الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين الواقعية والبراجماتية

6 مايو 2011 21:36
أفاد عدد من المقالات التي نُشرت خلال الشهور القليلة الماضية، أن داخل إدارة أوباما معسكرين أحدهما من "الواقعيين"، وثانيهما من "البراجماتيين"، وأن المعسكرين قد انخرطا في نزاع حول الكيفية التي يجب الاستجابة بها للفوران الثوري في العالم العربي. وفقا للرويات التي تضمنتها تلك المقالات، يشعر"البراجماتيون" بالقلق على المصالح الأميركية وهو ما دعاهم للحذر من الابتعاد عن الديكتاتوريات القديمة في المنطقة. وهكذا قرأنا في "نيويورك تايمز" مقالاً عن مصر جاء فيه أن" الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الأميركية" قد مالوا إلى الوقوف إلى جوار مبارك لأنهم رأوا الأزمة المصرية"من منظور المصالح الاستراتيجية الأميركية في المنطقة". والافتراض السائد هو أن" الواقعيين" لا يهتمون بالمصالح الاستراتيجية بنفس القدر الذي يهتم" البراجماتيون" بها. فكل ما يريدونه هو أن تثبت الولايات المتحدة، أنها على مستوى المبادئ التي تؤمن بها بالفعل، وأن تقف في الجانب الصحيح من التاريخ بصرف النظر عن الأكلاف الاستراتيجية. هذا، بالطبع، محض هراء. لأن الأمم، شأنها في ذلك شأن الأفراد، نادراً ما تتصرف وفق المبادئ فحسب، أو انطلاقاً من المصلحة الذاتية فحسب... كما أنه من غير الممكن تعريف المصالح الوطنية تعريفاً دقيقاً أو محدداً. فالوصول إلى منابع النفط مصلحة استراتيجية ما في ذلك شك، ولكن هذا ينطبق أيضاً على الترويج لمبادئ معينة، بما في ذلك الديمقراطية. إن "دين أتشيسون" الذي كان وزيراً لخارجية الولايات المتحدة خلال السنوات 1949 ـ1953 لم يشك أبداً أن ترويج الديمقراطية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، كان في مصلحة أميركا إلى حد كبير. في كتابه المعنون" المثل والمصلحة الذاتية في علاقات أميركا الخارجية" قدم الراحل"روبرت أوسجود" أسباباً منطقية تدعم المقاربة الواقعية للشؤون الدولية، ولكنه أكد مع ذلك أن المثالية كانت دوماً" دافعاً لا غنى عنه للمنطق" فيما يتعلق بصنع السياسة الخارجية. وكمثال على ذلك، ذكر أن هؤلاء الذين يدعون إلى تركيز صارم على المصالح الذاتية الأميركية قبل الحرب العالمية الثانية، وأوصوا بالبقاء بعيداً عن الحرب ثبت فيما بعد أنهم "الأكثر عجزاً عن رؤية الاحتياجات الحقيقية للمصالح الذاتية الأميركية". أما "المثاليون"، الذين كانوا الأكثر شعوراً بالفزع من تهديد الفاشية للمجتمعات الليبرالية الغربية، فسرعان ما تنبهوا للحاجة إلى الخروج للدفاع عن الديمقراطيات الأوروبية التي كان الأمن القومي الأميركي يعتمد على بقائها. والسؤال المطروح اليوم هو: ما هو الشيء الذي يمكن اعتباره براجماتياً في الشرق الأوسط الراهن؟ هل كان التمسك بمبارك يمثل خياراً براجماتياً وواقعياً؟ في الوقت الذي توصلت فيه إدارة أوباما إلى ضرورة "دعم خيار رحيل مبارك عن السلطة"، بعد أن ظلت لعامين تسانده" من منطلق براجماتي"، كان الرجل قد انتهى بالفعل. فرفضه الإقدام على عمل أبسط الإصلاحات السياسية في بلاده حسم مصيره، وفي النهاية كان الشعب المصري، وليست الولايات المتحدة، هو الذي طرده من السلطة. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو: هل كان"البراجماتيون" يريدون منا أن نحاول مساعدة مبارك على البقاء في السلطة، حتى في الوقت الذي خرجت أعداد كبيرة من شعبه إلى الشوارع تطالب برحيله، وبعد أن رفض جيشه تنفيذ أوامره؟ هل كان ذلك سيخدم المصالح الاستراتيجية الأميركية؟ لقد جربنا هذا النهج من قبل. في أواخر عقد السبعينيات من القرن الماضي، عندما وقفت إدارة كارتر إلى جوار شاه إيران، وظلت على موقفها حتى نهايته الحتمية والمريرة. فهذه السياسة لم تمنع، بل لعلها ساعدت، مسار الثورة الراديكالية في إيران. إن "المثاليين" الذين دعوا إلى رحيل مبارك في فبراير الماضي، كانوا مهتمون بالمصالح الاستراتيجية الأميركية بنفس القدر الذي كان هؤلاء الذين عارضوا رحيله مهتمون بها. وكان الحكم البراجماتي الذي توصلوا إليه، هو أن التمسك بديكتاتورية متهاوية تحاول بكل ما تملكه من قوة البقاء في السلطة، يمكن أن يؤدي إلى تحول مصريين معتدلين إلى التطرف. لقد قدروا في ذلك الحين أنه من الأفضل الاستعداد للمرحلة القادمة الحتمية في التطور السياسي لمصر، بدلاً من محاولة إيقاف ذلك من دون جدوى. ينطبق هذا على باقي الدول في كافة أنحاء المنطقة.فليس من البراجماتية أن يتم التمسك بالوضع القائم في عصر ثوري. فـ"البراجماتيون"يقلقون بشأن مخاطر المساعدة على إخراج الطغاة من السلطة ويخشون مما قد يحدث بعد ذلك. وهم محقون في قلقهم. روبرت كاجان محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©