الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حظر النقاب: معركة ساركوزي الانتخابية

حظر النقاب: معركة ساركوزي الانتخابية
14 يوليو 2010 22:13
إدوارد كودي باريس وافق مجلس النواب الفرنسي بأغلبية ساحقة، وإن كانت مكشوفة دستورياً، على مشروع قانون يحظر على النساء المسلمات ارتداء النقاب في الأماكن العامة. ومن المقرر أن يتم تقديم القانون إلى مجلس الشيوخ في سبتمبر المقبل لإقراره. وهذه الموافقة من جانب مجلس النواب الفرنسي، تجعل من فرنسا الدولة الثانية في أوروبا، بعد بلجيكا، التي تصدر قانونا بتحريم ذلك الرمز الأكثر بروزاً ودلالة على تنامي الوجود الإسلامي في مختلف بلدان القارة الأوروبية ذات التراث العلماني والمسيحي العميق. والحقيقة أن تحريم النقاب كان محلا لمناقشات محتدمة، انتهت بتقديم مقترحات ومشروعات قوانين لحظره في دول أوروبية عدة، منها إسبانيا، وإيطاليا، وسويسرا، وهولندا... لكن تلك المشروعات لم يتسن تمريرها في برلمانات هذه الدول لأسباب مختلفة، وإن كان ذلك لم يمنع المجالس المحلية والبلديات في بعض المدن الأوروبية من فرض حظر على ارتداء النقاب في المباني العامة. ومن المصادفات الدالة، أن تتزامن موافقة مجلس النواب الفرنسي على قانون حظر النقاب مع الاحتفال بذكرى "يوم الباستيل" الذي يرمز لقيام الثورة الفرنسية، التي دشنت عهد مبادئ حقوق الإنسان، والمساواة بين المواطنين، وجعلت من فرنسا منارة للحرية واحترام حقوق الإنسان في العالم بأسره. وبموجب القانون المذكور، ستفرض غرامة قدرها 185 دولاراً، أو تلقي دروس في المواطنة (أو الاثنين معاً في بعض الحالات) على النساء اللائي يضبطن وهن يرتدين "النقاب" (حسب التسمية السائدة في شمال إفريقيا) أو "البرقع" (حسب التسمية المعروفة في المشرق العربي وأفغانستان). أما في حالة إذا ما اتضح أن الزوج هو الذي فرض على زوجته ارتداء النقاب فيتم عقابه بالحبس لمدة عام ودفع غرامة مالية قدرها 38 ألف دولار. وفيما لو كانت من أجبرت على ارتداء النقاب قاصرا، فيمكن مضاعفة العقوبة على الشخص الذي أجبرها. وهذا البند في القانون يعكس إلى حد كبير الاعتقاد السائد على نطاق واسع في فرنسا، وهو أن النساء المسلمات مجبرات على تغطية وجوههن، من قبل آبائهن أو أزواجهن. ومن المتوقع أن تتم الموافقة على مشروع القانون في مجلس الشيوخ في سبتمبر القادم بأغلبية كبيرة، حيث يسيطر الائتلاف المحافظ الذي يقوده ساركوزي على أغلبية مقاعد المجلس، كما هو الحال في الجمعية الوطنية أيضاً. لكن المشرِّعين قرروا عرض القانون بعد إجازته في مجلس الشيوخ، في سبتمبر، على المجلس الدستوري وهو أعلى هيئة قضائية دستورية في البلاد، وذلك قبل إقراره بصفة نهائية والعمل بموجبه. والغرض من ذلك هو التأكد من عدم تعارضه مع أحكام الدستور الفرنسي، وعلى وجه الخصوص، تلك المتعلقة بضمانات الحرية الدينية، وأيضاً من أجل تقليص درجة المعارضة التي يتوقع أن يواجهها تنفيذه من قبل المنظمات الحقوقية، ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، والحريات الدينية، ومحاربة التمييز، في فرنسا أو في غيرها. ويرجع السبب في ذلك الإجراء الإضافي إلى أن مجلس الدولة، وهو مجلس استشاري فرنسي يحظى بالاحترام، قد حذر في تقرير له من أن الحظر التام للنقاب سوف يجعل من القانون بعد صدوره، عرضة للهجوم من الناحية الدستورية. وهناك سبب آخر هو أن المشرعين في البرلمان الأوروبي قد حذروا من أن هذا القانون قد يتم إسقاطه في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. واستناداً إلى رأي المشرعين الأوروبيين على وجه التحديد، امتنع الحزب الاشتراكي الفرنسي، وهو حزب المعارضة الرئيسي، عن التصويت على القرار المذكور. وقال قادة الحزب في معرض تبرير موقفهم، إن هذا الموقف يعكس معارضتهم لارتداء النقاب في الأماكن العامة من حيث المبدأ، لكنه يعكس في ذات الوقت معارضتهم للرفض الصريح والمباشر للنقاب من جانب حكومة ساركوزي وحظر ارتدائه في الأماكن العامة، إذ يرون أنه كان من الواجب حظر ارتداء النقاب في "المباني العامة" فقط، مثل المدارس والفصول والمستشفيات. وهذا الموقف من جانب الاشتراكيين يهدف، كما يقول المحللون، إلى إظهار أنهم، ورغم قيامهم بدور حزب المعارضة الرئيسي، حريصون في ذات الوقت على عدم التصادم مع الرأي العام الفرنسي الذي تؤيد غالبيته العظمى حظر ارتداء النقاب. وفي هذا السياق أظهر مسح حديث أجراه" مركز بيو للأبحاث" أن 82 في المئة من الفرنسيين، ممن استطلعت آراؤهم، يؤيدون حظر النقاب. كما أظهر المسح الذي شمل كذلك عينة من المواطنين الأوروبيين، أن 71 في المئة من الألمان، و62 في المئة من البريطانيين، و59 في المئة من الإسبان، سوف يؤيدون فرض حظر مماثل على النقاب في بلدانهم. وقدرت وزارة الداخلية الفرنسية أن عدد النساء المسلمات اللائي يرتدين النقاب في فرنسا كلها لا يزيد عن 2000 امرأة من بين خمسة ملايين مسلم يعيشون في البلاد التي يبلغ تعداد سكانه 64 مليون نسمة. لكن حظر النقاب، رغم ذلك، يمثل موضوعاً يلتف حوله أولئك الذين يطالبون المسلمين الذين يعيشون في فرنسا ببذل مجهود مضاعف من أجل الاندماج في المجتمع. ويشار إلى أن المنظمات الإسلامية الرئيسية في فرنسا، ورغم إقرارها ابتداءً بأن ارتداء النقاب قد يكون شيئاً غير مألوف في أوروبا، إلا أنها أعربت في ذات الوقت عن خشيتها من أن يؤدي التشريع الذي يقف وراءه "ساركوزي" شخصياً، إلى تشجيع ممارسة التمييز ضد المسلمين. وقد اتهم "فرانسوا دو ريجي"، ممثل حزب الخضر في البرلمان، والذي كان صاحب الصوت الوحيد الذي عارض حظر ارتداء النقاب، الحكومة الفرنسية بالعمل على تأجيج التوتر بين مكونات المجتمع الفرنسي، في محاولة منها لكسب أصوات "أنصار حزب الجبهة الوطنية" المناوئ للمهاجرين في الانتخابات القادمة، خصوصاً على ضوء حقيقة أن الفوز الذي حققه "ساركوزي" في الانتخابات الرئاسية الماضية كان يرجع -جزئياً- إلى قدرته على اجتذاب أصوات تلك الشريحة تحديداً من الناخبين الفرنسيين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©