الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفراغ يسبب الانحراف

1 مايو 2012
زرت الأسبوع الماضي موقعين مختلفين، الفرق متسع بينهما جداً، ولكن يوحدهما جانب واحد، وهذا الجانب هو الذي خلق أيضاً الفرق في حياة مرتادي هذين المكانين، إنه “الوقت وكيفية استغلاله”. الأول يقبع وراء أسواره مجموعة من الأطفال، ارتكبوا حماقات، فكان مصيرهم هناك، أما الثاني فكان مفتوحاً مبهجاً مزهواً بأبطاله الصغار الذين خلقوا الفرق في حياتهم، وقد يخلقونه في مجتمع كامل. الأول يضم صغاراً، نظراتهم تحمل الكثير من التساؤلات، يغلفها الخوف والخجل، مما قاموا به، يطأطئون رؤوسهم، لا ابتسامة تملأ وجوههم، ولا نظرة أمل تشع من عيونهم، شاخوا على الرغم من صغر سنهم، يأكل بعضهم الندم، جلسوا يستمعون إلى تجارب من سبقوهم في حياة اللهو فاقتيدوا إلى المكان نفسه، قضوا فيه أياماً بلياليها الطويلة يفكرون في ما قاموا به، وما اختزلوه من حياتهم وراء الأسوار، يعتصرهم الوجع، هؤلاء أتيحت لهم فرصة التلاقي مع أناس من مختلف الاهتمامات، رياضية وفنية، كما كان لهم فرصة الاستماع إلى آخرين سبقوهم إلى المكان نفسه، الذي اعتلوا منصة القاعة فيه فرداً فرداً، وبدؤوا في سرد حكاياتهم؛ قال أحدهم “ارتكبت حماقات لم أضر بها إلا نفسي، كنت أظن أن ذلك رجولة وقوة وشجاعة، نهوني ولم أنته، إلى أن وجدت نفسي في مثل هذا المكان، حينها بدأت أرجع بذاكرتي إلى الوراء، وأربط خيوط الحكاية لأجد أن الإهمال الأسري لا يتلخص في ترك الوالدين الطفل من دون أكل أو شرب، وإنما في معانٍ كثيرة، منها عدم رعاية الطفل نفسياً والإنصات له والاستماع إلى مخاوفه وهواجسه وتلبية احتياجاته وتفهم عواطفه. كنت أنتظر من والدي أن يتحدث معي بعد كل يوم دراسي، كم كنت أتمنى أن يسأل عني في المدرسة ويرافقني إليها بدل أن يرسلني مع السائق الذي يوفر لي كل احتياجاتي بدلا منه، مما سبب لي شرخاً في داخلي، كان يتسع دوماً، حاولت أن أملأه بالشغب في المدرسة والتمرد في البيت، فعثت في الدنيا فساداً، حتى صارت أي سلطة لا تردعني. وقاتلي الأخير كان هو فصل الصيف وطول الإجازة، التي كانت تعني لي النوم إلى آخر النهار والسهر ليلا خارج البيت، لم أجد من يوقفني، وأنا منجرف وراء أصدقاء السوء إلا من عتابات والدتي المسكينة”. هكذا حكى قصته، محاولاً تجاوز قهر ذاته لإعلاء معنويات من يقضون وقتاً خلف الأسوار، ليزرع في قلوبهم الأمل، ويؤكد لهم أنه بدأ حياته من جديد، وأن المجتمع تقبله بشكل جيد، واليوم له أسرة وأولاد. أما المكان الثاني، فملأه أطفاله بالبهجة، عزفوا على آلة القانون فطاولوا الكبار في ذلك، شهد لهم الحضور والمحكمين بالبراعة، ووقفوا لهم تقديرا. سألت الفئتين فقالوا إن وقت الفراغ إما أن يكون قاتلاً أو نافعاً، قاتلاً إذا لم يتم استغلاله، ونافعاً إذا عرفوا كيفية استعماله وملئه بما يعود على الصغار بالنفع. lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©