الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المليونير المتشرد» يحصد ذهب المهرجانات

«المليونير المتشرد» يحصد ذهب المهرجانات
30 ديسمبر 2009 21:30
لم تذهب السينما في 2009 بعيداً عن السياسة وهمومها، وإن ذهب كل مخرج بعيداً في تأويلاته الاجتماعية والفكرية للمحمولات السياسية. وفي مقاربتهم للموضوع السياسي تباين المخرجون في الرؤى، و عالجوا القضايا التي طرحوها في أشكال متنوعة: القمع، الفقر، المهمشين، النازية القديمة والجديدة، مهددات الوجود البشري على الأرض... وفي ذلك كله، كان ثمة تماس مع أحلام الناس وتوقهم وشوقهم لعالم أفضل. ربما طغت السياسة على المشهد السينمائي لكن في تفاصيل المشهد ثمة رؤى إنسانية عميقة لم تكن دائماً فجة أو مباشرة كما تفصح الأفلام الفائزة في الجوائز أو حتى تلك التي رشحت للحصول عليها. أحجية هذا العام السينمائية فيلم اسمه “سلامدوغ مليونير” أي “المليونير المتشرد”، فقد حصل على ثماني جوائز أوسكار دفعة واحدة من بينها بالطبع جائزة أفضل فيلم سينمائي والجوائز هي: جائزة أحسن إخراج للبريطاني داني بويل، وأفضل تصوير وأفضل مكساج وأفضل سيناريو مقتبس عن عمل أدبي، وأفضل موسيقى تصويرية، وأفضل أغنية، أفضل مونتاج. حمى الفوز لم تقف عند الأوسكار الأميركية بل انضمت إليها جوائز بافتا البريطانية التي منحته أيضاً جائزة أفضل فيلم، ثم جائزة كتاب السيناريو في هوليوود، ومنح المخرجون الأميركيون داني بويل مخرج الفيلم جائزة أفضل مخرج، ومنحه ممثلو هوليوود بدورهم جائزة أفضل فيلم، وحصد ستا من جوائز “غولدن غلوب” .. رغم ذلك ينتقد سلمان رشدي الفيلم ويصف قصته بـ “السخيفة والسمجة” ويرى أن فيها أخطاء منطقية. يبدو لي أن العالم الذي يغلي حقداً على العولمة وإفرازاتها وجد في الفيلم رداً مناسباً لتفريغ احتقانه النفسي، وعاش مع طفل فقير يربح جائزة تحوله إلى مليونير ما يحقق “حلمه الشخصي” بالغنى والثروة... لكن هل هذا هو الحل؟. ولا يختلف الفيلم الفائز بسعفة كان الذهبية وثلاث جوائز من جوائز السينما الأوروبية كثيراً، فـ “الشريط الأبيض” للمخرج النمساوي مايكل هانكي يدور في فلك سياسي أيضاً ويتناول جذور الإرهاب النازي. ومع فيلم “براذرهود” أو “أخوة” للدنماركي نيكولو دوناتو الفائز بجائزة “مارك اوريل الذهبية” عن أفضل فيلم، نبقى مع الموضوع النازي، لكنه يعالج هنا النازيون الجدد عبر سيرة حياة لارس الفوضوي الذي يلتحق بمجموعة من النازيين الجدد الذين يخططون لاعتداءات على العرب والمثليين. «لبنان» الإسرائيلي! “لبنان” الإسرائيلي الذي يقدم الحرب على لبنان من خلال وجهة النظر الإسرائيلية فاز على “المسافر” المصري في مهرجان البندقية وعاد بـ “الأسد الذهبي”، فيما ذهبت إيران بـ “ الأسد الفضي” عبر فيلم يتمسك بحرية النساء وأحلامهن، أما مايكل مور فما زال على عهده “يدعو إلى اجتثاث الرأسمالية”. لكن فوز الفيلم الإسرائيلي الذي يحمل اسم لبنان أثار تساؤلات واستدعى انتقادات سياسية لا سيما أنه التجربة الأولى لمخرجه صموئيل عوز . الفيلم حسب آراء النقاد تم تصويره على الطريقة الأميركية ليظهر الجندي الإسرائيلي “إنسانياً” في صراعه فيما الفلسطينيون “وحوش” يأخذون لبنان والشعب اللبناني بأسره “رهينة”، وهي الدعاية التي حاولت اسرائيل ترويجها باستمرار. ورداً على سؤال لصحفية مصرية حول التباين الظاهر والكبير بين صورة الجندي الإنسانية للغاية في فيلم “لبنان” في الأفلام الإسرائيلية بشكل عام فيما هي تتناقض تماما