الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

المثقفون يقفون عاجزين أمام تعريف «العربية»!

المثقفون يقفون عاجزين أمام تعريف «العربية»!
7 سبتمبر 2016 11:48
نوف الموسى (دبي) تواصلت فعاليات الندوات المصاحبة لاجتماعات الأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكُتاب العرب في دبي، حيث عقدت ثاني الجلسات في فندق بستان روتانا، بعنوان «دور المثقف العربي الآن»، بمشاركة كل من: د.اليامين بن تومي من الجزائر، وعبد القادر عقيل من البحرين، وطلال الرميضي من الكويت، ود. صلاح الراوي من مصر، وأدارها وقدمها د. فهد حسين من البحرين. في مستهل الندوة، جاء إلقاء الباحث الجزائري خالد عمر بن ققة لورقته العلمية المقدمة ضمن الجلسة لأسئلة من نوع: «من أنا كمثقف؟ وما هو مدى الحس الوجودي، الذي أمثله في بحر من المتناقضات والإحساس بالثنائية؟ وكيف التمدد إلى أفق الكونية؟»، مكاشفة لحظية، بعيداً عن الإعداد المسبق والمرتبط بعنوان الجلسة، ذلك أن هذه الأسئلة على ما يبدو حفزت الجدل، فقد شهدت الجلسة نقاشاً واسعاً حول استراتيجية المشروع الثقافي العربي، بالإضافة إلى مواجهة حقيقية تبدّت في كيفية تعريفهم لـ «العربية»، في المشروع الثقافي، وهو السبب نفسه، الذي دفع بالباحث خالد عمر بن ققة، إلى سرد حقيقة الصراع الفعلي الذي تعيشه النخب الثقافية، بينما جاء تأكيد المثقفين على أن فصل الخطاب الديني عن الثقافة افتعال مقصود، وأنه لا يوجد تجديد في الخطاب الديني، إلا في إطار كونه خطاباً ثقافياً، على مستوى التكوين وليس النص. وجاء العجز في تعريف «العربية» دليلاً واضحاً على ماهية المُشكلة والتصورات الداخلية لعمق التجربة لدى الفرد المثقف، فالجلسة الخاصة بسؤال «دور المثقف» لم تقدم إجابة مباشرة حول طبيعة المشروع الثقافي، ولكنها ألقت الضوء على بشكل عام على الرغبة الدفينة للمثقف في تحقيق النمو الروحي فيما يطبق الخوف على أغلب قدراته الحسية والحدسية. ورغم كمِّ المعلومات والتقدم البحثي الملحوظ في مناقشة السياسة الثقافية العربية على مستوى الاستمرارية في الإنتاج المعرفي، فإن المعوق الرئيس أمام تحقيق هذه الغاية يستمد قوته من تضخم داخلي يحتاج إلى تفريغ، وإعادة إنتاج للأفكار.. وهي النقطة التي كانت إحدى أهم مداخلات جمهور الجلسة، إلى جانب أن الجلسة لم تقدم مشروعاً ثقافياً كنموذج، بل اكتفت بتحفيز البيئة الثقافية وتحليلها، وتقديم اقتراحات تحول دون موت المثقف. رفض الثنائيات موضحاً إيمانه بأهمية تجاوز الثنائيات التي يعيشها المثقفون في انتماءاتهم رغم وحدة التكوين الضمني على مستوى التنشئة الاجتماعية والتلاقي الثقافي، قال بن ققة: «بحكم المعرفة فإني مصري الهوى، ووفقاً لجواز السفر فإني جزائري، وحسب مكان العيش والإقامة فإني إماراتي، وكمثقف لا يُعترف بي بين كل تلك الدول العربية التي عشت فيها، والدول العربية التي لم أزرها أيضاً، ما يدعونا إلى سؤال هل فعلاً أنا موجود كمثقف؟» الإجابة على سؤال وجود المثقف ستساعدنا في معرفة الإمكانية التي نستطيع من خلالها المساهمة في الثقافة، فالوقوف أمام حدود تلك المفاصلة السابقة، يحتاج إلى رؤية فعلية في بيان فعل الانتماء الوجودي الذي يعزز الاهتمام بالمصير العام، وأوضح بن ققة بقوله: سقوط أي دولة عربية، يمثل انهياراً للدول العربية الأخرى، مضيفاً أننا لا نبحث عن التعايش في بحر من التناقضات، لافتاً إلى أن المثقف، فعلياً، ليس حزباً معارضاً، بل جزء من حركة المجتمع، مؤكداً أنه على المثقفين الإبداع خارج الإيقاع السياسي، لأن السياسي يبقى سياسياً، وحالات النجاح في مجاله تكاد تكون نادرة، وأنه بوضع المثقفين الحاليين، فإن انتقالهم إلى سدة الفعل السياسي، سيحدث فاجعة تتجاوز الوضع الراهن. المشروع الغائب الباحث الدكتور صلاح الراوي، وبدقة معرفية متقنة، طالب بالاهتمام بالمصطلح، في عملية معالجة مفاهيم مثل