السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكاثوليك في أوروبا: نحن هنا

الكاثوليك في أوروبا: نحن هنا
30 سبتمبر 2008 01:13
هل باتت الكنيسة الكاثوليكية محاصَرة، تكافح من أجل إسماع صوتها في أوروبا العلمانية، أم قوة مازالت فعالة تؤثر على القانون الأوروبي عبر حكومات صديقة من يمين الوسط؟ هذا السؤال، الذي يحشد الزخم طيلة المدة التي وصل فيها البابا ''بينيديكت'' السادس عشر إلى الباباوية قبل ثلاث سنوات، صعد إلى الواجهة خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا؛ غير أنه حتى في الوقت الذي يدعو فيه البابا إلى نقاش أقوى وأكبر حول الكنيسة والدولة والحوار بين الأديان، فإن لا أحد، ولا حتى في الفاتيكان، يتوقع أن تصبح أوروبا متدينة من جديد قريبا، وذلك نظرا لأن الذهاب إلى الكنيسة تدنى إلى مستويات قياسية، وكذلك الحال بالنسبة لعدد القساوسة؛ كما أن لا أحد يتوقع أن تنقلب فرنسا على مذهب ''العلمانية'' -الفصل الصارم بين الكنيسة والدولة- العزيز عليها، وذلك على الرغم من الانتقاد المبطن الذي قال فيه البابا إن العلمانية تقود إلى العدمية، ودعوات الرئيس ''نيكولا ساركوزي'' إلى ''علمانية أكثر إيجابية''· غير أن تشديد ''بينيديكت'' على ضرورة ''انفتاح'' الدين والسياسة أحدهما على الآخــر -إضافة إلى تجديده حين كان بمدينة ''لورد'' لمعارضة الكنيسة القوي لزواج المثليين، ومشاركة المطلقين في بعض الشعائر الدينية والقتل الرحيم- يبعث برسالة مباشرة مؤداها أن الكنيسة لا تريد أن يكون القانون الأوروبي على خلاف مع تعاليم الكنيسة، وتريد من الكاثوليكيين إسماع رأيهم بخصوص هذه المسألة؛ بعبارة أخرى، يريد البابا السيطرة على أوروبا مرة أخرى، إن لم يكن عدديا، فعلى الطاولة السياسية إذن؛ وفي هذا السياق يقول ''جون ألين جونيور'' -أحد كتاب الأعمدة بصحيفة ''ناشيونال كاثوليك ريبورتر''-: ''يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها، توجد في أوروبا قوانين يريد الفاتيكان تغييرها''؛ معتبرا أن تصريحات ''بينيديكت'' في فرنسا ''لم تكن تأملات غير سياسية''؛ ويضيف ''ألين'' قائلا: إن الفاتيكان قلق بشأن ''علمنة تدريجية للمؤسسات الأوروبية المتأثرة كثيرا بالنموذج الفرنسي''· على سبيل المثال، تحظر قوانين وتشريعات الاتحاد الأوروبي التمييز على أساس الميول الجنسية؛ وفي قضية مثيرة للجدل مازالت متواصلة في بريطانيا، أعلنت دور الأيتام الكاثوليكية أنها ستضطر لإغلاق أبوابها أو قطع علاقاتها مع الكنيسة في حال اضطرت إلى منح الأطفال لأزواج مثليين· ويذكر هنا أن إسبانيا قننت زواج المثليين في ،2005 متبوعة بهولندا وبلجيكا؛ غير أن البعض يقول إن زيارة البابا قد تشجع الكاثوليك على الجهر بمعارضتهم · ومن جانبه، بدا الفاتيكان مسرورا لزيارة ''بينيديكت'' حيث قال ''فيديريكو لومباردي'' -المتحدث باسم الفاتيكان، في مقابلة معه هذا الأسبوع- إن استقبال البابا في فرنسا كان ''مشجعا''، واعتبر أن الجو في فرنسا كان يشير إلى