الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الناصر الخمير: من لا يملك صورة لا وجه له

الناصر الخمير: من لا يملك صورة لا وجه له
13 أكتوبر 2008 01:35
رغم ندرة الأعمال التي قدمها المخرج السينمائي التونسي محمد الناصر الخمير إلا أنه أستطاع أن يترك بصمة مميزة في التجربة السينمائية التونسية، نظراً للقيم الفكرية العالية التي تضمنتها أفلامه فضلاً عن ارتفاع مستواها الفني من حيث تقنيات العمل السينمائي من إخراج وتصوير وسيناريو، وغيرها من عناصر العمل السينمائي، مما حدا بمهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في أبوظبي إلى تكريمه، كواحد من المبدعين العرب الذين أضافوا كثيراً للحركة السينمائية في العالم العربي· خلال فعاليات المهرجان، وقبيل حفل تكريمه الرسمي، التقى ''الاتحاد الثقافي'' المخرج ناصر الخمير الذي تحدث عن تجربته السينمائية وتقييمه لوضع صناعة السينما في العالم العربي· تكريم متأخر بدأ الخمير حديثه بتوجيه الشكر إلى المسؤولين عن المهرجان لسعيهم الحثيث على النهوض بواقع السينما العربية بوصفها واحدة من أقوى الأدوات الثقافية تأثيراً وأوسعها انتشاراً، وبالرغم من شعوره بالغبطة لتكريمه في الدورة الحالية للمهرجان، إلا أنه كان يتمنى أن يكون هذا التكريم في بداية حياته الفنية، مشيراً إلى أن التكريم الحقيقي له في هذه المرحلة من العمر، يتمثل في إيجاد تمويل لمشروعاته السينمائية لأن هناك بعض الأفكار والأعمال السينمائية الهامة التي أخشى أن تموت معي كما ماتت مع شادي عبد السلام الذي حقق فيلماً طويلاً واحداً، ولم نستفد كثيراً من خبراته التي كنت أتمنى أن نستفيد منها في إنجاز عدد أكبر من الأفلام تكون ذخراً للسينما العربية· يقول الخمير: على الرغم من طول الفترة التي قضيتها في العمل السينمائي والتي كتبت فيها نحو 30 سيناريو إلا أنني لم أصور منها سوى خمسة أفلام فقط، وهذا بالطبع يرجع إلى حالة التجاهل التي يعيشها المبدع العربي، وعدم وجود من يهتم بأفكاره ويقوم باحتضانها ودعمها إلى أن تخرج للنور، ومن الغريب أن يأتي هذا الدعم من جهات لا تمثل ثقافتنا، ولولا وجود تمويل غربي لعدد من أفلامي لما استطعت إنجاز أكثر من عمل واحد طوال مسيرتي السينمائية التي بدأت منذ سبعينات القرن الماضي، مثال على ذلك فيلم ''بابا عزيز'' الذي أنتج عام ،2005 والذي حقق نجاحاً كبيراً في الغرب وشاهده أكثر من 70 ألف متفرج، وعُرض في الولايات المتحدة، وفي دول أوروبية عديدة، مثل إسبانيا، ألمانيا، فرنسا، المجر، النرويج، بلغاريا، سويسرا·· وهو يحمل صبغة إنسانية وإسلامية تعطي وجهاً سمحاً للحضارة الإسلامية التي عمادها الدين الإسلامي وهو دين يسر لا دين عسر، وقد نجح الفيلم في تمرير رؤية وروح إنسانية وإسلامية عالية، برغم مقاومة الأوساط الإعلامية لهذا النهج· ويتابع الخمير: بعدها قدمت ثلاثة سيناريوهات للحصول على الدعم في تونس، ولكنها رُفضت، مع أن كل سيناريو منها أخذ مني عاماً كاملاً من الجهد· وبتحسر يقول الخمير: بصفة عامة هناك عملية إحهاض للمجهود وعملية الخلق والإبداع· قضية العروبة وأفصح الناصر الخمير عن أنه منذ فيلمه الأول ''حكاية بلاد ملك ربي'' يعاني من مشكلة بسيطة وتتلخص في إيمانه بقضية العروبة وتعاطفه معها، حيث يرى أن العروبة ثقافة وليست سياسة، ما يجمعنا نفس اللغة، نوعية الموسيقى، رؤية معمارية واحدة، أي الثقافة بمعناها العام والشامل، ويعتقد أن أصل المشكلة يكمن في أن الأثنين وعشرين بلدا عربيا، أو يقول أنه عربي، و كأننا أثنان وعشرون غصناً لشجرةِ واحدة، كل غصن منها يعمل على على تطوير نفسه وفي