في هذا الظلام العربي البهيم، قد تفاجئك أحياناً بعض بقع الضوء. قد تفاجئك بعض الفتوحات الرائعات التي ما كنت تحلم بها حتى في المنام. من بينها تحرير إحدى عواصم العرب العريقة، قصدت مدينة بنغازي، من براثن الإخوان المسلمين الداعشيين القطريين أو المدعومين من قبل قطر. كلنا يعلم أن قناة الجزيرة سُخرت كلياً لإسقاط النظام السابق ليس حباً في الحرية ولا غيرة على الشعب الليبي، وإنما حباً في الإخوان المسلمين، وتصميماً على وضعهم على رأس ليبيا بأي شكل كان. وما فتاوى القرضاوي النارية في بداية الثورة الليبية إلا أكبر دليل على ذلك. فقد دعا علناً إلى القتل وسفك الدماء. وصبت تصريحاته الزيت على النار وأشعلت البلاد. وأعطت دفعاً كبيراً لقوى الإسلام السياسي لكي تنقض على السلطة وتعيث فساداً في الأرض. وهكذا تحولت ليبيا إلى فوضى عارمة وميليشيات أصولية مرعبة تصفق لها قناة الجزيرة وتقدم لها التغطية الإعلامية وكل البروباغندا المشحونة على مدار الساعة. وهكذا ساهمت مساهمة فعالة في تمزيق ليبيا وتشتيت شعبها في الدول المجاورة وشتى أنحاء الأرض. كم عانت ليبيا من الآلام المبرحة على مدار السنوات السابقة ولا تزال؟ كم تعذبت وتعذب شعبها؟ على هذا النحو حلت البلية والطامة الكبرى بشعب عربي أبي وكريم وعريق حضارياً. على هذا النحو حل الاستبداد اللاهوتي الأسود محل الاستبداد العسكري للقذافي. فقلت هما أمران أحلاهما مر. هذا هو الربيع العربي بنسخة الجزيرة ويوسف القرضاوي. إنه ربيع إخونجي! ما أجمله هذا الربيع! ما أرقاه! تحسدنا عليه شعوب الأرض كلها. وسبب ذلك هو أن أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة هو ذاته إخونجي بالفعل كما تشير كل الدلائل والشهادات المنقولة عنه. هذا بالإضافة إلى وزير خارجيته حمد بن جاسم الذي كان يتصرف وكأنه الحاكم بأمر الله إبان الانتفاضات العربية. كان يصول ويجول ويتبختر كالطاووس بغية تجييرها كلها لمصلحة جماعات الإخوان، من تونس إلى سوريا إلى ليبيا، وبالطبع مصر! لقد حاول بكل إصرار وغباء أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء. رحم الله نزار قباني:
ذروة الموت أن تموت المروءات
 ويمشي إلى الوراء الوراء.
![]() |
|
![]() |
تصوروا الوضع: مصر أم الدنيا ومعقل النهضة العربية والحداثة الفكرية منذ أكثر من مائتي سنة، يريدون أن تُحكم من قبل نظام إخوان مسلمين! مصر الحضارة من أيام محمد علي ورفاعة رافع الطهطاوي وحتى طه حسين ونجيب محفوظ وجابر عصفور وعشرات الآخرين، يريدون إخضاعها لنظام متخلف خارج من كهوف التاريخ المظلمة ومضاد لجوهر العصر. هل هناك غباء أكبر من هذا الغباء؟
![]() |
|
![]() |