الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في بيت واحد مع الأفعى

في بيت واحد مع الأفعى
17 ديسمبر 2009 23:39
لم أدع الشجاعة والمروءة ولم ألبس ثوب البطولة وما كانت كلماتي زيفا ولا اصطناعا عندما فاجأته بقبولي الزواج منه والاقامة مع أمه في شقة صغيرة تتكون من غرفتين وصالة وكان يعتقد انني مثل كل بنات جيلي أطمع في شقة مستقلة لأعيش حياتي واتمتع بخصوصياتي واكون على حريتي، كان حبي له اكبر من كل مشكلة وفوق كل عقبة، لا اسمح لهذه الكلمات بأن تدخل قاموس تعاملاتنا، لقد عشت حياة جادة اذ تحملت مسؤولية الأسرة بعدما انتقلت أمي إلى جوار ربها وكان لزاما عليَّ ان اقوم بكل شؤون البيت وأن ألبي احتياجات ابي واخوتي واخواتي وهم في مراحل التعليم المختلفة وانا وقتها في المرحلة الثانوية، لم يكن في الأمر أي تضحية من اجلهم وانما المزيد من الجهد المضاعف بجانب المذاكرة والدروس والمدرسة، لذلك كانت حياتي بسبب هذه الظروف مختلفة تماما عن قريناتي، لم انشغل بقصص الحب حتى عندما انتقلت إلى الجامعة، لم يتغير شيء في الطقوس اليومية، مذاكرة وغسيل وطبيخ وان كان هناك من يقول انه ضحى في هذه الظروف فهو أبي الذي كان أباً وأماً في نفس الوقت ورفض ان يتزوج بأخرى بعد امي رغم ان كثيرين ممن حوله، بل كلهم كانوا يدفعونه دفعاً ليتزوج ويعيش حياته بشكل عادي خاصة انه حينها كان في الخامسة والاربعين تقريباً، في البداية كان يقول انه لم يجد امرأة مناسبة، أو انه لم يجد من تملأ مكان زوجته الراحلة وتعوضه عنها ثم اعلنها صراحة انه لا يريد ان يأتي بزوجة اب لابنائه تسومهم سوء العذاب وقد تؤلبه عليهم وتتسبب في ضياعهم وتشريدهم، وحمل مسؤولية فوق ما ينبغي وموقفه هذا هو الذي جعلني اقف موقفي. قبل الاقتران أنهى اخوتي واخواتي تعليمهم وحصلت أنا على مؤهل عال والتحقت بوظيفة محترمة حققت لي الكثير من الشهرة وبعض المال لكنه لم يرق إلى مستوى الثراء، وفي هذا العمل التقيت به، شاب وسيم يكبرني بتسع سنوات، تبادلنا الحب واحببته بعقلي قبل قلبي، فأنا الآن ناضجة ولست مراهقة تنساق وراء مشاعرها وتخدعها الأحاسيس، وبعد عامين من هذا الحب وبينما انتظر اللحظة التي يفاتحني فيها بتحديد موعد لمقابلة أبي لطلب يدي فوجئت به يطلب مني النسيان وخلع هذه الفترة من حياتي لانه لا يريد لي التعاسة فهو الابن الوحيد لامه مع اخوات بنات قد تزوجن ولا يستطيع ان يترك أمه وحدها، وفي نفس الوقت فإن الشقة التي تمتلكها امه وتقيم فيها صغيرة وقد لا تعجب أي عروس للزواج فيها، ودون ان افكر ودون ان اتدبر خرجت كلماتي واضحة حاسمة انني أقبل هذه الزيجة واوافق على الاقامة مع أمه، بل انني اكبرته وقد عظم في عيني لأنه بار بأمه، وطالما أنه هكذا فإنه سيكون حريصاً على حياتنا، أكدت له انني فقدت أمي وأنا صغيرة وعشت حياة اليتم، ولعل الله يعوضني بأمه عما حرمت منه، وجدت بريقا يلمع في عينيه، استطاع ان يمسك دموعه التي غلبته بعض قطراتها وعاد اليه الأمل وانا لم تسعني الفرحة اذ ان حلمي بدأ يتحول إلى حقيقة وأنا اقترب من الاقتران بمن اختاره عقلي وقلبي، بدأنا نخطط لمستقبلنا بصوت عال، نناقش كل التفاصيل لكن البداية يجب ان تكون بشكلها الطبيعي، انطلاقا من اخبار ابي بهذه العلاقة لأننا من أسرة لها تقاليدها وعاداتها وفي مجتمع محافظ ملتزم. وبطريقة متزنة اخبرت ابي بأن هناك شابا يريد أن يقابله ليتقدم لخطبتي، وألمحت له مع الحياء بأنني موافقة على طلبه وأكن له حباً ومشاعر متبادلة، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن ورغم ان أبي هادئ بطبعه لاحظت أحمرار وجهه، وقرأت في عينيه رفضاً واضحا، واعتراضا على هذا الشاب وبعد مقدمة طويلة من جانبه أوضح لي خلالها انه يهمه مصلحتي وأنه يفهم الحياة بخبرته اكثر مني ولا شيء عنده قبل سعادتي، لكن تجاربه في الحياة تؤكد فشل هذه الزيجة ومن ثم عدم موافقته عليها، لان العلاقة بين زوجة الابن والحماة في الغالب تكون متوترة بلا سبب، فما بالك وهما تعيشان معاً، تلتقيان في كل لحظة وجها لوجه، شعرت كأنني سقطت من فوق ناطحة سحاب وفقدت التوازن، ومع هذا السقوط تحطمت كل احلامي وتبعثرت امنياتي، وتبددت آمالي، ووقف حبيبي موقفا سلبيا، لم يتدخل حتى بمجرد وعود بأن