السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فيلم خزي : الجنون الحقيقي يسكن القلب

فيلم خزي : الجنون الحقيقي يسكن القلب
14 أكتوبر 2008 00:08
ضمن عروض الدورة الثانية لمهرجان الشرق الأوسط الدولي بأبوظبي وفي قسم (مهرجان المهرجانات) عرض في قاعة المؤتمرات بقصر الإمارات فيلم ''خزيّ'' disgrace للمخرج ستيف جاكوبز، وهو فيلم من إنتاج أسترالي وجنوب أفريقي مشترك، ومن بطولة جون مالكوفيتش وجيسيكا هينز وإريك بواني، سيناريو الفيلم الذي كتبته آنا ماريا مونتيشيلي مقتبس عن رواية بذات الاسم للحائز على جائزة نوبل للآداب الجنوب أفريقي جي إم كويتزي، ففي 120 دقيقة يتجول بنا الفيلم وسط حقل شائك من الأحاسيس الفردية والأزمات العامة الموزعة على البؤس والفقر والجريمة، وهذا الحقل هو تعبير بصري وسوسيولوجي يمثله واقع جنوب أفريقيا كدولة مازالت تترنح من صدمة التفرقة العنصرية، ومن غياب الأمن، وشيوع البطالة والفوضى الاجتماعية المنعكسة تبعاتها على السود والبيض على السواء· وروايات كويتزي عموما تذهب في اتجاه تحليل هذه الظواهر المتطرفة في مدن وأحياء جنوب أفريقيا، فكتابته أشبه بعملية تشريح لنسيج المجتمع وللإرث الدموي الملوث للأذهان والذاكرات المنتمية للمكان ولتاريخه المحتقن والممزق على أكثر من صعيد وجهة· تتكئ قصة الفيلم وكمدخل للنفاذ إلى خبايا المجتمع الجنوب الأفريقي على الأزمة الذاتية لأستاذ جامعي في مدينة (كيب تاون) يدرس مادة الأدب والشعر الرومانتيكي وقصائد اللورد بايرون، يتورط المدرس في قضية جنسية وفضيحة أخلاقية مع إحدى طالباته، فبعد زيجتين فاشلتين يتحول الفراغ العاطفي لدى المدرس الخمسيني ديفيد لوري - يقوم بدوره الممثل الفذ جون مالكوفيتش - إلى هوس يجمع بين الحس الرومانسي والشبق المتطرف والشيطاني، يميل المدرس نحو الطالبة الملونة ميلاني، ويجبرها على الخضوع لرغباته الجسدية مقابل منحها علامات عالية في امتحانات مادة الأدب، هذه العلاقة السرية لا تستمر طويلا، فالفتاة تشعر بعقدة الذنب وتخبر صديقها وعائلتها، وتنتشر الفضيحة المدوية في أروقة الجامعة، يأتي الأب إلى الجامعة غاضبا ويقول له: ''لقد تحولت الجامعة إلى عش لمصاصي الدماء''، ولكن المدرس يرفض هذه التهمة الأخلاقية ويصف الجميع بالجهل لأنهم لا يقدرون المساحة الهائلة التي تحتلها النزوة في الذات البشرية، فهو ليس وحشا كما يصفه الجميع، ولكنه أشبه بالشيطان (لوسيفر) في رواية (فاوست) لجوته، الذي يصاب بالجنون في قلبه وليس في عقله، إنه وكما يصف حالته: ''أشبه بالجنون الناعم والشهوة الآسرة التي تتجاوز النظرة السائدة للعلاقة الحسية المحرمة''، ورغم هذه التبريرات المستندة على مقولات أدبية وفلسفية خاصة، إلا أن التهديد المتزايد حوله ومحاكمته من قبل هيئة التدريس وملاحقة الصحافة له، جعلته يهرب إلى منزل ابنته الوحيدة المضطربة عاطفيا والتي تعيش في كوخ متواضع بعيدا عن صخب المدينة، وهناك وربما للمرة الأولى يشعر المدرس بحالة من الصفاء الذاتي والعزلة التي يمكن من خلالها إكمال مشروعه في كتابة مقطوعة موسيقية كاملة· ولكن هذا الصفاء المكاني والذاتي يتلاشى كليا عندما يقوم ثلاثة مراهقون سود باقتحام الكوخ واغتصاب ابنته وسرقة ممتلكاتها، يصاب المدرس في الحادثة بحروق في جسده وبكراهية شديدة تجاه السكان السود المحيطين بالمكان، ولكن مع مرور الوقت ورفض الابنة فتح قضية للحادثة خصوصا بعد اكتشفاها أنها حبلى من أثر عملية الاغتصاب، يغادر الأب المكان ويذهب للبحث عن عشقه المنسي من خلال تعرفه على طبيبة بيضاء تقاربه في السن وتمتهن معالجة الكلاب الضالة، وهناك تدور عجلة التأملات في ذهن المدرس ويكتشف أنه لابد وأن يبحث له عن خلاص فردي وأن يتصالح مع ابنته، ومع ظروف ومتطلبات المكان، فرغم القسوة واليأس فإن التكيف أحيانا يصبح هو العلاج السحري لكل العاهات النفسية والاجتماعية المتجذرة في الأرض والروح· فيلم ''خزيّ'' عموما يلخص حالة الصراع المتماوجة بين الخفاء والعلن، وهو ينتهج مضامين الرواية الأصلية في وصف الغربة الروحية والتواصل الدامي بين أفراد تجمعهم الأرض وتفرق بينهم مرجعيات دينية وثقافية وإثنية عديدة لا يمكن التحكم أو السيطرة على نتائجها المدمرة والفائرة على السطح، إنه فيلم يبحث عن مستقر لليوتوبيا وسط الجحيم، كما أنه ينبئ بخلاص ما أو أمل محتمل وسط الدخان والخرائب وجنون الرغبات الإنسانية الجامحة والمستعرة· مسيرة مخرج مخرج فيلم ''خزيّ'' ستيف جاكوب، خريج جامعة تشارلز ستيورت بأستراليا، قام بكتابة وإخراج أفلام تجريبية وقصيرة ومسرحيات، كما عمل ممثلا، وبعد إتمام دراسته العليا في التمثيل في لندن، عاد لمدينة سيدني الأسترالية ليستكمل مشواره الفني كممثل سينمائي محترف· حصل جاكوبز على عدة جوائز كممثل ومخرج، ورشح فيلمه الروائي الأول الذي نفذه العام 2000 وحمل عنوان (الإسبانية) la spagnola لإحدى عشرة جائزة من قبل مؤسسة السينما الأميركية، وحصل على جائزة أحسن فيلم في ثلاثة مهرجانات دولية، أما فيلم ''خزيّ'' من إنتاج هذه السنة فشارك في مهرجاني تورينتو الكندي وبوسان الكوري·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©