السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهنوف محمد.. شعرية الأمومة

الهنوف محمد.. شعرية الأمومة
7 يوليو 2010 20:33
أقلام نسائية إماراتية (2) تحتل الكتابة النسوية الإماراتية مكانة استثنائية في المشهد الثقافي الإماراتي. فهي غنية بأقلامها وأسمائها، مبادرة في موضوعاتها، غزيرة في إنتاجها، متنوعة في إبداعاتها ما بين الشعر والقصة والرواية والريشة. هنا إطلالات على “نصف” المشهد الثقافي الإماراتي، لا تدعي الكمال والدقة، ولكنها ضرورية كمدخل للاسترجاع والقراءة المتجددة. الهنوف محمد شاعرة إماراتية من ذلك النوع الذي يحلو له التحليق في عوالم نص شعري جديد يشتغل على كسر النسق الزماني متناغما مع كسر النسق المكاني، فيما تصبح الشخصيات والصور الفنية فضاءات متحررة تعبر منها القصيدة إلى تحولات المعنى بكثير من الشفافية والخيال. أما معنى اسم “الهنوف”، فهو المرأة المبتسمة أو المرأة الجميلة، ولذلك دلالات تختبئ كثيرا في ثنايا قصائد شاعرتنا التي تتكئ بعض مضامينها على فهم الطبيعة وملامسة الصور الجميلة في مناظرها وأمكنتها اللامحدودة، حيث نلامس ذلك في بعض القصائد التي يتمتع بناؤها بجرس هادئ وإيقاع نابض بالحياة والنشوة، يتحول معها النص الشعري إلى لوحة فنية متحركة، تغرقنا في بحر من الأمل والتفاؤل، وتعبر عن الواقع الحياتي المحسوس من منظور لغة شاعرية تنطوي على تنويعات من الأحزان والشجون والفرح، تجدها مختبئة في ثنايا كل حرف من حروف القصيدة. أما موضوعات قصائدها فتنتمي للأرض والإنسان والصحراء العربية، نابعة من ذلك الحس الإبداعي الفريد، يتجلى بجرعة من البوح الشفيف الذي يليق عادة بهذا الفن الأدبي الرفيع ألا وهو الشعر. وتقول الهنوف في ذلك: “أنا معنية بمشاغلة اللحظات المؤلمة، حتى أقبض عليها بضربات شعرية تنسجم وصدق هذه الترنيمة من الاشتباك الشعري، وإلا فلن أكون منسجمة أو متصالحة مع ذاتي، ما لم أكن شغوفة برصد تجليات المتعة التي تعبر عن ذاتها بهيولات متناغمة مع بعضها البعض، وهذا ما تجلى في تجربتي الشعرية التي بدأت مع ديواني الأول (سماوات)”. رجاحة الكتابة تقف الهنوف على الدوام حذرة من ممنوعات النشر، وضرورة أن يتمتع الكاتب بمقدار من الرجاحة والعقلية المنفتحة على عوالم الآخرين ومراعاة حرياتهم، بجانب مراعاة حرية المجتمع الذي نعيش فيه. وتقول: “وهنا أنطلق كأنثى شاعرة، برصيد من الفهم الواعي أقله أن أمنح نفسي حرية التحليق في تلك المساحة الضاَجة، ولكنها المفعمة بالرقة والعذوبة والغموض الذي لا يؤذي أحدا، ولكنها بمجملها تعبر عن سرها في صعيد رؤية منفتحة في حدود الإمكان الشعري والإبداعي”. ربما لا يعرف الكثيرون أن الهنوف طرقت باب القصة القصيرة من خلالها قصتها “صديقي عبود” وتتحدث فيها عن طفل كان يشاركها اللعب، “حيث كنت ألعب مع ألأطفال الذكور أكثر من البنات، ففي عائلتنا كان معظم أصدقائي من الأولاد، وهم أصدقاء شقيقي، وكانت البيوت متقاربة والعلاقات حميمية، وكان صديقي عبود