الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التقشف الأوروبي... سياسة أم دوّامة؟!

1 مايو 2013 22:23
ميجان جرين زميلة رئيسية في مجلس الأطلسي بواشنطن تجتاح الحمى المناوئة للتقشف أوروبا راهناً، في الآن ذاته الذي يقوم فيه صناع السياسات بتقرير الطريقة التي يمكن الخروج بها من براثن الأزمة إلى النمو. والسؤال الذي يتردد الآن: هل سيشمل ذلك زيادة الإنفاق؟ الإجابة: نعم، ولكن ليس بالسرعة المتوقعة. وقد انتشرت تلك الحمى بالفعل للمستويات العليا. ففي اجتماعات صندوق النقد الدولي الأخيرة لفصل الربيع التي عقدت في واشنطن، حثت كل من كريستين لاجارد رئيسة الصندوق، ونائبها ديفيد ليبتون، دول منطقة اليورو مراراً على التركيز على الاستثمار، بدلاً من استقطاعات الميزانية. وبعد ذلك جاء دور رئيس المفوضية الأوروبية «جوزيه مانويل باروسو» الذي قال في 23 إبريل إن التقشف قد وصل إلى أقصى حدوده السياسية والاجتماعية. وبعد ذلك بيوم قال رئيس الوزراء الإيطالي الجديد «إنريكو ليتا» إن «سياسة أوروبا في التقشف لم تعد كافية». والحجة التي يقدمها هؤلاء مقنعة: فالتقشف الأقل سيسمح بضخ مزيد من الأموال في شرايين الاقتصاد، وهو ما سيؤدي إلى دعم الاستثمار والإنفاق المحلي، وتحفيز النمو، وهذا يؤدي بدوره إلى تخفيض نسب العجز في الميزانيات، من خلال زيادة العوائد الضريبية، وخلق دائرة حميدة. ومع ذلك، فإن تخفيف حدة التقشف يتطلب مقايضات قد لا ترى الدول ذات الاقتصادات الأضعف في منطقة اليورو، جدوى من القيام بها. والمفارقة أن الدول ذات الاقتصاد الأكثر عافية في منطقة اليورو، والتي يجب أن تخفف من التقشف هي التي لا تفكر في ذلك. وأيرلندا التي تعتبر نموذجاً للتقشف في أوروبا تقدم مثالاً جيداً على المزالق التي تنطوي عليها سياسة تخفيف أهداف العجز بالنسبة لدولة تواجه عجزاً مالياً. فحكومة أيرلندا مررت 12 قانوناً للتقشف خلال السنوات الأربع الماضية، بهدف الخروج من براثن أزمتها، وعلى ما يبدو أنها قد نجحت في تحقيق المراد من هذه السياسة. ففي الأسبوع الماضي، قالت المفوضية الأوروبية إن نسبة عجز الميزانية في إيرلندا هي 7,6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي أقل من الهدف المحدد وهو 8,6 في المئة من الناتج. وعلاوة على ذلك، تبدو أسواق السندات في إيرلندا وكأنها قد استعادت الثقة في قدرة الحكومة على سداد الديون المستحقة عليها، حيث تدور الفائدة على السندات الحكومية فئة العشر سنوات حول نسبة 3,6 في المئة. ويعتبر تخفيف التقشف لتحفيز النمو من المقاربات الكينزية الكلاسيكية المبررة للغاية ما لم يتعلق الأمر بدولة تتسم بماليات عامة غير قابلة للاستدامة، مثل إيرلندا التي تعاني عجزاً مرتفعاً في الميزانية (الثالث من حيث الترتيب في الاتحاد الأوروبي) ومن عبء دين عام مرتفع (الرابع على مستوى الاتحاد). وتقول لنا النظريات الاقتصادية إن العجز المرتفع ومستويات الدَّين يمكن إدامتهما فقط في المدى المتوسط- الطويل طالما أن نموذج الدولة الخاص بالنمو يحقق نجاحاً. ولسوء الطالع أن دولاً قليلة في العالم المتقدم هي التي تستوفي هذا الشرط ليس من بينها إيرلندا. فاقتصاد تلك الدولة تراجع إلى مستوى الركود الفني -أي ربعين متواليين من الانكماش- وذلك في النصف الثاني من العام الماضي. وتخفيف العجز، لا يسهم في معالجة هذا الضعف الاقتصادي الإيرلندي الذي يعود لعدة أسباب هي: أن العديد من صادرات إيرلندا الإسمية لا تضيف إلى قيمة الاقتصاد فهي عبارة عن أرباح محجوزة من قبل الشركات متعددة الجنسيات التي توجد مقارها في الجزيرة بغرض الاستفادة من المعدلات الضريبية المنخفضة فيها، وموقعها، ولغتها؛ وأن الطلب المحلي بهـا لا يزال منخفضاً، والبطالة مرتفعة، والقروض المشكوك في سدادها تقوض قدرة بنوكها على الإقراض والاستثمار. ولكن الأنباء المتعلقة بإيرلندا ليست سيئة كلها: حيث حصلت على تنازلات مهمة بشأن السداد للدائنين الدوليين في شهر فبراير، كما أن فرصها في الخروج من دائرة برنامج الإنقاذ في الوقت المحدد لم تكن في أي وقت جيدة بالقدر التي هي عليه الآن. ولكن الخروج من برنامج الإنقاذ يمثل مؤشراً لا هدفاً، حيث يبقى بعد ذلك السؤال الكبير وهو: هل إيرلندا قادرة على المضي قدماً في الاقتراض بمعدلات مواتية في المدى المتوسط- الطويل، دون أن تجد نفسها خارج سوق الأسهم والسندات مرة أخرى؟ الإجابة بالنفي. لأن أية دولة إذا ما أرادت أن تعود إلى دائرة القدرة على تحمل الديون فإنها ستحتاج ليس فقط للاستمرار في السير في طريق التعزيز المالي الآن، وإنما تحتاج إلى أن تقوم بذلك لعدة سنوات قادمة وهو ما لا تقدر عليه إيرلندا. ولا ينطبق شيء من هذا بالطبع على الدول التي توجد لديها موازنات وطنية أكثر عافية، وبالتالي لا يتوقع لها أن تتعرض لأي تهديد من أسوق السندات. فلو أن ألمانيا وغيرها من الاقتصادات الرئيسية في منطقة اليورو تحولت من سياسات خفض الإنفاق إلى سياسات تقديم الحوافز، فإن وارداتها من الاقتصادات الأضعف في القارة ستنمو بحيث لا تضطر الدول الأخيرة لإجراء كل التعديلات المشار إليها آنفاً. ولكن للأسف الشديد ليس ثمة سوى مؤشرات قليلة على أن هناك إرادة سياسية للقيام بذلك في ألمانيا. ومكمن الخطورة هنا أنه عندما يأتي الوقت الذي تقرر فيه الاقتصادات الأقوى، دعم إجراء تعديلات أكثر تناسقاً، فلربما تكون تلك الاقتصادات ذاتها قد باتت مكبلة مالياً إلى الدرجة التي تجعلها غير قادرة على تقديم العون لمن يحتاجـه. ينشر بترتيب خاص مع خدم «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©