مع الواقع الذي يعانيه الفلسطينيون يوميا تحت الاحتلال من قبل الجنود الإسرائيليين، رد منتج الفيلم بالقول “ان الصحافة لها طريقتها في نقل الواقع أما السينما والفنون فلها في نقل الواقع شأن آخر”. “فرانس برس” التي نشرت تقريراً عن الفيلم قالت: “صور فيلم “لبنان” بطريقة أميركية مشوقة ومن داخل الدبابة بالكامل. وكل ما يجري بداخلها أو في الخارج نراه من منظار المدفع الرشاش. وكانت اللبنانية نادين لبكي في أول فيلم قصير لها سجلت 13 دقيقة من “11 شارع باستور” من منظار بارودة قناص يرصد الشوارع والأبنية المحيطة بموقعه.. هل يمكن الحديث هنا عن “سرقة الفكرة “؟. أخيراً... نجمة مهددة وكوكب ساحر ويائس يستغيث، هكذا بدت الأرض في الفيلم السينمائي “هوم” الذي عرضته شاشات 126 بلداً في وقت واحد... فهل من مغيث؟!. “ركلة” سينمائية موفقة عربياً، حققت السينما حضوراً لا بأس به على الصعيد العالمي فضلاً عن استمرار التظاهرات السينمائية والمهرجانات المعتادة، لكن السياسة كانت أحياناً للمشاركات العربية بالمرصاد. ففي مهرجان تورنتو الأميركي فوجئ المشاركون بالمهرجان يحتفي بـما يسميه الإسرائيليون “مئوية تل أبيب” مما دفع مثقفين مصريين إلى رفض المشاركة فيما وقع مثقفون أجانب بينهم المخرج كين لوتش (الذي فاز فيلمه “البحث عن اريك” بجائزة لجنة التحكيم المسكونية لعام 2009 والمعروف بتعاطفه مع قضايا المهمشين والمضطهدين ونصرته للشعب الفلسطيني) بياناً احتجاجياً على “تواطؤ المهرجان مع آلة الدعاية الإسرائيلية، رغم ذلك صفق مهرجان تورونتو للمصريين و”شهرزاد” يسري نصرالله. وفاز الفيلم الفلسطيني “الزمن الباقي” للمخرج إيلي سليمان بالجائزة الكبرى لمهرجان بروكسل للفيلم العربي ليضيف جائزة جديدة إلى جوائز عدة حصدها خلال العام المنصرم أهمها اللؤلؤة السوداء عن أفضل فيلم شرق أوسطي في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي في أبوظبي، وخلافاً للمتوقع غلب الفيلم الطابع الإنساني والحميمية الداخلية على الشعاراتية، وقزم بتقنية فنية بارعة كل ما يرمز إلى الاحتلال ويعلي من شأن الإنسان في نزوعه المشروع إلى الحرية. أيضاً، نال الفيلم المصري “بصرة” للمخرج أحمد رشوان جائزة لجنة التحكيم الخاصة في المهرجان التي تعد السادسة للفيلم الأول في مشوار مخرجه الذي قام أيضاً بكتابته، والفيلم هو أحد ثلاثة أفلام مصرية شاركت في المهرجان هي فيلم المخرج خالد يوسف دكان شحاتة وفيلم “زي النهاردة” للمخرج عمرو سلامة وهذا الفيلم. لكن الأجمل في بروكسل جاء عبر إهداء جائزة أفضل فيلم في المهرجان للشعبين المصري والجزائري. تلك كانت “ركلة موفقة” بعد فترة من الشحن الإعلامي والنفسي بين الشعبين (كأن العرب لم يكن ينقصهم إلا كرة القدم لتزيدهم فرقة على فرقتهم)، خصوصاً أن أحداث العنف التي أعقبت المباراة تركت أثرها على الحفل الختامي لمهرجان القاهرة السينمائي. وغاب عن الحفل عدد كبير من النجوم وكبار الفنانين المصريين كنوع من الاحتجاج على المشاركة في مهرجان يحتفي بالسينما الجزائرية كضيف شرف. وارتفعت أصوات تطالب “بمقاطعة السينما الجزائرية”، و “بسحب تكريم السينما الجزائرية من المهرجان”. لكن في المقابل كانت هناك أصوات واعية ومسؤولة تدرك “خطورة” ما يجري، وتحذر من التعامل مع الجزائر “كإسرائيل” لأنها مهما حصل بلد عربي بمصالح مشتركة وتاريخ طويل مشترك من النضال”. مصر كانت أيضاً “نجمة” المهرجان الدولي للفيلم المستقل في بروكسل، وحصلت يسرا على جائزة عن