ذات يوم يحمل سلكا كهربائيا، وفجأة صعقته الكهرباء ومات، وهكذا فقد سجلت مكان الطفولة في القصص أكثر من القصائد الشعرية”. في مسيرة الهنوف محمد، الحاصلة على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية، مجموعة من الدواوين الشعرية منها: “سماوات” الصادر عن دار الجديد في بيروت صيف عام 1995. ولها ديوان بعنوان “جدران” 2005، يعود لفترة العشرينيات من العمر، حيث تعبر من خلال قصائده عن اشتياق المرأة في أن تكون “أما” بكل ما تحمله تفاصيل هذه الكلمة من معان ودلالات إنسانية. في حين تستعد الهنوف بشوق لصدور ديوانها الشعري الثالث “ريح يوسف” عن منشورات مشروع “قلم” التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث. والديوان ملخص لتجربة شاعرتنا التي تمتد لأكثر من عشرين عاما. ومن إحدى قصائد الديوان بعنوان “الأخبار” نقتطف: في الأخبار سمعنا إن التاريخ يعيد نفسه في فلسطين في العراق في لبنان في الأخبار سمعنا إن التاريخ يحلق لحيته ليبدو في حلََة أجمل في الأخبار سمعنا عن طلقة في جبين التاريخ في الأخبار سمعنا أننا قد دفناه ولكن نسينا في أي بقعة وارينا ثراه. يبدو واضحا ذلك الأسلوب التعبيري الذي يمتلك جرأة واضحة في تكوين فلسفة الصورة الفنية المبتكرة على نحو قولها (إن التاريخ يحلق لحيته)، ولا سيما في تخيل التاريخ رجلا أملس، ناعما من غير خشونة الرجال، بل ربما من دون كبريائهم، حتى ليبدو لنا النص مثل لوحة فانتازية، تجمع في ثناياها ما بين ملامح الشكل الأسطوري وما بين الخيالي المتكئ على نسمة واقعية مع تماهيات الشغل الرمزي. ولك أن تكشف بعض هذه العوالم من خلال قصيدتها “الجوزاء” من نفس الديوان وكيفية الانفتاح على العوالم الجديدة في الكتابة: أجلس خلف الباب أرقب الثقب وكأنني أرى العالم من منظور ضيق أتخيل ما لا أراه أعلق عباءتي المطرزة بشتى أنواع الأنوثة أسهر لاسترجع سماواتي وأنتظر رجلا قد لا يأتي وقد لا يطرق الباب ولا يفتحه. البوح الجميل على الرغم من أن ديوان “سماوات” هو باكورة إنتاج الهنوف، إلا أن قصائده تمتاز بذلك البوح الجميل الذي يجمع ما بين أجواء السيرة الذاتية، وملامسة التجربة الصوفية، ربما باقتفاء أثر نثر المتصوفة وشعرهم، لتمزج بذلك ما بين التجريدي والرمزي وما هو حسَي تماما. ومن ديوان “سماوات” نقرأ في قصيدة “إلياس”: إلياس نبي صغير يحمل الكثير الكثير من البشائر تلتقي أعيننا لمجرد الحفاوة يتلصص خلف الأبواب يقتفي أثر العراء يتلذذ بالعبث في أجواء هذا الديوان ثمة شاعرة متأملة، تطرح علاقة الإنسان بعناصر الكون الأربعة: الماء والتراب والهواء والنار. وكيف تتحول هذه الأشياء من خلال روحانية عالية إلى قيمة فنية، رصدتها الشاعرة لتصوير جماليات الكون والإنسان، وقد ابتنت الهنوف من خلال لغة ثرية عوالم صنعت لنا منها معابد سقطت عليها ظلال المهابة والتأمل البعيد انطلاقا من الإيمان المطلق بالغيبيات.. ديوان “جدران” مثل تحديا للشاعرة فيما يتعلق بالمرأة بوجه عام، ومسألة الأمومة بوجه خاص. تقول عن ذلك: “لقد قضيت سنوات بلا إنجاب، وبدأت علاقتي مع الله تأخذ منحى التساؤل وأنا أعلم أنه يحبني، وأنا أشعر أن الله يرى قلوب الناس وأشكالهم، وقلبي نظيف، فلماذا لا أنجب؟ كان الإنجاب “حالة خاصة” تتعلق بالأنوثة وقدرتها على الخلق والإنتاج، وكان إحساسي أنني قادرة على ذلك، رغم نظرة الشفقة التي أكرهها.. لذلك كان أول طفل أنجبته دافعا قويا لكي أتخلص من مرحلة ما قبل الإنجاب، فكانت مجموعة (الجدران)”، ومنها: سامحيني أيتها الأرض لقد دنستك بماء جسدي وأنت أيها الماء لم أجد الطهارة إلا بك فاغفر زلتي. الهنوف محمد مثل غيرها من الشاعرات، ابتنت لنفسها مكانا تعود إليه وكأنه المرفأ الأمين، ومكانها كان مدينة دبي، تماما مثل بدر شاكر السياب الذي اتخذ من بلدته “جيكور” جنَة ضائعة ما فتئ يتغنى بها في معظم قصائده. لقد كانت دبي المدينة التي ولدت وعاشت فيها الشاعرة واحدة من أجمل المدن بالنسبة لها، بل إنها كما تقول “أرى فيها كل جماليات الأنثى، وليس هذا تحيزا لهذه المدينة، بل هو حب نما، فقد عشت معها بكل تناقضاتها، شقائي وفرحي وكل ذكرياتي فيها”. في تقديرنا ربما تكون أنفاس المكان (المدينة) لها تأثيرات قوية في تشكيل التجربة الإبداعية ومحاولة تطويرها، فغير الحضور اللافت للشاعرة من خلال الأمسيات والاحتفاليات الثقافية التي تشارك بها على المستوى الإقليمي والعربي، فقد ساهمت في مرحلة الثمانينات في تشكيل جماعة (نوارس) التجربة التي اجترحتها والفنان مسعود أمر الله، والشاعر والكاتب إبراهيم الملا. وكان من أهم مرتكزاتها تشجيع الكتابات التي تكسر السائد والمألوف عبر نشرة أدبية ساهمت في ضم مجموعة كبيرة من الشعراء، ممن يمتلكون نفسا جديدا في التعبير، لكن الأقدار لم تسمح لجماعة النوارس بالاستمرار طويلا، فكانت “رؤى” التي أتاحت فرصة جديدة للكتاب والمثقفين وفتحت أمامهم آفاقا جديدة للكتابة والتعبير وربما التغريد خارج سرب الكتابة الهامشية الاستهلاكية. لدى الشاعرة الهنوف محمد شفافية في الطرح وإيغال في فضاءات الخطاب الشعري المتنوع، فهي شاعرة تذرو رياح الوجد في جنان الأمل وفراديس الحلم لتبقى مسامات الروح عامرة بدفاتر الذاكرة، فمن جماليات الإيقاع إلى الألفاظ البسيطة الدقيقة في معانيها، إلى وحدة الموضوع أو المعادل الموضوعي صنعت لنا عالما مدهشا من القصائد التي تتردد في أجوائها نزعة واضحة للخروج من إسار المكان المحدود الضيق إلى فضاءات شاسعة في رحاب الكون. في كتاب الهنوف محمد الجديد عن سالم الحتاوي سيرة الحياة والإبداع في المسرح تعكف الشاعرة الإماراتية الهنوف محمد هذه الأيام على إنجاز كتاب عن حياة المؤلف المسرحي الإماراتي الراحل سالم الحتاوي (1961 - 2009) تحت عنوان مفترض وأولى “سالم الحتاوي .. رحلة في المسرح والحياة”. ويتضمن الكتاب عدداً من اللقاءات الشخصية مع عائلة سالم الحتاوي وأصدقائه ومجايليه من الفنانين والكتاب، في تتبع حثيث لأهم البؤر الإبداعية والمفاصل الرئيسة