الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة الوعي الغائب والتفسير الخائب!

28 ابريل 2015 22:40
بعد انتهاء حرب الخامس من يونيو عام 1967 التي سميت في الأدبيات الإسرائيلية حرب الأيام الستة، وفي الأدبيات العربية سميناها النكسة، كان التفسير لما حدث تفسيراً دينياً بحتاً على الجانبين العربي والإسرائيلي - فعلى الجانب العربي المهزوم قلنا إن الهزيمة غضب من الله علينا، لأننا ابتعدنا عن الدين وعصينا الله وقتلنا قادة «الإخوان» الداعين إلى الله. وأذكر أن الإمام الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله قال في لقاء تلفزيوني شهير، إنه صلى ركعتين شكراً لله بعد هزيمة يونيو لأنها أيقظت العرب وأنقذت مصر بالذات من البطش والتنكيل، وأعادت الأمة إلى سبيل الله. كما أذكر أن أحد علماء تلك الفترة قال إن هزيمة يونيو تشبه تماماً الهزيمة في موقعة «أُحد» بين المسلمين والمشركين. فقد خالف بعض الرماة من المسلمين أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا مواقعهم واندفعوا لجمع الغنائم فدارت عليهم الدائرة. وكذلك فعلنا في حرب الخامس من يونيو إذ عاقبنا الله على ترك تعاليم دينه، وأن النصر لن يتحقق إلا بالعودة إلى الله وإلى تعاليم الدين. ومنذ ذلك التاريخ أصبحنا نردد العبارات العامة والمطاطة التي تبرر الفشل والتراجع، مثل ضرورة العودة إلى الدين وأن الإسلام هو الحل - ولم يحدد أحد حتى الآن كيفية العودة إلى الله. ولا معنى «الإسلام هو الحل» وترك هذا كله لتفسيرات وتأويلات الجماعات الإرهابية التي لا ترى بالعين المجردة والتي راح كل منها يحدد على مزاجه وهواه طريق العودة إلى الله، وكيف يكون الإسلام هو الحل. والمضحك المبكي في آن معاً، أن تفسيرنا الديني للهزيمة هو نفسه التفسير الإسرائيلي لانتصارهم. فقد قال المحللون والساسة والحاخامات نفس الكلام، وهو أن الرب الذي خلق الدنيا في ستة أيام حقق النصر لشعبه المختار في نفس المدة، وتلك معجزة ربانية بحتة أن تنتصر إسرائيل على ثلاث دول عربية وثلاثة جيوش قوية بضربة واحدة في ستة أيام، والمحصلة أن الله تعالى غاضب علينا وراضٍ عن إسرائيل. ومنذ ذلك التاريخ أيضاً نشط التفسير الدجلي والخرافي الذي يسمى دينياً لكل الأحداث والظواهر. وشاعت الأساطير والهرطقات مثل ظهور السيدة العذراء مريم في إحدى كنائس مصر، وقيل إنها ظهرت لتخفف عن المصريين آثار الهزيمة وتعدهم بالنصر. كما غرق الناس في الأوهام والخرافات هرباً من الواقع الأليم ولجأوا إلى الدجالين والعرافين والمشعوذين الذين يدعون علاج المرضى بالقرآن. ووقع الانفصال التام والطلاق البائن بين الدولة والمجتمع - وفقد المجتمع الثقة بالسياسيين وبالسلطة وراح يبحث عن حلول خرافية لمشاكله وحلت السلطة الدينية محل السلطة السياسية في قيادة الفكر والرأي العام وتكوين الاتجاهات لدى الناس وراجت كتب السحر والدجل والشعوذة، كما ازدادت أعداد مدعي النبوة والولاية والكرامات والمعجزات. وكان التيار عاتياً وشديداً على السلطة والدولة فرأت أن تسبح معه ولا تسبح ضده واعتمدت الدولة أسلوب الدروشة في مواجهة المشاكل، ورأت أن تشجيعها للتيار الخرافي والدجلي سيصرف الناس عن محاسبتها ويغنيها عن مواجهة المشاكل والسلبيات التي أدت إلى الهزيمة. فهذا أمر الله وهذا غضبه ولا بد أن نعود إلى الله تعالى لنحقق النصر. ولكن كيف نعود وكيف يكون الإسلام هو الحل؟ لا أحد يعلم. وتركت الدولة والسلطة الساحة خالية أمام ما يسمى التيارات الإسلامية، ولا سيما تيار «الإخوان»، الذي كان أكبر المستفيدين من النكسة باعتبار أن الاضطهاد والقتل والتنكيل بقادته هو سبب الهزيمة. لذلك دخل الناس في تيار «الإخوان» أفواجاً على مرأى ومسمع من الدولة. وأخرج «الإخوان» من السجون إرضاء لله في رأي السلطة والمجتمع وتكفيراً عن الذنوب التي أدت إلى الهزيمة. وسمح لما يسمى التيارات والجماعات الإسلامية بالتمدد في كل مفاصل المجتمع مثل الجامعات والنقابات في مصر لمواجهة التيار «اليساري» والقومي، الذي فقد أرضيته تماماً، لأنه كان التيار الملحد في رأي الناس، وهو المسؤول عن الهزيمة والابتعاد عن سبيل الله. وانتقل المال والنفوذ من التيارات القومية واليسارية والناصرية إلى ما يسمى التيارات الإسلامية. وبالتالي هرول كثير من «اليساريين» بل والشيوعيين للانضمام إلى ما نسميه الآن الإسلام السياسي طلباً للمال والنفوذ. ولم يكن الأمر عسيراً لأن التدين الذي انتشر منذ هزيمة عام 1967 وحتى الآن هو تدين الشكل والمظهر والجسد ولم يكن أبداً تدين العقل والقلب والوجدان. لم يكن أمر الانضمام إلى التيار الإسلامي صعباً فلم يكن مطلوباً من المنضم إليه سوى (نيولوك).. أو طلّة جديدة تجعله صالحاً للدور الذي سيلعبه على المسرح العربي.. مجرد لحية وجلباب قصير للرجل وخمار وحجاب ونقاب للمرأة.. ثم مصطلحات لسانية مثل (جزاك الله خيراً.. وما شاء الله لا قوة إلا بالله.. وغير ذلك مما لا حصر له...). وعندما انطلقت حرب أكتوبر عام 1973 اتخذت أيضاً شعارات دينية وكلمات سر دينية.. مثل نداء (الله أكبر) عند العبور. وتسمية العملية كلها (بدر).. وساد نداء وشعار (الله أكبر) كل العمليات الإرهابية بعد ذلك في مصر وسوريا وليبيا واليمن وكل الدول العربية الأخرى. فالذين يقتلون المدنيين والأطفال يقولون: (الله أكبر) والذين يدمرون البلاد ويهلكون الحرث والنسل يقولون (الله أكبر) مثل الذي يدعو الله أن يستره وهو يزني وأن يوفقه وألا يراه أحد وهو يسرق. العصابات والمنحرفون والقتلة يدعون الله أن يسترهم ويوفقهم في عملهم. وعندما تحقق النصر في حرب أكتوبر 1973 تأكد الناس أن العودة إلى الله والدين وراء النصر، ولم يعد هناك شك في أن هذا التوجه هو الصواب، وبالتالي ازداد رسوخ وقوة الجماعات الإرهابية وتم الإجهاز تماماً على التيارات اليسارية والقومية. وأوغل الناس في التدين النفاقي الشكلي الذي أسميه تدين النساء. وازداد الوعي العربي غيبوبة وغياباً. وغرقنا حتى الآن في الوعي الغائب والتدين الكاذب والتفسير والتأويل الخائب لكل الأحداث والأفعال. محمد أبو كريشة* *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©