الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحكم الرشيد... أساس التحول في أفريقيا

26 ابريل 2013 22:36
جيمس تروب باحث في مركز التعاون الدولي رغم الحديث المتواتر عن المعجزة الاقتصادية الأفريقية، فإني لست من المتحمسين لها، فنحن نسمع كثيراً أن الدول الست في العالم التي حققت أعلى معدلات النمو الاقتصادي توجد بالقارة السمراء، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أن ثلاثاً من تلك الدول، وهي أنجولا وتشاد ونيجيريا تعتمد في تحقيق النمو على مداخيلها النفطية، هذه الأخيرة التي تظل عرضة للتراجع ومعها معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة، لكن رغم هذه المعطيات استطاعت مجلة «ذي إيكونمست» المرموقة إقناعي بأن مفهوم النمو الاقتصادي أشمل وأوسع مما كنت أعتقد. فقد خصصت المجلة ملفها الأسبوعي لأفريقيا، وأشارت إلى أنه في عموم القارة ارتفع الدخل الفردي في القارة بنحو 30 في المئة على مدى العقد الماضي، بعدما كان الدخل قد انكمش بنحو 10 في المئة طوال العشرين سنة الأخيرة، فيما يتوقع أن يصل النمو الاقتصادي خلال العقد المقبل إلى 6 في المئة سنوياً، وهو ما يتركنا مع بعض الأسئلة مثل ماذا تخبرنا هذه الأرقام عن السياسة الإنمائية في أفريقيا؟ هل يتعلق الأمر بالمساعدات الخارجية التي أسهمت في تحسن الأداء الاقتصادي؟ أم أن الأمر يتعلق بالديمقراطية؟ وقبل كل شيء لا بد من طرح السؤال التالي: هل يمكن التعامل مع هذا النمو الاقتصادي الذي تعيشه القارة على أنه حقيقي ومستدام؟ في هذا السياق، يجيب «تود موس»، مدير مشروع أفريقيا الصاعدة في مركز التنمية الدولية أن التغييرات الجارية في القارة السمراء، «هي مهمة وتاريخية بكل المقاييس»، لكنه يضيف أيضاً بأن الأمر يختلف من بلد لآخر، فإزاء غانا وإثيوبيا اللتين أحرزتا تقدماً اقتصادياً ملحوظاً، هناك أيضاً تشاد المستفيدة من الارتفاع الهش لأسعار السلع، فيما نيجيريا التي تعتبر أكبر بلد أفريقي من حيث السكان تقع في الوسط بين الاستفادة من ارتفاع سعر النفط، وبين تقدم قطاعها المصرفي الذي يهيمن على عموم أفريقيا. لكن العامل الأهم الذي يميز بين الدول في وتيرة أدائها الاقتصادي يكمن في الحكامة، أو الحكم الرشيد، حيث يشير «موس» إلى أن نصف الدول الأفريقية تقريباً تحسن لديها مؤشر الحكامة الجيدة، فيمـا النصـف الآخر، ما زال يعاني مشاكل في هذا المجال. وليس غريباً أن يلفت معد ملف مجلة «الإيكونومست» الانتباه إلى أنه قطع أكثر من 15 ألف ميل في أفريقيا دون أن يطلب منه أحد رشى، كما أني ذهلت للوصف الذي قدمه لدول غرب أفريقيا، فخلافاً للمنطقة التي زرتها مرات عديدة خلال العقد الماضي، وكانت معقلاً للعنف العرقي والحكومات الفاسدة والمال المتأتي من تجارة المخدرات، يشير الكاتب إلى السنغال مثلاً باعتبارها واحة ديمقراطية تعرض فيها الرئيس السابق عبد الله واد للإهانة عندما حاول الترشح لولاية ثالثة رغم القيود الدستورية. وفي غينيا التي كانت قبل خمس سنوات دولة تعتمد على عائدات المخدرات، تحولت اليوم إلى ديمقراطية، بعدما ألجم سياسي مدني الجنرالات وحد من نفوذهم. أما سيراليون، فقد تخلصت من ماضيها العنيف لتنعم حالياً بالسلام، ومعها ساحل العاج التي عادت إلى الحياة الطبيعية بعد صراع على السلطة وحرب أهلية قصيرة، لكن مالي التي استضافت في 2007 الاجتماع الذي يعقد كل سنتين حول الديمقراطية، فقد انزلقت إلى الفوضى والاضطراب، فما وجه الجدة في التأكيد على دور الحكامة الجيدة في تكريس النمو الاقتصادي؟ الحقيقــة أن الأمـر جديـد بالنسبـة لمــن لا يهتم كثيراً بفكـرة الحكم الرشيد ويضعه على الموقد الخلفي مثل «جيفري ساش»، الذي يرى أن «ضعف الحكامـة الأفريقيـة راجع إلى فقرها»، وليس العكس، فحسب الكاتب يُعزى فقر أفريقيا إلى المصادفة الجغرافية، حيث الأراضي غير الخصبة والأمراض، وغياب الأنهار الكبيرة، ليبقى الحل هو تحفيز النمو الاقتصادي من خلال المساعدات الأجنبية. ولئن كانت المساعدات الإنمائية التي تقدمها البلدان الغربية لأفريقيا، قد أسهمت بالفعل في تقليص معدلات وفيات الأطفال والأمهات، وخفضت نسب الوفاة بالإيدز والملاريا، وغيرها من الأمراض التي يمكن معالجتها، وارتفع عدد الأطفال الذي يذهبون إلى المدارس، وهي بالقطع إنجازات مهمة، إلا أنها أيضاً ليست المسؤولة عن النمو الاقتصادي الذي تشهده بعض البلدان الأفريقية، كما يوضح ذلك «ويليام إيرستلي» في كتابه «عبء الرجل الأبيض». النمو الاقتصادي ذاته للدول الأفريقية، وليست المزيد من المساعدات، هو من وفر الإمكانات والموارد الضرورية لتحقيق الاختراقات المهمة في المجال الاجتماعي، وهو ما يؤكده «جامي دراموند»، المدير التنفيذي لمنظمة «دانا»، التي أسسها المغني المشهور «بونو»، الذي تحول إلى متبرع لفائدة الدول الفقيرة، مشيراً إلى أنه في الوقت الذي تضاعفت فيه المساعدات الأجنبية لأفريقيا بثلاث مرات لتصل إلى 50 مليار دولار قفزت الموارد المحلية بوتيرة أسرع متضاعفة بست مرات بقيمة 400 مليار دولار، وبالطبع كان رأي «ساش» مناسباً للنخب السياسية والثقافية الأفريقية الذي برأهم من أي دور في إفقار بلدانهم، باعتبار أن الفقر نتيجة الظروف الجغرافية وعدم اهتمام الغرب لتكرس بالتالي ضرورة التدخل الغربي لمساعدة أفريقيا. لكن في المقابل إذا تم الإقرار بأن القضية الأساسية التي تعوز أفريقيا، وتعوق تقدمها تكمن في الحكم الرشيد وغياب الديمقراطية ومحاسبة المسؤولين، فإن المعادلة ستنقلب رأساً على عقب، لتصبح المشكلة والحل معاً أفريقيين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©