الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نحو فك عزلة الخشبة والفنان

نحو فك عزلة الخشبة والفنان
14 يوليو 2010 20:12
النص المسرحي في الإمارات” عنوان ندوة علمية نظمت في إطار الدورة الثانية عشرة من أيام الشارقة المسرحية عام 2002. هذه الندوة المهمة التي عقدت في بيت الشعر في الشارقة القديمة، صدرت وقائعها في كتاب بالاسم نفسه من منشورات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة وتحرير وإعداد الدكتور يوسف عيدابي (باحث وناقد ومسرحي متخصص من السودان). أهمية هذه الندوة تنبع بالدرجة الأولى من المشاركين فيها، فإضافة إلى الدكتور عيدابي الذي قدم ورقة عمل بحثية بعنوان “من مشكلات التأليف المسرحي في الإمارات”، فهناك مشاركة للمؤلف المسرحي الإماراتي محمد سعيد الضنحاني بورقة عمل بعنوان “شمولية النص المسرحي الإماراتي”، ومشاركة للكاتب الراحل سالم الحتاوي بدراسة بعنوان “تطور النص المسرحي في الإمارات”، كما شارك في الندوة الكاتب والروائي علي أبو الريش بورقة حملت عنوان “الدراما في المسرح” أكد من خلالها “أن المعضلة الكبرى التي ستواجه الدراما المسرحية في بلادنا، أنها ستظل معزولة عن الفكرة الأساسية التي نشأ منها المسرح وهي فكرة الوجود الكلي، وهل هذا الوجود جدير بالاهتمام؟ أم أنه سيظل مسألة غيبية وليست عملاً من أعمال الفكر”. تابعنا في الندوة أوراق عمل ودراسات كان على رأسها، ما كتبه عبد الإله عبد القادر (مخرج وناقد وقاص من العراق) بعنوان “الريادة في الكتابة ـ منظور تاريخي للنص المسرحي في دولة الإمارات العربية المتحدة”، و”الشخصية والحدث في مسرحيات الفصل الواحد” (هيثم يحيى الخواجة) و”الشخصية الدرامية” (عبد الفتاح صبري)، و”الغياب الإنساني بين الشخصيات المسرحية” (فاطمة السويدي)، و”المؤلف والمخرج” (خالد البدور)، و”درب الكوميديا” (د. حبيب غلوم)، و”المسرح الاجتماعي” (باسمة يونس)، و”من الرمزية إلى الحداثة” (برهان شاوي). أوراق العمل هذه بالإضافة إلى الشهادات التي قدمها المشاركون طرحت ضمن محورين هما: نصوص الريادة من الخمسينات وحتى أواخر السبعينات. ونصوص وتجارب المرحلة الراهنة منذ الثمانينات وحتى اليوم. وخلص المنتدون إلى مجموعة من الملاحظات من أهمها: أنه كان هناك ثراء وتنوع صاحب بدايات النهوض المسرحي في الإمارات، والدور البالغ الأثر الذي لعبه المسرح المدرسي ورواد التعليم لجعل المواهب تتفتح وتساهم في الحياة الاجتماعية الناهضة في أواخر أربعينات وبدايات خمسينات القرن الماضي. وأخيرا ضرورة الإسراع بإنجاز توثيق الحياة المسرحية الإماراتية منذ بواكير والاستفادة من روادها وأوائلها الذين على قيد الحياة للتأريخ والتدوين لتفصيلات مراحل البدايات حتى تبقى للأجيال. كما تنبع أهمية هذه الندوة مما أثاره المشاركون فيها من قضايا مسرحية وإشكالات تخص جانب النص المسرحي وبخاصة ما كتبه الكاتب المسرحي غزير العطاء الراحل سالم الحتاوي ومن ذلك قوله: “لو عدنا للوراء قليلاً ونبشنا في نصوص الخمسينات والستينات، سنجد أن تلك الفترة هي مرحلة النصوص الفطرية، فالنص المسرحي كان يكتب كفكرة بقليل من الأوراق، أما بقية النص أو المسرحية فكانت تعتمد على جهود الفنانين في ارتجال الجزء المتبقي لاستكمال عرضهم المسرحي. لذلك لم تؤسس القواعد الصحيحة لبنية نص أو مسرح بشكل عام، وعلى الرغم من كل تلك الإمكانيات المتواضعة الضعيفة، استطاع المسرح أن يناقش قضايا مجتمعه من خلال موروثه الشعبي البسيط المرتبط بحياة الناس وهمومهم والذي كان يحمل بين طياته الفكاهة والابتسامة التي كان ولا يزال الجمهور يبحث عنها. أما فترة السبعينات والثمانينات فهذه فترة تحول في المسرح بشكل كبير جداً، فبعد استقدام الخبرات العربية للاستفادة منها وتأثر الفنانين الشباب من خريجي المعاهد الفنية المسرحية في تلك الفترة بالذات اتجه المسرح لتقديم النصوص العالمية والعربية التي تفتقد للخصوصية المطلوبة والتي لا تعكس الواقع ولا البيئة المحلية بشكل عام مما شكل ابتعاد للجمهور عن المسرح وخلق فجوة بينه وبين الخشبة