الثقافة والمشروع والاستراتيجية، وبدأ بمفهوم «الثقافة» الذي يعني أنها كل نشاط إنساني يقوم به الإنسان لإخضاع الواقع لسيطرته. وانتقل إلى تعريف مفهوم «الاستراتيجية» الذي ينطوي على مرجعية عسكرية ثم توسع نحو المشروع الاقتصادي والمشروع الثقافي، قائلاً: «المشكل هو كيفية النظر إلى الثقافة من وجهة نظر الدولة أو من وجهة نظر السلطة»، معتبراً أن المشروع الثقافي لا يعني التخصص في الفن التشكيلي أو التراث أو السينما أو الباليه أو المسرح أو غيرها، وإنما يتمثل في في كل حركة تذهب إليها الدولة، بالمعنى الشمولي، كما في الزراعة وفي المنتج العسكري وغيره، وهو ما يجب أن نبني عليه مبدأ التجديد، منوهاً إلى ضرورة إعمال النظر في أن من يضع الاستراتيجية هي الدولة وليس المثقف، مؤكداً أنه لا يرى مشروعاً ثقافياً عربياً بالمعنى الفعلي، وأن ما يحدث بين الدول العربية، هو عبارة عن مشاريع لأنشطة ثقافية. تحولات الدور الباحث البحريني عبدالقادر عقيل مضى إلى تفكيك السؤال نفسه وصعوبة أن يُسأل المثقف عن دوره، فسؤال: هل نحتاج إلى المثقف اليوم في ظل الكم المعلوماتي والمعرفي المهول؟، هو سؤال يؤكد أن المثقف لم يعد يحتكر المنصة الفكرية، مرجحاً كفة مبدأ إنتاج مثقف جديد، قادر على استيعاب التحديات والمتغيرات العالمية، والتحولات التي تحدث في صميم المجتمعات والتي تتسم بالشمولية والخطورة، لكونها طالت بنيتها السلوكية والاجتماعية. وحول مدى استيعاب المثقف للتحديات، وكيفية التعامل معها، قال عقيل إن المثقف لم يعد له دور في تحديد مصير أمته، التي تمر بأسوأ مراحلها التاريخية، من خلال الحروب الأهلية والفوضى السياسية والتقسيم الطائفي، إنها مرحلة اللا معيارية، فيها تُفقد القاعدة التي نعتمد عليها، مسببةً خللاً وتوتراً أدى إلى عزلة المثقف، وغياب لدوره الاجتماعي، فهو مسلوب الإرادة والحرية الفكرية التي تدفعه لاختراق الواقع، والمساهمة في تغيره، كما أنه بحاجة إلى التحرر من ثقافة الوهم، التي أوحت له أنه المحتكر الوحيد للحقيقة والوصي عليها، وعليه تشكيل نفسه وفقاً للمتغيرات الجديدة. تحرير الوعي «استراتيجية الاستراتيجية» هو المبدأ الذي انطلق منه الباحث الدكتور اليامين بن تومي، مبدياً إيمانه بأهمية التفكير بالاستراتيجية بعيداً عن المنظور الإداري، بل بالقدرة المتمثلة في بناء وعي بوجودنا في هذا العالم الذي ننتمي إليه، منوهاً أنه لدينا مشكلة بنيوية في تصور العالم، تتمظهر في تساؤلنا: هل نحن هنا أم نحن هناك، وفعلياً فإننا موجودون هنا، والإشكالية هي ارتباطنا بالعالم القديم. وبناء استراتيجية للثقافة العربية، لا يمكن، دون فهم مشكلتين رئيسيتين هما: المشكلة المخيالية، الناشئة عن أننا لم نختبر الحياة إلا بالقياس على مرحلة زمنية تأسيسية، أي أننا نبني على نموذج موجود. والمشكلة الاستعمارية؛ بمعنى أن الاستعمار لا يزال يسكننا عقلياً، لذلك فإن تحرير الوعي يجرنا دوماً إلى إعادة بناء الزمن، وبه سنستأنف زمننا لا زمن غيرنا. وذكر الباحث اليامين، أننا نحتاج الغرب، ويجب علينا إنقاذه من السقوط، لأنه ليس في مصلحتنا أن ينهار، وما نحتاجه بصورة أساسية هو إيجاد وضع للتخلص من إرث الوثوق والبيان، وإنتاج فقه جديدة يحتفي بإنقاذ صورة الإنسان. ركز الباحث الكويتي طلال الرميضي، في حديث موسع عن دور المثقف في توعية المجتمع وخدمة الأفراد، من خلال النظر في سبل تطورهم الفكري والروحي، وطرح الحلول المناسبة لأهم التحديات التي تحول دون تفعيل الحراك التنموي للثقافة، إضافة إلى أدواره المحورية في خدمة الوطن، والتي تتمثل في جميع أوجه الحراك المجتمعي وتوجيهه للطريق الصواب، مبيناً أنه على المثقف أن يضع المجتمع نصب عينيه، ويشارك في أطروحات القضايا المعرفية، فالمثقف هو الشاعر والقاص والباحث والفنان، وكل صاحب فكر نهضوي في قضايا المجتمع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©