الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغُربةُ مِثلَ الوطنِ العربِيِّ.. بِلا مأوى

الغُربةُ مِثلَ الوطنِ العربِيِّ.. بِلا مأوى
26 ابريل 2012
التّمثالْ منْ زَهرِ الليمونِ تَعطّرَ هذا التّمثالُ، ومالَ على وهجي كالطّيفِ وقالْ: أنتَ فَمُ الصُّبحِ المُفعَمِ بالشّعرِ وبالنّجوى وأنا المَوّالْ. أطْلِقْني في دُنيا الحُبّ حماماً أبيَضَ، كيْ أتناثَرَ ريشاً تحمِلُهُ النّسماتُ إلى كُلّ بِقاعِ العِشْقِ الخَضْراءِ لِتَرتَسِمَ البَسْمةُ كالوَردِ على ثَغْرِ الأطفالْ. أوْ خُذني في هذا الصّدرِ المغسولِ بماءِ الشّوقِ جواباً فأنا والحُبُّ وأنتَ وهذي الصّحراءُ سُؤالْ. غائبٌ عني غِبتُ ثلاثين خريفاً.. ورجعتُ.. فكانَ العالمُ، كُلّ العالمِ يعرفُني.. ما غابَ عن الحفلِ الصاخِبِ غيري. دورانْ فراشاتُ قلبي تحومُ وقلبي يحومُ.. وحولي وحولَ الفراشاتِ حامَ الوُجومُ.. كأنّي، كأنّ الفراشَ، كأنّ الوُجومَ، كواكِبُ، من حولِها بثيابِ الدراويشِ، تلتَفُّ في طَرَبٍ، وتدورُ الغُيومُ. حلم مجنون ما رأيُكِ، لو طِرْنا بجناحينِ من الحُبِّ أو الريشِ الأبيضِ مُخترقينَ العادةَ نحو الغيماتِ البيضِ خِفافاً.. وتمازَجنا بالغيمِ ونِمنا دهراً.. ثمّ صحونا.. وغفونا.. ثُمّ صحونا دهراً.. ما رأيُكِ، لو زاوجنا بين نجومِ الليلِ، ذكوراً وإناثاً وتزاوَجنا.. ثُمّ نَزَلنا بالغيمِ وبالنجماتِ على الأرضِ.. تُراها هل تَتّسِعُ الأرضُ لهذا العُرسِ المجنونِ؟ أجلْ.. ستصيرُ الأرضُ بِحجمِ الكونِ وأكبَرْ. والبُلدانُ المهووسةُ بالحَربِ وبالخوفِ ستُصبَحُ أقداحاً تَتَلألأُ بالنورِ.. ويُصبِحُ كُلُّ يتامى العالمِ في الأقداحِ المملوءةِ بالفرحةِ سُكّرْ. قلبي النخلُ يموتُ بِلا نهرٍ، وبغير النّخْلِ، النّهرُ يبابْ. قلبي قريةُ حُبٍّ للضّيفِ مُشَرّعَةُ الأبوابْ. بسمَتُها تَمتَدُّ إلى الفجْرِ بِهِمْ.. وتنامُ بِحَسْرَتِها قبلَ زوالِ الشّمْسِ، إذا غابَ الأحبابْ. هاجِروا هاجِروا.. فالخُيولُ الأصيلةُ توّاقةٌ للرحيلِ.. وما عادَ في الأرضِ ما يستَحِقُّ البقاءَ.. انهَضوا كالرّجالِ، ككُلِّ النّساءِ اللواتي امْتَثَلْنَ لِما قالتِ الرّيحُ.. فالرّيحُ تعرِفُ دربَ الغَمامْ. هاجِروا.. فالسنابِلُ مسمومةُ الحَبِّ، لا تقربوها.. وهذي الدّلاءُ التي تتوالى على البِئْرِ، تخرُجُ مخذولةً.. نامَ حظُّ العطاشى بِها، مالهُ منْ قِيامْ. هاجِروا.. لا يَغُشّنّكُمْ من يقولُ: بِأنّ جِنانَكُمُ سوفَ تخرُجُ ثانِيةً للعَيانِ بِكامِلِ خُضرَتِها من بُطونِ الجَرادْ. هاجِروا.. فالغمامةُ مأمورةٌ، فاسْبِقوها إلى حيثُ ما لا يُطيقُ اللئامْ. هاجروا.. هاجِروا.. هاجِروا.. والسّلامْ. بِلا مأوى حينَ أكونُ بِلا مأوى.. وتكونينَ بِلا مأوى.. والوطَنُ الأكبرُ في الأرضِ يهيمُ بِلا مأوى.. نأوي كالأيتامِ بأحضانِ الغُربَة، فالغُربةُ مِثلي.. مِثلَكِ.. مِثلَ الوطنِ العربِيِّ، بِلا مأوى. مجنونة قالَها ثُمّ ماتْ.. أُحِبُّكِ.. واستَرْسَلَتْ في الضّحِكْ. بيّاعُ السّمسِمْ بيّاعُ السّمسِمِ في الحَيِّ ينادي: سِمْسِمْ سِمْسِمِ سِمْسِمْ سِمْسِمْ بيّاعُ السّمْسِمِ مُنذُ طُلوعِ الشّمسِ، وها قدْ حلّ الليلُ، وما باعَ من السّمْسِمِ شيئاً.. تَعِبَ المسكينُ وما زالَ يُنادي.. سِمْ سِمْ سِمْ سِمْ.. وَجهُ الصوتْ تسمعُ صوتاً في الهاتِفِ لا تعرِفُ صاحِبَهُ.. يتشكّلُ في رأسِكَ وجهٌ كسرابِ الشارِعِ في الصيفْ. يتماوَجُ في أشكالٍ شتّى.. تُدنيهِ إليكَ قليلاً حتى يتحدّثَ أكثرَ.. تُقصيهِ قليلاً كيْ تتمعّنَ في صورتِهِ، ويغيبْ.. لكِنّ البَصمةَ تبقى في رأسِكَ، تبقى تتشَكّلُ، تبقى، كسرابِ الشارِعِ في الصيفْ. تبقى.. لكِنّكَ لنْ تعرِفَ حتماً من كانَ الضّيفْ. الجُحرْ كُنتُ أرى البيتَ كبيراً فضْفاضاً.. وكبَرْتُ فصِرْتُ أراهُ كجُحْرِ النّملةِ.. ما أوسعَ جُحرٍ نَخرُجُ مِنهُ بما لا يحمِلُهُ الكونْ. بُعد نظرْ تقولُ لهُ: يا حبيبي ابْتَعِدْ كي أراكْ. كيف الهروب كما تتوارى النجومُ أُواريكِ خلفَ غمامي.. فكيفَ الهروبُ وأنتِ ورائي وأنتِ أمامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©