الخميس 2 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا··· انهيار من الداخل

روسيا··· انهيار من الداخل
7 أكتوبر 2008 00:44
الدب عائد؛ هذا ما يقوله العديد من المراقبين للشأن الروسي منذ أن سحقت القوات الروسية جورجيا في أغسطس المنصرم، محذرين من أن الرجل القوي في البلاد ''فلاديمير بوتين'' يسعى إلى تحويل روسيا إلى قوة عظمى في العالم من جديد؛ وقد اعتمد الصعود الجديد لروسيا على عائدات النفط والغاز الطبيعي، وقفزة كبيرة في الإنفاق المخصص لقطاع الدفاع، وموقف قوي وصارم أظهرته خلال اكتساحها لجورجيا، جارتها الجنوبية المدعومة من قبل الولايات المتحدة· وعليه، يعتقد الكثيرون اليوم أن الدب الروسي القوي لسنوات الحرب الباردة قد استفاق من سباته· ولكن ليس تماما؛ ذلك أن التنبؤات بأن روسيا ستصبح قوية وغنية ومؤثرة مرة أخرى، تغفل بعض المشاكل الداخلية التي تعرقل التقدم نحو القوة؛ فمما لا شك فيه أن الجيش الروسي يستطيع كسر جورجيا الصغيرة؛ غير أن جيش بوتين مازال ضعيفا، يمتلك أسلحة يعلوها الصدأ ويضم جنودا غير محترفين· وعلاوة على ذلك، فإن تراجع عدد السكان يحرم الجيش من جيل جديد من الجنود؛ كما أن اقتصاد روسيا يعتمد بالكامل على سعر النفط· ولكن الأسوأ من ذلك كله هو أنها تواجه أزمة صحية عامة توشك أن تتحول إلى كارثة· فإذا كانت روسيا تستفيد بشكل كبير من قطاعها النفطي، فإن تقلب سوق النفط العالمي يعني أن بوتين لا يستطيع الاعتماد على سيولة مالية طويلة المدى بفضل ارتفاع أسعار النفط· وبدون شك، سيحد انخفاض متوقع بنحو الثلث في سعر برميل النفط من قدرة بوتين على تنفيذ أجندته الطموحة، الداخلية والخارجية؛ هذا يجعل مخطط موسكو المعلن بخصوص زيادة حجم إنفاقها العسكري بما يناهز 26 في المائة في 2009 ـ من أجل إعادة تسليح جيشها بالكامل بأسلحة حديثةـ مجازفة خطرة؛ فصحيح أن ما رآه العالم في جورجيا كان ترسانة عتيقة متهالكة سيستغرق استبدالها سنوات كثيرة ـ حتى على افتراض أن البلاد تستطيع توفير الـ200 مليار دولار التي يكلفها تجديد الترسانةـ؛ غير أن ثمة شيئا أكبر يعرقل مسيرة روسيا؛ فقد شهدت العقود الأخيرة، وبخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في ،1991 تدهورا كبيرا في صحة السكان الروس، مما يضع روسيا بين أكثر الدول تخلفا· هذه مأساة كبرى؛ فقد راقبت مواضيع السكان والصحة والبيئة في الاتحاد السوفييتي لعقود؛ ومؤخرا كتبت حول أمراض مثل الإيدز الذي ينخر السكان الروس؛ كما زرت روسيا أكثر من خمسين مرة على مدى السنين، وأستطيع بالتالي انطلاقا من تجربتي القول إن هذه المصيبة الوطنية لم تحدث بشكل مفاجئ؛ فحسب أرقام الأمم المتحدة، يبلغ متوسط العمر المتوقع بالنسبة للرجال في روسيا 59 عاما، ما يضع البلد في المرتبـــة الـ166 تقريبـــا في العالم من حيث طول العمر المتوقع، أي بدرجة واحدة قبل جامبيا؛ أما بالنسبة للنساء الروسيات، فإن الصورة أفضل نسبيا، حيث يستطعن توقع العيش 73 عاما في المتوسط؛ ولكن ثمة نحو 126 بلدا حيث يستطعن توقع العيش فترة أطول، وعلاوة على ذلك، فإن الفرق بخصوص متوسط العمر المتوقع بين الرجال والنساء 14 عاماً، هو الأكبر في العالم المتقدم· ولكن، ما الذي يقتل الروس؟ الجواب: كل المشتبه فيهم العاديين، الإيدز، السل، الإدمان على الكحول، السرطان، أمراض القلب والدورة الدموية، الانتحار، حوادث السيرـ ولكنها تحدث بأعداد كبيرة تبعث على القلق، علما بأن روسيا لا تتوفر لا على الموارد ولا الإرادة لوقف هذا الاتجاه؛ ولنتأمل الآتي: يموت من الروس جراء الأمراض المرتبطة بالقلب ضعف من يموتون جراء هذه الأمراض من الأميركيين أو الأوروبيين، تعادل الوفيات بسبب مرض السل في روسيا نحو ثلث التعريف الذي تقدمه منظمة الصحة العالمية للوباء: معدل 50 حالة بالنسبة لكل 100000 نسمة؛ متوسط استهلاك الكحول على مستوى الفرد هو ضعف المعدل الذي تعتبره منظمة الصحة العالمية خطيرا بالنسبة لصحة الإنسان؛ إصابة نحو مليون شخص بفيروس إتش آي في أو الإيدز، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية؛ باستعمال الإحصائيات المتوفرة في منتصف السنة، يقدر أن 25 في المئة إضافية من حالات جديدة للإيدز سيتم تسجيلها هذا العام مقارنة مع ما سجل في 2007؛ على أن لا شيء من هذا يتوقع أن يتحسن قريبا· وفي هذا السياق قال ''بيتر بيوت'' ـ رئيس ''يونيدز'' الوكالة التابعة للأمم المتحـــدة والتي أنشأتها من أجل احتواء هذا الداء في العالم ـ في مؤتمر صحفي هذا الصيف: إنه ''متشائم جــــدا بخصــــوص ما يحـــدث في روسيا وأوروبـــا الشرقية، حيث يسجل أقل تقـــــدم''؛ على أن الأخطر من ذلك هو حقيقــــة أن فئة الشباب هي الأكثر إصابـــة في روسيا؛ فإذا كان 70 في المائة من المصابين بالإيدز في الولايـــــات المتحــــدة وأوروبا الغربية رجــــال تفوق أعمارهــــم 30 عامــــا، فــــإن 80 فــــي المائـــة من المصابين بهـــــذا الداء في روسيــــا تتراوح أعمارهــــم ما بين 15 و29 سنـــة· لقد قال ''بيوت'' العام الماضي إن السيطرة على الإيدز في روسيا ''مسألة زعامة سياسية وتغيير للسياسات''؛ غير أن السياســـــات مـــن غير المرجــــح ان تتغير على ما يبدو بينما الدب مستمــــر في العبث، تحركــــه أولويات خاطئة وتوقعات غير واقعية لزعامة سياسية يحركها الغضب والاستيــــاء؛ في هذه الأثنــــاء، تظل موسكــــو مصممــــة على ما يبدو في الاستمرار في تجاهل الواقع المدمر: إن البلاد ليست مريضـــة فحســــب، وإنمــــا تحتضــــر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©