وضياع هوية المسرح الإماراتي. أما فترة التسعينات وتحديداً في عودة أيام الشارقة المسرحية عام 1994، فيمكن القول إنها فترة عودة الحياة للنص المحلي ومن أهم مسرحيات تلك الفترة مسرحية “الشهادة” لمحمد العامري ومسرحية “مال الله الهجان” لجمال سالم و”قبر الوالي” لجمال مطر و”بنت عيسى” لناجي الحاي، و”ابن ماجد يحاكم متهميه” نص علي أبو الريش، وغيرها من الأعمال التي أكدت ترسيخ ظاهرة النص المسرحي الذي يخاطب الجماهير بعقلانية والاستناد إلى مفردات البيئة والموروث الشعبي بشتى أشكاله وتنوعاته. يذكر أن سالم الحتاوي واحد من أهم كتاب المسرح في الإمارات ممن استثمروا التراث الشعبي في نصوصهم، ومن أهم أعماله: “الياثوم” و”ترنيمة الحلم الأخير” و”جوهرة” و”عرج السواحل” و”زهرة “. يلفت الانتباه في هذا السياق ما كتبه الدكتور المخرج حبيب غلوم العطار حول “كوميديا الوجه الآخر عند الكاتب المسرحي الإماراتي جمال سالم” الذي بدأ الكتابة للمسرح عام 1993، وقد أنجز للمسرح المحلي العديد من النصوص المهمة من بينها: بو محيوس في ورطة، طارش والعنود، فراش الوزير، البراجيل الفارس، بهلول والوجه الآخر، وحازت هذه المسرحية جائزة أفضل نص مسرحي عربي في مسابقة محمد تيمور للإبداع عام 1995. ويذكر غلوم أن جمال مطر نجح خلال فترة قياسية في تحقيق نص محلي جاد في مضمونه، ويحمل في طياته نوعاً جديداً من الفكاهة المحببة للنفس، حيث برع هذا الكاتب في المزج بين ما هو جاد ورصين وما هو بسيط وعفوي، كما استطاع أن يحل المعادلة التي طالما كانت العائق الأكبر أمام أكبر كتاب الدراما في إيجاد وسيلة تحل بها إشكالية تقديم ما هو نافع ومؤثر ولكن بشكل يرتضيه الجمهور ويحقق له شيئا من المرح والفكاهة. في النهاية يصل غلوم في ورقته إلى اهتمام النص المسرحي بالقضايا الوطنية والاجتماعية ومناقشة السلبيات بروح فنية عالية وتناول يمتلك الكثير من الجرأة مما جعل من قضية واصطلاح أزمة النص المسرحي شيئاً يمكن التعامل معه من خلال الكاتب المحلي حينما يحصل على فرصته الحقيقية في التعبير. في الكتاب ثمة دراسة مهمة كتبها برهان شاوي حول النص الدرامي الرمزي عند صالح كرامة وصل من خلالها إلى قوله: “نصوص صالح كرامة إشكالية تغرد خارج السرب، إذ تتمايز عن كل ما كتب ويكتب من نصوص مسرحية في الإمارات إنها لا تعبأ بالموضوعات التي تتناولها النصوص المحلية الأخرى، ولا تقترب من المشاكل الاجتماعية بشكل مباشر ولا تهمها التفاصيل الأخرى كالتواصل مع الجمهور والإصلاح أو التنوير الاجتماعي، إنها نصوص وجودية تعبر عن محنة الوجود الإنساني بشكل عام. من هنا يمكن النظر إلى نصوص كرامة على أنها نصوص حداثية إذا ما استخدمنا منهجية النقد الثقافي”. وكتبت فاطمة السويدي مقاربة بعنوان: مقارنة نقدية بين الشخصيات المسرحية في “قفص مدغشقر” لأحمد راشد ثاني و”المقهى الزجاجي”، تثير فيها العديد من القضايا حول نص المقهى الزجاجي للسوري سعد الله ونوس في مقاربة نقدية فنية ممتازة بكل المقاييس. وتصل الكاتبة في نهاية المقاربة إلى أن نص أحمد راشد ثاني يقترب من نص ونوس في عمقه المسرحي وتقارب شخصياته في صفات مشتركة مثل السلبية والغياب وإن اختلفت درجتها وحدتها بين شخصيات المسرحيتين. في حين أن كل نص من النصين احتفظ بسمته الإبداعية التي تميزه عن النص الآخر، فرؤيا الغياب الإنساني وزحمة المتكاثف تشكل خاصية مسرحية في نص “المقهى الزجاجي”، كما أن توظيف الغياب بدلالة الحضور والحياة بحساسة وتدفق في نص “قفص مدغشقر” يكشف عن تميزه وتميز كاتبه المسرحي أحمد راشد ثاني. في الندوة جهد كبير وواضح، كما أن جهد الدكتور يوسف عيدابي في تحرير وإعادة مواد الندوة في كتاب مهم يعتبر وثيقة للكتاب والباحثين والمتابعين لحركة المسرح الإماراتي بوجه خاص والمسرح العربي بوجه عام. فالندوة في تقديرنا هي أشبه بمؤتمر وطني للمسرح، فقد ناقش المنتدون الإشكاليات كافة التي يعانيها النص المسرحي والكاتب المحلي في إطار عام يوضح مسيرة هذا المسرح عبر مراحل مختلفة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©