أن ''للكنيسة مساهمةً تقوم بها، وإنها تحظى بالقبول والاحترام كقوة أخلاقية وثقافية، وقوة التزام أخلاقي''؛ فقد سافر ''بينيديكت'' إلى فرنسا وسط تغطية إعلامية جد مكثفة لإحياء ذكرى مرور 150 عاما على رؤية فتاة ريفية تدعى ''بيرناديت سوبيرو'' لمريم العذراء في كهف بمدينة ''لورد'' إلى درجة أنه من المتوقع ان تسجل المدينة رقما قياسيا من حيث عدد من سيزورونها هذا العام -ثمانية ملايين زائر-؛ وتقول ''روث هاريس'' -الأستاذة بجامعة أوكسفورد ومؤلفة كتاب حول قدسية مدينة لورد لدى المسيحيين الكاثوليك- إن ''لورد'' ترمز دائما إلى ''نوع من الثقافة المضادة الكاثوليكية''، و''قوة العقيدة على العلم''، مضيفة أن شعبية المدينة ''تتقوى (على مر السنين) في هذه المرحلة التي يُنظر فيها إلى الدولة على أنها تقمع الكنيسة''· قد يكون ذلك هو واقع الحال اليوم حيث ينظر بعض الكاثوليك الأوروبيين إلى أنفسهم كأقلية مضطهدة تواجه هيمنة علمانية؛ وفي هذا السياق يقول ''ألين'': من الناحية السوسيولوجية ''أعتقد أن الزيارات البابوية تؤدي نفس الوظيفة التي تؤديها استعراضات المثليين، فالأمر يتعلق بتصور مجموعة تعتبر نفسها أقلية تم عزلها -في نظرها- لفترة طويلة وتريد أن تخرج إلى الشارع وتقول بأعلى صوتها ''نحن هنا''''· في باريس، خرج نحو ربع مليون شخص للاستماع إلى البابا في قداس ديني في ساحة ''ليزانفاليد'' وانتظروا لساعات، أي أكثر من عدد الحشود التي حيت المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية السيناتور ''باراك أوباما'' خلال زيارته إلى برلين في يوليو الماضي؛ وحسب ''ألين''، فإن العديد من الكاثوليك في أوروبا اليوم ''يشعرون بالحاجة لإظهار من هم، لأنهم لا يستطيعون الاعتماد على مؤسسات الثقافة من أجل القيام بذلك''؛ غير أن هذه الاستراتيجية لم تقنع المنتقدين؛ حيث يقول ''باولو فلوريس داركاييس'' -رئيس تحرير دورية ''ميكروميجا'' الإيطالية اليسارية الذي دافع عن العلمانية-: إن لعب دور الضحية ''عمل كلاسيكي وخطوة خطابية حذقة''· يحكم فرنسا وألمانيا وإيطاليا اليوم تحالفات من يمين الوسط صديقة للكنيسة؛ فخلال الربيع الماضي، تحدى اليمين على نحو غير مسبوق قانونا عمره ثلاثون عاما في إيطاليا يرخص للإجهاض؛ وفي 2005 مررت إيطاليا قانونا يقيد التلقيح الصناعي، وبالتالي، يتساءل ''فلورانس''، ''فكيف يمكن أن تقول إنكم أقلية مضطهدة؟'' اليوم تعرف أوروبا إلى حد كبير من حيث المعايير الاقتصادية، وليس الثقافية؛ وتبدو غير واثقة بخصوص هويتها وقيمها المشتركة ومستقبلها؛ فهل ستغير زيارة البابا الحديث؟ ''ماريو مارازيتي'' -المتحدث باسم طائفة ''يانت إيجيديو'' الكاثوليكية- يقول: ''لا أعتقد أنها ستغيره لأن البابا تحدث''، ولكن من الواضح أن بينيديكت قال ما قاله وهو يفكر في أوروبا· يقول مارازيتي: '' هذا مثير للاهتمام لأن الاثنين لا يفهم أحدهما الآخر، ولكنهما يتحدثان''· راشيل دوناديو- روما ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©