يجتهد ليكون لنا مسكن مستقل في المستقبل وترك الكرة في ملعبي اواجه الازمة كلها وحدي، وامام اصراري على موقفي وتمسكي به وافق أبي لكنه اشترط ان اتحمل نتائج اختياري وليس من حقي أن أشكو من هذا الوضع مهما كانت النتائج ووافقت على ذلك بلا تردد، فلم تكن لدي مخاوف أو محاذير. سيل من الانتقادات كان العرس عادياً، ولم يحدث كثير من التغيير في الشقة التي شهدت عرسنا كان جله بعض الاثاث المتواضع وحفل أقل تواضعا، وانتقلت مع زوجي إلى العش الذي ضمنا وتركته أمه لنا لنعيش شهر العسل ثم عادت الينا لنبدأ الحياة، وضاع بمقدمها الاستقرار وتبدلت الأحوال وجدتني أقيم مع أفعى في جحر واحد، واعيش في حالة حذر دائمة وتوجس وخيفة وأخشى اللدغات من كل الاتجاهات لا يعجبها شيء من تصرفاتي، تنتقد طريقتي في الكلام واسلوبي في الحوار، مشيتي وجلستي وملابسي ولا يسلم اي نوع من الطعام اقوم باعداده من أن تلصق به النقائص والعيوب والغريب ان زوجي يسايرها ويطاوعها حتى لو كان رأيه مختلفاً واذا كان ذلك من قبيل البر بها فإنني كنت أطمع منه في بعض كلمات الترضية بيني وبينه، فأنا امرأة تتأثر بالكلمات، وتحاملت وتحملت واعتبرتها أمي لكن ما زاد الطين بلة هن اخوات زوجي اللائي حولن هذه الشقة الصغيرة إلى استراحة لهن ولأزواجهن وابنائهن، ويرين أن من الواجب عليًّ نحوهن ان أعدلهن الطعام وأغسل الملابس وانظف الاطباق والمكان، ولا مانع من رعاية الصغار وأن أحمل الاطفال، كأنني خادمة تتقاضى اجراً عن كل ما تفعله فليس من حقها ان تعترض او ترفض، حتى عندما بدأت اثار الحمل تظهر وأعاني الوحم والآلام لم اجد من يخفف عني ولا من يساندني في محنتي هذه، نعم محنة فأنا عاجزة عن الشكوى لان ذلك اختياري ولم استمع لصوت العقل والحكمة عند أبي وانسقت وراء الحب والوهم، انتظرت لحين الوضع لعلهم يرحموني من ذلك العذاب، لكن المهام زادت بمجيء مولودتي واضافت اليًّ اعباء جديدة فهي بحاجة إلى رعاية مستمرة خاصة وانني في اول تجربة امومة وأجهل التعامل مع الاطفال الرضع واضطررت الى مغادرة بيت زوجي إلى بيت أبي هرباً من هذا الجحيم وكأنني بذلك فتحت على نفسي أبواب جهنم وواجهت هجوما من أهل زوجي بعدما شعروا بأنهم افتقدوا “الخادمة” التي تقوم على شؤونهم وعدت وكأنني عائدة إلى السجن او ذاهبة إلى حبل المشنقة. سلبية الزوج بدأت المعارضة، عرفت كلمة لا فيما لا أطيق فبعد الضيافة وحُسن الاستقبال والمعاملة ليس لهم عندي شيء، واذا سألتموني أين زوجي من هذا كله قلت انه لم يحرك ساكنا ولا يهمه أي من الطرفين ووقف محايدا، مرة اراه ظالما لي ومرات أراه غير قادر على اتخاذ موقف او قرار، طالبت بحقي في مسكن مستقل فذكرني بما قاله لي في البداية وانه لم يخدعني وإنما كان واضحا الى اقصى حد وانني قبلت ذلك واعرفه فانعقد لساني عن الرد أو تكرار الطلب، فلا ألومن إلا نفسي وليتحقق شرط ابي بأن اتحمل النتائج والتبعات وحدي، حتى وقع ما لم يكن في الحسبان ولا يخطر على بال، عندما تعرضت احدى اخوات زوجي لي بالسب والقول العنيف وهي توجه الشتائم لي ولابي ولأمي، فجن جنوني ولم أفكر في التريث ورددت لها الصاع صاعين، فوقف الجميع في مواجهتي، ووقفت وحدي في مواجهتهم احارب على كل الجبهات، واعدت مطلبي لزوجي بمسكن مستقل وخيرته بين ذلك والطلاق مهما كانت النتائج والخسائر لأي منا، وأول الخاسرين ابنتنا الصغيرة، فتركت امه المسكن كنوع من التهدئة وتوقفت شقيقاته عن زيارتنا كرها في التعامل معي وتجنبا لمواجهة جديدة، وجاءت المفاجأة الكبرى بأن زوجي ترك الشقة واقام مع امه عند اخته الكبرى ليعاقبني على رد الاهانة عن نفسي، بل ويرفض الانفاق عليَّ وعلى ابنته التي اصبحت في السادسة من عمرها والتحقت بالمدرسة وزادت مطالبها واحتياجاتها، واصبحت بيننا وبينه قطيعة وجعل الخلاف كأنه بيني وبينه فقط، وهن ينعمن بحياتهن ونحن ندفع الثمن، المهم انني في النهاية لا ابحث عن حل لمشكلتي ولا عن مخرج من ازمتي، فأيا كانت النتجية فلابد ان اتحملها واتقبلها والمهم انني اردت ان احذر الفتيات من الانسياق وراء وهم الحب ومهما كانت خبراتهن في الحياة فإنها محدودة، وان مقاييسهن غير دقيقة وليتركن القول الفصل لأبائهن
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©