الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من صمت القصور إلى الكشف عن المستور

من صمت القصور إلى الكشف عن المستور
11 أكتوبر 2008 02:15
شهدت السينما التونسية ازديادا ملحوظا في عدد المخرجات من النساء، واتسمت أفلامهنّ في مجموعها بالجرأة في طرح المسكوت عنه من المواضيع الاجتماعية والنفسية، وكان شريط: صمت القصور للمخرجة مفيدة التلاتلي، على سبيل المثال، قد لاقى نجاحا كبيرا لدى الجمهور ولدى النقاد، ونال جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان ''كان''، كما فاز بـ التانيت الذهبي في مهرجان أيام قرطاج السينمائية في دورته الخامسة عشر عام 1994 وحصد أكثر من عشرين جائزة أخرى في مهرجانات دولية· حظي فيلم ''صمت القصور'' باهتمام النخب في الغرب أيضا، حتى أن هيلاري كلينتون استشهدت به في معرض حديثها عن وضع المرأة، في محاضرة لها ألقتها بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة منذ سنوات، وذكرت كلينتون أن الاميركيات اللاتي شاهدن الشريط تأثّرن بقصته وتفاعلن مع أحداثه· ويروي الفيلم قصّة امرأة عملت خادمة في قصر من قصور ملوك تونس في الفترة التي سبقت بقليل استقلال البلاد عام 1956 وانجبت بنتا من أحد أفراد الأسرة الحاكمة وقتها من علاقة غير شرعية· وقد ظهرت هند صبري لأول مرة في السينما في هذا الشريط، وهي لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها في دور علياء ابنة الخادمة التي جسدت شخصيتها الممثلة آمال الهذيلي· ممثلة بالصدفة والطريف أن هند صبري التي أصبحت اليوم نجمة سينمائية، جاءت عبر هذا الشريط إلى السينما صدفة، فقد كانت مفيدة التلاتلي تبحث عن فتاة لدور علياء في فيلم ''صمت القصور''، واقترح عليها زميلها المخرج النوري بوزيد ابنة أحد أصدقائه للدور المذكور، وكان هذا هو الدور الأول لهند صبري في السينما· ومن الصدف ايضا أن حضرت المخرجة المصرية ايناس الدغيدي إلى مهرجان أيام قرطاج السينمائية، في دورته الخامسة عشر كعضو في لجنة التحكيم، وشاهدت وقتها شريط ''صمت القصور'' الفائز بالجائزة الأولى في تلك الدورة وأعجبت بهند صبري التي فازت بجائزة أحسن ممثلة، واقترحت عليها دورا في شريطها ''مذكرات مراهقة''، وكانت تلك انطلاقة هند صبري في عالم السينما، فاستقرت بمصر، وتزوجت مصريا، ونجحت في ان تقتلع لنفسها مكانة هامة ضمن كوكبة النجوم الشباب في أرض الكنانة· جرأة في الكشف ومفيدة التلاتلي (62 عاما)، عملت سنوات طويلة في اختصاص تركيب الكثير من أشهر الافلام الطويلة التونسية والعربية قبل أن تنتقل الى مرحلة الاخراج، وهي مناصرة لحقوق المرأة، ومدافعة عنها في أفلامها، فالبطلة في ''صمت القصور''، تثور على وضعها المهين، وتغضب، وتجد في الغناء والعزف على آلة العود متنفسا للتحليق في سماء الابداع والحرية، وفي شريطها الثاني: ''موسم الرجال'' تعرضت المخرجة مفيدة التلاتلي بجرأة الى تابو لم يجرؤ أحد إلى التطرق إليه، وهو الحرمان الجنسي لدى نساء المهاجرين التونسيين الذين يغيبون عاما بأكمله في البلدان الاوروبية التي يشتغلون بها دون اصطحاب زوجاتهم وابنائهم ويعودون كل عام واحيانا كل عامين لقضاء شهر مع الزوجة والأبناء، وصوّرت مفيدة التلاتلي، وهي صاحبة السيناريو إلى جانب الإخراج شخصية عائشة في الفيلم كشخصية ثائرة على وضعها وغير راضية على بقائها للعيش مع حماتها في جزيرة ''جربة'' في غياب زوجها المقيم للعمل في فرنسا· معارك فكرية ولانّ المخرجة مفيدة التلاتلي تجرأت على كشف معاناة النساء من الحرمان العاطفي والجنسي في غياب أزواجهن العاملين في أوروبا، فقد ثار ضدها الكثير من المحافظين وانتقدوها، بل إن البعض أعلن انه سيشتكيها إلى القضاء، ورأوا خلافا للصورة التي قدمتها المخرجة في شريطها، وهي صورة المرأة التي تعاني من الكبت والوحدة وأغلال التقاليد لتبدو كسجينة، أن زوجة المهاجر امرأة مكافحة ومحافظة على كرامتها ولا وجود لديها لمشاعر الحرمان التي أطنبت المخرجة في إبراز مختلف وجوهها· وتم طبعا اتهام المخرجة بانها تناولت المسألة من الجانب الذي يرضي الغربيين الباحثين دائما عن مظاهر الهوس الجنسي والحريم وظلم المرأة لدى العرب، واتهموها بتشويه صورة المرأة والمجتمع في شريطها، وهم يغمزون من زاوية أن المخرجة متشبعة بحضارة الغرب وثقافته، و هم يرون أنها تريد أن تصور الاسرة التونسية بمقاييس لا تنطبق عليها، وذهب أحد المعارضين لافلامها الى حد القول بانه ''يصعب على الذين تطبعوا بحضارة الغرب المادية المتفسخة أن يدركوا معنى آخر للسعادة، ولذلك كان فيلم مفيدة التلاتلي، حسب رأيه، سطحيا وتشويهيا''، ولكن مفيدة التلاتلي مخرجة سينمائية تحمل تصورا ورؤية، ولها نظرة للحياة والفن، وهي تعترف بان شريطها صور بشكل ساخر الرجال وقدمتهم على انهم ''موسم ومرحلة في عالم النساء''، وهي تستعد حاليا لفيلمها المقبل: ''الايادي الصغيرة'' الذي سيعالج واقع الفتاة التونسية من خلال نظرة مراهقة· وقد كرم مهرجان ''كان'' السينمائي في دورته الاخيرة مفيدة التلاتلي، ورأت هي في ذلك اعترافا بإبداع المرأة التونسية في مجال الفن السابع، وأعلنت انها خاضت معركة كبيرة وأن كل شيء كان ضدها مشيرة بذلك الى كفاحها - على غرار العديد من المخرجات العربيات - ضد ظلم المرأة والتقاليد البالية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©