أكثر الأحيان ينسى أن الغصن له سند وهو الجزع، هذا إذا لم يظن أنه هو الجزع، هنا يقع الخطأ، ومن الأمور المرتبطة بهذا الرأي، أنني منذ الصغر في روحي وذهني أن مصر هي أم الدنيا، وهي التي تستقطب كل المواهب العربية، ولكن الحقيقة أنني عشت مدة تزيد على خمسة وثلاثين عاماً في مسيرتي الفنية، ووجدت أن مصر لا تقبل ولا تحتضن سوى المصريين فقط··· لذلك أؤكد على أن مقولة أنا مصري، أنا تونسي، أنا لبناني··· وغيرها من تلك التصنيفات لا تبني رؤية حضارية كلاسيكية، نحن في حاجة لبناء رؤية كلاسيكية تتفاعل مع الماضي المشترك، حتى يكون هناك مستقبل مشترك، وإلا فنحن نعيش كذبة كبرى· لا سينما عربية وبالنسبة لواقع السينما في العالم العربي، يتحدث الخمير باسهاب، فيقول: أعتقد أنه لا يمكن أن نتحدث عن سينما عربية، لأن هذا الوصف لا يصح وهي لا تنتج عربياً ولا توزع عربياً، فأفلامي في أكثر الأحيان زارت مناطق نائية في العالم، وقليلاً ما تزور البلاد العربية خارج إطار المهرجانات، كما انني عملت محاضراً لفن السينما في العديد من جامعات أوروبا وأميركا وبعض الدول الأفريقية، ولم أدع إلى أي دولة عربية بما فيها تونس، وأنا لا أقول هذا من باب اللوم والتأنيب، وإنما هو توضيح للحالة الحقيقية التي يعيشها فنان عربي ناجح، إذاً كيف يكون الحال إن لم يكن ناجحاً· ثم تحدث المبدع الخمير عن علاقة الشعوب العربية بالفن، فقال: إن المشكلة ليست في علاقة الشعوب بالفن، فالشعب دائماً منهك، متعب، مشغول في أمره، المشكلة تكمن مع النخبة التي لا تقوم بدور النخبة··· هناك في المغرب العربي ومصر الكثير من المهاجرين، ولكني أرى أن هناك نوعين من المهاجرين، الأول وهو الذي يهاجر بحثاً عن لقمة العيش وسعياً وراء حياة أفضل، الثاني وهو الأدهى والأمر، المهاجر من الطبقة الراقية الذي يعيش في البلد ولكن يعيش حياته وفكره ونمط عيشه بالنمط الغربي ويعرف كل أنواع السيجار وطريقة صنعهم وقيمتهم، بحيث يكون في النهاية مسافراً أو تاركاً بلده لأنه منسلخ عن ثقافة البلد الذي يحيا فيه· المسؤولون والمسؤولية ويرى المخرج التونسي أن السبب الحقيقي في عدم وجود متلقي حقيقي للفن في العالم العربي يرجع لأصحاب القرار في المجتمع، الذين يواجهون مشكلة كبرى، كما اعتقد، هي الجهل وانعدام الحس بصفة عامة، وعندما يكون ذلك موجوداً لدى صاحب القرار، فتلك مصيبة، مثال ذلك، عندما استقلت تونس قام وزير بهدم أسوار مدينة تونس القديمة بحجة شق طريق جديد يربطها بما سواها من المدن، ولأنه رأى أنها تمثل رمزا للماضي القديم المليء بالتخلف، نحن نظن أن هذا الأمر مضى ولن يُعاد، والحقيقة أننا مع الأسف نعيشه يومياً في كل المساحات، وهو ما يمثل في الحقيقة أكبر إحباط، والأمثلة في ذلك كثيرة· وعن علاقة الفن بالحرية قال الخمير: إن الحرية لا تكون بغير صدق والصدق لايستقيم إن لم نقبل الرأي المغاير، المشكلة الأساسية هي أن يظن كل منا أن فكرته هي الطريق الوحيد، وهنا يحضرني قول جلال الدين الرومي ''الحقيقة هي مرآة طاحت من السماء وتكسرت إلى مائة ألف قطعة، كل منا يمتلك قطعة صغيرة، ويظن في الحقيقة أنه يمتلك القطع كلها''· وعن علاقته بالسينما والمسرح والفن التشكيلي، قال الخمير إنها جميعاً لغات مختلفة للتعبير الفني من خلالها يسعى القائم على العمل الفني أو المبدع لتوصيل ما يريد إلى المتلقي· ومع ذلك يشير الناصر الخمير إلى أهمية فن السينما، سيما في عصر العولمة، لأن من ليس له صورة، فليس له وجود ولا وجه، والفن هو الذي يساعد على إعطاء وجه جميل للمجتمع وحضارته وثقافته·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©