الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشمول والتكامل يميزان السلوك المهني في الأخلاق الإسلامي

الشمول والتكامل يميزان السلوك المهني في الأخلاق الإسلامي
5 مايو 2011 19:50
يمتاز قانون الأخلاق الإسلامي في مجال المهنة وغيرها بمنظومة شمولية تكاملية تجعله متفرداً بين غيره من الأعراف والقوانين. فمثلاً نجد قانون الأخلاق في الإسلام لم يقف في حديثه عن الآداب والأخلاقيات المهنية عند حد المهتمين فحسب، وإنما تعدى بهذه الأخلاقيات ليصل إلى طالب المهنة أو من تؤدى له، فوجدنا في الإسلام أدب العالم والمتعلم، والبائع والمشترين وحسبنا في هذا المقام أن نذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم «رحم الله رجلاً سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى». ومظاهر الشمول والتكامل في قانون الأخلاق الإسلامي كثيرة ومتشعبة، منها : شموله لمصالح الدنيا والآخرة: إذ إن قانون الأخلاق في الإسلام يغطي كافة جوانب حياة الإنسان الدنيوية والأخروية، فهو قانون مؤكد – في مجال المهنة وغيرها – للحياة الدنيا من ناحية، وموجه لها لتحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والدين وفى الدنيا والآخرة. فإذا كانت الفلسفات الأخلاقية قد اقتصرت في بعض الديانات الأخرى على الدنيا وحدها أو على الآخرة وحدها، فإن قانون الأخلاق الإسلامي يمتد ليشمل الدنيا والآخرة. ومن ثم ينظر قانون الأخلاق الإسلامي إلى العمل على اعتبار أنه «أساسي وضروري ولا فرار منه عن طريق عزلة دينية، أو رهبنة، أو تكريس الحياة للدين على حساب الدنيا، أو العمل للدنيا على حساب الدين «ومن ثم كان قول الحق سبحانه وتعالى «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ « القصص (77) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم «‏اعمل عمل امرىء ‏يظن ان لا يموت ابداً واحذر حذر امرىء يخشى ان يموت غداً‏». شموله للعلاقة بين الإنسان وربه: الفضيلة الخلقية في حدود هذا القسم تفرض على الإنسان أنواعاً كثيرة من السلوك الأخلاقي، منها الإيمان بالله تعالى لأنه تعالى حق، ومنها طاعته سبحانه في أمره ونهيه، والاستجابة له فيما يدعو الناس إليه لأنه له سبحانه الخلق والأمر «فهذه وغيرها أنواع من السلوك تدعو الفضيلة الخلقية إليها. أما دواعي الكفر بالخالق سبحانه بعد وضوح الأدلة على وجوده سبحانه، فهي حتماً دواع تستند إلى مجموعة من رزائل الأخلاق، منها الكبر، ونكران الجميل وجحود الحق، ومن ثم نبه القرآن الكريم على رذيلة خلق الكبر الدافعة إلى إنكار الآخرة وعدم الإيمان بها. يقول تعالى «إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ» النحل (22). ونبه القرآن الكريم على رذيلة إرادة الفجور الدافعة إلى جحود قانون الجزاء الرباني وإنكار يوم القيامة، فقال تعالى «بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ» القيامة (5-6). والفجور هو «التدفق الوقح إلى فعل الشرور والآثام ، وهو لا محالة من قبائح رذائل الأخلاق «ومن ثم يمكن القول إن شمول الأخلاق الإسلامية لعلاقة الإنسان بربه لها انعكاسات اجتماعية تكمن في العلاقة بين الإنسان وسائر الأفراد في المجالات كافة، ومجال المهنة والعمل خاصة منها كما يذكر العلماء. شموله للعلاقة بين الإنسان ونفسه: لكل قطاع من القطاعات الإنسانية المختلفة الداخلية والخارجية أخلاق؛ للفكر أخلاق، وللاعتقاد أخلاق، للقلب أخلاق، وللنفس أخلاق، وللسلوك الظاهر أخلاق فمن فضائل أخلاق الفكر تحري