مجمل أعمالها فيما بدا الحضور العربي قوياً في جوائز المهرجان عبر الفيلمين المصري “واحد صفر” والمغربي “كازانيغرا”. وكما في السينما العالمية، لم تغب السياسة عن السينما العربية أيضاً لا على مستوى الأفلام ولا المهرجانات حيث أهدي “مهرجان دمشق السينمائي الدولي”إلى القدس. وبدت كلمة وزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا في الافتتاح أقرب إلى بيان ثوري: “نهدي احتفالنا هذا إلى أهلنا في القدس ونضمه إلى برنامجنا الذي قدمناه إلى القدس عاصمة الثقافة العربية. المقاومة ليست مجرد حمل سلاح في وجه العدو، السلاح المقاوم هو السلاح القادر على حماية الوجدان وهو سلاح الثقافة. سنحارب بالأغنية وبالكلمة وبفيلم السينما، سنحارب من أجل أن يبقى وجدان العالم صاحياً”. في العراق أيضاً برز الهم السياسي وعذابات المهمشين عبر فيلم “فجر العالم” الذي عرض في أكثر من مهرجان عربي وعالمي. ووجدت دارفور هي الأخرى من يعتني بها سينمائياً، لكن هذه المرة بعيداً عن السياسة وقريباً من النبض الإنساني، ففيلم “الطريق إلى دارفور” الذي أعلن عنه في القاهرة سيهتم بالجانب الاجتماعي ومعاناة الناس خاصة الأطفال. والفيلم إنتاج مصري سوداني ومساهمة إماراتية خاصة من رجل الأعمال سليمان الفهيم ، بحسب ما صرح مخرجه سعيد حامد الذي انتظر خمس سنوات ليحظى بالفهيم سفير النوايا الحسنة لمركز امسام والمراقب الدولي الدائم بالامم المتحدة لدعم الأهداف الإنمائية، فيحقق حلمه. يتوقع أن تبلغ تكلفة الإنتاج 55 مليون جنيه مصري (10 ملايين دولار أميركي) ويشارك فيه نجوم من مصر والسودان ومن العالم العربي وتشاد وفرنسا وبريطانيا وبلجيكيا، وسيتم تصويره في عدة بلدان عربية وأفريقية وأوروبية، وسيترجم إلى عدة لغات ويوزع في العديد من الدول الأوروبية والأميركيتين والصين إلى جانب العالم العربي”، و... إن صح ما قاله المخرج والمنتجون عن الفيلم فإنه يصح القول إن العرب يعملون، وأنهم يعرفون الطريق إلى السينما الجادة، وأن رأس المال الخاص يمكنه أن يحقق أفلاماً هادفة لا “تلعب على وتر العري والإغراء” ولا “ترقص” على جراح الناس. من جهته، جال الفيلم الروائي السعودي “ظلال الصمت” للمخرج “عبد الله المحيسن” في أنحاء كثيرة من العالم، وعرض في كان و روتردام وروما، وهو نجاح لافت يحققه أول فيلم سعودي روائي. عام دامٍ لحرية التعبير آخر ما خرجت به لجنة حماية الصحفيين (في 2009/12/18) أن مقتل عدد قياسي (68) صحافيا في العالم هو الحصيلة السنوية الأسوأ على الإطلاق، موضحة أنها تحقق في وفاة 20 آخرين للتأكد من أن الوفاة متعلقة بمهنة المقتولين. الأخطر أن اللجنة تشير في تقريرها: “انطلق القاتلون من منطلق أن أعمال القتل السابقة بقيت دون عقاب”، والمعنى: إن دم الصحفي رخيص ولم يطالب به أحد، وما دام ليس له “سند أو ظهر” يحميه فمن السهل قتل آخرين، والحل كما ترى اللجنة ويرى كل عاقل يكمن “في تغيير هذا المفهوم”، يعني: أن يصار الى عقاب القتلة وحماية الصحفيين (الغلابة) لأن “مناخ انعدام المحاسبة” سيفاقم الأمر. لكن من يحاسب من في الدول التي يسرح فيها العنف ويمرح، وما الصحفيون إلا جزء من “الناس”. أظن أن على أدونيس أن يخشى على نفسه قبل أن يفكر في مرات مقبلة أن يتقمص دور الصحفي ليحاور فناناً أو مبدعاً على غرار ما فعل هذا العام مع فاتح المدرس، آه... نسيت الصحافيون الثقافيون ليسوا مستهدفين بما يكفي لـ ... يخافوا!.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©