الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إيطاليا بعد الزلزال.. خسائر ثقافية

28 أغسطس 2016 22:51
كانت «أماتريتشي» في الماضي بلدة جبلية هادئة في ريف لاتزيو، لم يطلها تغيير لأكثر من ألف سنة تقريباً. أما اليوم، وبعد زلزال الأربعاء المدمر الذي بلغت قوته 6.2 على سلم ريختر، استحالت هذه البلدة، التي يعود تاريخ تأسيسها إلى القرون الوسطى، أكواما من الأنقاض والأطلال، وذكرى منذ بعض الوقت. 291 شخصا على الأقل ماتوا في وسط إيطاليا خلال الزلزال وبعده، وقد تزداد هذه الحصيلة ارتفاعاً خلال الأيام المقبلة. ويوم الأحد، أقيمت جنازات الضحايا الخمسين الذي ماتوا في منطقة ماركي في كاثدرائية أسكولي بيسينو بحضور الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا ورئيس الوزراء ماتيو رينزي. وعلاوة على الكلفة البشرية لمأساة الأربعاء، شرعت السلطات الإيطالية في تقييم ما تعنيه خسارة أماتريتشي وبلدات قديمة صغيرة نائية بالنسبة للتراث الثقافي الغني للبلاد. ففي تقرير أولي صدر الجمعة، عدد فرع من الشرطة الوطنية الإيطالية يعنى بالفنون والآثار أكثر من 50 موقعا تاريخيا لحقتها أضرار بالغة أو دُمرت في الزلزال. ومعظمها عبارة عن كنائس بلدات صغيرة ظلت منتصبة في ميادين بلدات على مدى قرون، وكانت شاهدة على الأحداث التي مازالت تميز دورة الحياة في إيطاليا الريفية مثل التعميد، والزواج، والجنازات. وفي أماتريتشي، التي تعرف بلقب بلدة «المئة كنيسة»، تعرضت 15 كنيسة على الأقل للتدمير، بما في ذلك كنيسة سانت أغوستينو، التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الخامس عشر وتتميز برسوم جدارية معقدة ونافذة زجاجية مستديرة على واجهاتها. ولم يسلم من هذه الكنيسة سوى برجها ساعتها التي توقفت عقاربها عند الساعة الثالثة وست وثلاثين دقيقة، وهي اللحظة التي ضرب فيها الزلزال صباح يوم الأربعاء. وبالنسبة لمؤرخي الفنون، كانت أماتريتشي والبلدات المجاورة الأخرى مجمدة في الزمن دائما، وكان تاريخها - خلافاً لأي مبنى آخر أو عمل فني – هو تركتها الحقيقية. ويرى «فيليبي دافيريو»، وهو مؤلف وناقد فني إيطالي مشهور، أن الخسارة الأكبر في الزلزال هي الجمالية الريفية البسيطة التي كانت تمثلها بلدات مثل أماتريتشي، في ما يمثل نموذجا إيطاليا خالصا. ويقول عن الهندسة في هذه البلدات: «إنها طريقة قديمة جدا للبناء، بسيطة جدا، وريفية جدا، بخطوط يبدو أنها تلامس الأفق». الناجون من الزلزال، الذين تكدسوا في خيام ومخيمات مؤقتة خارج هذه البلدات المدمرة، يتقاسمون هذا الرأي. بعض هؤلاء فقدوا عائلاتهم، والكثيرون منهم فقدوا منازلهم، ولكن جميعهم فقدوا نمط حياة يعود لقرون طويلة. ولكن الأمر في النهاية يتعلق بنمط حياة تميز على الخصوص بعائلات تعيش في بلدات صغيرة منذ أجيال، حيث آثر أبناؤها وأحفادها المكوث هناك على الرغم من إغراء وجاذبية التطور الحضاري في المدن وفرص العمل في الخارج. ولكن يوم الجمعة وجد الزوجان مارينا جينتيلي، 53 عاما، وروبيرتو سيرافيني، 52 عاما، اللذان يعيشان في أماتريشي منذ وقت طويل، نفسيهما في مخيم للطوارئ خارج البلدة، يكافحان من أجل استيعاب ما جرى لعالمهما. وتقول مارينا إنها عاشت في أماتريتشي كل حياتها، وإنها وزوجها يديران متجرا على الشارع الرئيس للبلدة منذ عقود: متجر كان عبارة عن مطبعة في البداية ثم تحول إلى محل لبيع مواد التجميل. وبعد الزلزال، تعرض المتجر لأضرار بالغة في وقت دمر فيها كل ما حوله. «الأمر نفسه ينطبق على منزلنا»، تقول جينتيلي، مضيفة «إن كل منازل أماتريتشي تنتقل من الأجداد إلى الآباء إلى الأبناء». كريستيان تالامونتي، 40 عاما، طبيب نفسي من روما استُدعي إلى أماتريتشي لمساعدة الناجين مثل جينتيلي وسيرافيني بعد الزلزال. في المخيم يوم الجمعة، أشار إلى التأثيرات النفسية التي تواجه سكانا بيئة قديمة باتت ذكرى من الماضي الآن فقال: «هؤلاء سكان متقدمون في السن. الكثير منهم سينقلون إلى أماكن بعيدة عن هنا – بعيدا عن منازلهم، وحيواناتهم، والساحة الرئيسة التي لم تعد موجودة، والشارع الرئيس وكل أماكن اللقاءات الاجتماعية». وعن الناجين يقول تالامونتي: «ذات يوم، عندما يغلق المخيم، عندما لن يكون ثمة أحد للاعتناء بهم وإطعامهم، سيعودون إلى الواقع وسيعود القلق: إلى أين أذهب؟ ماذا سيحل بي؟ هل سيتم التخلي عنا؟». وعلى الرغم من أن مستقبل عائلتهم مازال غير أكيد، إلا أن جينتيلي وسيرافيني يقولان إنهم يجدان العزاء في ما تبقى من هندسة أماتريتشي وعمارتها – وخاصة برج ساعتها، الذي يُعتبر مَعلما مهما، وإنْ تقلص اليوم إلى رمز لزمن غابر. وتقول جينتيلي مشيرةً إلى البرج البعيد «ذاك هو رمزنا»، مضيفة «ذاك البرج وحده بقي صامدا، ما يعني أنه إذا استطاع الصمود، فإننا نستطيع ذلك أيضا. أما إذا سقط، فلستُ أدري». ثم تنهدت. وواسى سيرافيني زوجته قائلا: «كلا، إنه لن يسقط»وأضاف قائلا: «إن التقاليد لا تموت». *ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©