التي شهدت بصمات سالم الحتاوي المؤثرة وإبداعاته في تشكيلها ضمن بنية مسيرة المسرح الإماراتي الحديث. ويتكون الكتاب من مجموعة من الفصول ومقدمة وخاتمة، تشير جميعها إلى منجزات وإبداعات الحتاوي وأثرها في المسرح الإماراتي، حيث شكلت أطروحاته المسرحية بؤراً مهمة لا يمكن إغفالها. يتناول الفصل الأول أهم مراحل حياة سالم الحتاوي والعوامل الأساسية التي هيأته لأن يتجه إلى التأليف المسرحي، وتشير الشاعرة الهنوف محمد إلى معلومة مهمة تؤكد فيها أن الراحل سالم الحتاوي قد ابتدأت علاقته بالمسرح ممثلاً، حيث انخرط في ورشة عمل مسرحية أهلته لاعتلاء خشبة المسرح، إلا أنه اتجه فيما بعد إلى ميدان الأعمال المسرحية تأليفاً، والتي وصلت نتاجاته فيها إلى 30 عملاً مسرحياً ومنها “أحلام مسعود” و”ليلة زفاف” و”صمت القبور” و”الملة” و”أنها زجاجة فارغة” و”مواويل” و”الجنرال” و”مرادية” و”الخلخال”، ونوهت الهنوف إلى أن الفصل الثاني من كتابها يتناول أهم الأعمال المسرحية التي مثلت من قبل الفرق الإماراتية المتعددة بالدرس والتحليل، وماذا أضاف سالم الحتاوي من مساهمات جديدة لقراءة بنية الواقع الاجتماعي الإماراتي ومعالجاته السوسيولوجية لبعض ما استجد من حالات كان الحتاوي يراها دخيلة على مجتمعه. وترى الهنوف أن البحث في إطار يتناول مؤلفاً مسرحياً مهماً مثل الحتاوي يحتاج إلى جهد استثنائي ومع كل جديد يطرأ عن حياته وفنه تأخذ الدراسة أبعاداً مختلفة ومتحولة، ضمن محاولة جادة للبحث عن كشوف جديدة في مؤلفات هذا الكاتب المهم. وتشير الهنوف محمد إلى أنها قد كلفت في إنجاز هذا المشروع الذي يحمل بصمات سردية وروائية وتوثيقية من قبل “مجلس إدارة مسرح دبي الشعبي”. وتقول “إن مبادرة مجلس الإدارة في استذكار سالم الحتاوي تعد خطوة مهمة وتقديرية لمن أسهم في وضع لبنة في بناء صرح التأليف المسرحي الإماراتي”. وسبق للشاعرة الهنوف أن أصدرت ديوانين أولهما بعنوان “سماوات” والآخر بعنوان “جدران”، كما أنجزت الشاعرة الهنوف محمد أخيراً ديواناً جديداً لا يزال تحت الطبع بعنوان “ريح يوسف”. كما تنوي الهنوف إلى إصدار طبعة جديدة من ديوانها “جدران” مصاحبة لديوانها الجديد “ريح يوسف” وسبق أن طبعت وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بداية هذا العام ديوانها الأول “سماوات” طبعة ثانية ويعتبر عدد من الشعراء والأدباء هذا الديوان انعطافه مهمة في مساهمة الشاعرة الإماراتية في حركة الشعر الإماراتي الحديث وبخاصة قصيدة النثر التي امتلكت ملامحها وشكلت رؤاها مع جيل مهم أسهم في وضع بصماته على خارطتها. وللشاعرة الهنوف نشاطات ومساهمات فاعلة في تحريك الجو الثقافي عبر اشتراكها في أماسي شعرية ونقاشية ويأتي اهتمامها بالمسرح الإماراتي مكملاً لدورها الثقافي في الساحة الإماراتية كونها متابعة دقيقة وفاعلة لحركة المسرح الإماراتي باعتبارها رئيسة اللجنة الثقافية في مسرح دبي الشعبي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©