاحقني، ومن يصيح: - «عد يا جبان!... أم أنك تجيد فقط ضرب النساء؟!» إلى المصرف.. يمكن استعادة علاقاتي القديمة فيما بعد، لكن ليس الآن، هنا يعترض طريقي صديقي القديم مصطفى الذي لم أره منذ خمسة أعوام: أبو محمد!... أخيراً وجدتك أيها الوغد!.. إنه دهر قد مر علينا..  أقول كلمات مختلطة كثيرة بلهجة هي أقرب للبكاء: - «أرجوك.. لا. لأ أريد... الدقائق.. حرام» ينظر لي في دهشة وقد بدأ يشك في سلامة عقلي. يقول لي: - «كنت عصبياً طيلة حياتك ومندفعاً.. لهذا حدثت تلك القطيعة.. لكن الوقت قد جاء لنجدد هذه العلاقات. جلسة في مقهى ثم تدعوني للغداء في بيتك.. هكذا تعود العلاقات كما كانت منذ عشر سنوات.. الصداقات القديمة كنز لا يعوض». يمد يده معانقاً فأتملص منه وأمر تحت ذراعه. يمسك بي بقوة فأوجه له ركلة في قصبة ساقه.. لم يعد هُناك وقت للشرح.. ما أسعد الشخص الذي لا يعرف أحداً في العالم !..  يجب أن أبلغ المصرف قبل أن يغلق أبوابه، وقبل أن أخسر كل رفاقي .. لقد كلفني هذا الشيك الكثير.. كلفني الكثير جداً.. د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©