الحقيقة بإنصاف، وتجرد وحياد. والصبر على التفكير والتدبر، والبحث عن كل نافع ومفيد من الأفكار والمعارف والعلوم، والبعد عن سفاف الأفكار وتوافهها، والاشتغال بتذكر كل صالح مفيد، ونسيان الأحداث المثيرة للأحقاد والضغائن أو الباعثة على الغضب والانفعالات غير الحسنة، وعدم التطلع إلى مثيرات الحسد، أو مثيرات الشهوات والأهواء المحرمة. ومن فضائل أخلاق الاعتقاد أن لا يسمح الإنسان لنفسه بأن يتتبع الأوهام والظنون الضعيفة فيحلها في مراكز عقائده الثابتة الراسخة. وأن لا يجعل مركز عقائده فريسة للتقليد الأعمى، والضلالات الشائعة، أو فريسة لما تمليه عليه الأهواء والشهوات من أفكار ومذاهب. أو فريسة لما يمليه القادة المضلون والشياطين الموسوسون من الإنس والجن. ومن فضائل أخلاق القلب حب الحق وحب الخير، وكراهية الشر والباطل، وعدم تحمل الأحقاد والضغائن. ومن فضائل أخلاق النفس الصبر والعفة، ومجانبة الحسد، والترفع عن سفاسف الأمور، والنظر إلى معاليها، وعلو الهمة، وجود النفس وتسامحها وعفوها عن إساءة المسيء، وغير ذلك من الأمور. أما فضائل أخلاق السلوك الظاهر فهي في الواقع كثيرة، وهي في حقيقتها الصادقة تعبير عما في داخل الإنسان من أخلاق. ويقابلها نقائص ورذائل خلقية يطالب الإنسان باجتنابها والبعد عنها. حسن إدارة الإنسان لذاته: وتندرج تحت هذا القسم صور كثيرة تعبر عن كينونته ومضمونه، منها الصبر على المصائب ، والاتقان في العمل، ومنها كذلك عدم استعجال الأمور قبل أوانها، فكل ذلك وغيره يدخل في حسن إدارة الإنسان لنفسه، وحكمته في تصريف الأمور المتعلقة بذاته. شموله للعلاقة بين الإنسان والمجتمع: وهذا جانب آخر يدل على شمول قانون الأخلاق الإسلامي حيث نوه الإسلام على عدد من جوانب السلوك الاجتماعي : كالحلم، والصدق، والأمانة، والعفة، والتسامح، وحب العطاء، والشجاعة، والتواضع، ولين الجانب، والوفاء .......إلخ وغير ذلك من الصفات التي لاغنى عنها في مجال العمل الاجتماعي عامة، والعمل المهني خاصة. وقاعدة الأخلاق الكبرى في هذا الجانب الاجتماعي تتلخص في أن «يعامل الإنسان الآخرين بما يحب أن يعاملوه به، إنه يحب أن يعاملوه بالعفو إذا أساء فليكن عفواً عن إساءتهم ويحب أن يكونوا معه أمناء فليكن معهم أميناً ....». وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذه القاعدة للأخلاق الاجتماعية بقوله «فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه». وبهذا بلغت الأخلاق الاجتماعية في الإسلام مبلغاً عظيماً من الرقي، بما اشتملت عليه من تفصيلات موثقة للروابط الاجتماعية بين الأفراد، ومؤثرة تأثيراً عميقاً في تغذية وحدة الجماعة الإسلامية. ولم تقف الروابط الاجتماعية في قانون الأخلاق الإسلامي، عند حد المسلمين فحسب فالمسلم مكلف أن يلقى أهل الأرض قاطبة بفضائل لا ترقى إليها شبهة، فالصدق واجب على المسلم مع المسلم وغيره، وحسن إتيان العمل ورعايته واجب على المسلم مع المسلم وغيره، وكذلك المروءة التواضع، والسماحة، والأمانة، والتعاون والكرم ..... الخ . وقد مارس النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأخلاقيات سلوكا قبل أن يلفظ بها كلاما فقد أتاه صلى الله عليه وسلم يهودي كان له دين عليه صلى الله عليه وسلم فجاء مطالبا به قائلاً: إنكم يا بنى عبد المطلب قوم مطل !! فرأى عمر بن الخطاب أن يؤدب هذا المتطاول على مقام النبوة الشريف، وهم بسيفه، يبغي قتله لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أسكت عمر قائلاً: أنا وهو أولى منك بغير هذا، تأمره بحسن التقاضي، وتأمرني بحسن الأداء». وقد أمر الإسلام بالعدل ولو مع فاجر أو كافر، قال عليه الصلاة والسلام «دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه» وقال صلى الله عليه وسلم «دعوة المظلوم وإن كان كافراً – ليس دونها حجاب، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». ولم تكن وصايا الإسلام وتعاليمه السابقة لتخلد في ذاكرة الأيام مثالاً نظرياً يفتقر إلى التطبيق، بل كانت حقا عانق الواقع في إطار من مثالية التطبيق، كما في الواقعة التي أمر فيها القاضي بالالتزام بقواعد وأخلاق مهنته إذا ما ظهرت شبهة مجاوزة ولو في شيء هين، حيث غضب الإمام علي بن أبي طالب- وهو أمير المؤمنين – من قاضيه حين فرق بينه وبين خصمه اليهودي، حين دعا عليا بقوله يا أبا الحسن، ودعا خصمه بقوله يا فلان. شموله للكائنات غير العاقلة: ويكفي أن نتصور من السلوك الأخلاقي الحميد في حدود هذا القسم الرحمة بهذا الصنف من الكائنات التي لا يلقى لها الإنسان بالاً، والرفق في معاملتها، وتأدية ما وجب لها من حق على الإنسان. أما الظلم والقسوة وحرمانها من حقوقها، فهي من قبائح الأخلاق التي ينهى عنها كل من آمن بالله واليوم الآخر. وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري عن ابن عمر: «عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض». وفى المقابل «وإن امرأة بغياً رأت كلباً كاد يموت عطشاً فسقته فغفر الله لها». ووجدنا الفاروق عمر وهو يعلن على الملأ مسؤوليته المهنية عن هذه الحيوانات إذا عثرت في طريقها فنراه يقول «والله لو أن بغلة بأرض العراق عثرت لسألني ربي لما لم تمهد لها الطريق يا عمر». ونراه رضي الله عنه يتخذ من الرحمة خلقاً عملياً في تعامله مع الحيوان وهو في طريقه ليفتح بيت المقدس حين كان يترك البعير يسير فترة دون راكب ليستريح كما استراح راكبه عليه. وفى حالة التعامل مع الحيوان بالذبح أو القتل نجد الإسلام وقد وضع أخلاقاً لمن يأتي بهذا العمل حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله كتب الإحسان على كل شيء.. وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته «ووضع الفقهاء عدداً من الضوابط في كتبهم ليكون الإحسان في مهنة الذبح حتى وجدنا هذه الضوابط وقد تطرقت إلى مراعاة الجانب النفسي للحيوان فلا يذبح حيوان أمام حيوان، ولا يرى الحيوان مشفر ذابحه.. الخ تلك الضوابط التي تحدث الفقهاء عنها في كتبهم. ولا يقف مراعاة أخلاق المهنة عند حد الحيوانات النافعة، بل يتعداه إلى مراعاة الأخلاق المهنية حتى مع الضار من الحيوانات والحشرات والهوام والزواحف.. لذا وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول «من قتل وزغا في أول ضربة كتب له مائة حسنة وفى الثانية دون ذلك، وفى الثالثة دون ذلك» فالحديث يرشد إلى «أهمية إتقان العمل وحسن أدائه ولو كان في أمر صغير كقتل وزغة فهذا من إحسان القتل وفي القتل السريع إراحة للمقتول أياً كان». وبالنظر إلى ما تقدم يمكن القول إن الأخلاق المهنية في قانون الأخلاق الإسلامي، لم تدع جانباً من جوانب الحياة الإنسانية روحية أو جسمية، دينية أو دنيوية، عقلية أو عاطفية، فردية أو اجتماعية إلا رسمت له المنهج الأمثل للسلوك الرفيع، فما فرقه الناس في مجال الأخلاق باسم الدين وباسم الفلسفة وباسم العرف أو المجتمع قد ضمه قانون الأخلاق في الإسلام في تناسق وتكامل وزاد عليه. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©