السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة

في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة
17 ديسمبر 2009 23:38
في مستهل كل عام هجري تطالعنا ذكرى هجرة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - فتشرق في نفوس الملايين المسلمة شمس الإيمان من جديد وتتراء لهم صور الكفاح الأغر في سبيل الحق والعقيدة، وكل خير أصابه المسلمون، وكل رشاد ظفرت به البشرية منذ هاجرت رسالة التوحيد إلى يثرب إنما كانت ثمرة طيبة من ثمار هذه الهجرة المباركة، فبعد أن كان المسلمون يعيشون في المجتمع المكي تحت صور شتى من الإرهاب والتعذيب صار له وطن ودولة وكيان. حنين الرسول إلى مكة هاجر الرسول الكريم من مكة المكرمة إلى يثرب، وعلم الدنيا حب الأوطان، والأماكن المباركة والوفاء لمسقط الرأس عندما ألقى نظرة الوداع على مكة المكرمة وهو مهاجر منها وقال كلمته الخالدة: ‏(وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ) (أخرجه الترمذي). وكان فراق مكة عزيزاً على الرسول – صلى الله عليه وسلم – والصحابة الكرام – رضي الله عنهم أجمعين -، فهذا واحد منهم اسمه أصيل جلس يتكلم عن مكة فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: (يا أصيل دع القلوب تقر فلا تذكرنا) (كنز العمال 12/210). أجل فما من الوطن بد، وما للإنسان عنه من منصرف أو غنى، في ظله يأتلف الناس، وعلى أرضه يعيش الفكر، وفي حماه تتجمع أسباب الحياة، وما من ريب أن ائتلاف الناس هو الأصل، وسيادة العقل فيهم هي الغاية، ووفرة أسباب العيش هو القصد مما يسعون ويكدحون، ولكن الوطن هو المهد الذي يترعرع فيه ذلك كله، كالأرض هي المنبت الذي لا بد منه للقوت والزرع والثمار. درس التفاؤل والأمل إن الإسلام حرَّم اليأس وأوجد الأمل، وحرَّم التشاؤم وأوجد البديل وهو التفاؤل، وهذا درس الأمل والتفاؤل نتعلمه من ذكرى الهجرة النبوية الشريفة. فهذا سراقة بن مالك يلحق بالنبي – صلى الله عليه وسلم - ليظفر بجائزة قريش مائة من الإبل، لمن يأتي برسول الله – صلى الله عليه وسلم - حياً أو ميتاً، وعندما لحق سراقة بالنبي عليه السلام، دعا عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فساخت أقدام فرسه في رمال الصحراء، ثم قال له الرسول - عليه الصلاة والسلام -: «كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى؟!» (أسد الغابة في معرفة الصحابة 2/385)، وفعلاً عاد سراقة، ما الذي دفع الرسول - عليه السلام - إلى هذا القول؟! وفارس والروم كانتا مثل أميركا وروسيا اليوم، الذي دفعه إلى ذلك هو إيمانه بربه، وثقته بنصره، وأمله في نصر الله للمؤمنين، وفعلاً تحقق ذلك، ونفذ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - عهد الرسول – عليه الصلاة والسلام – وأعطى سراقة سواري كسرى عندما فتح المسلمون بلاد فارس. كما يظهر التفاؤل جلياً واضحاً في غزوة الخندق عندما كان المسلمون يحفرون خندقاً حول المدينة المنورة لمواجهة جموع الأحزاب، فبشرهم الرسول – عليه الصلاة والسلام - بأن النصر للمسلمين، فالإسلام يطرد التشاؤم بالتفاؤل، والعسر باليسر، واليأس بالأمل، والكسل بالعمل. فعلينا أن نكون دائماً متفائلين مهما اشتدت الخطوب واحلولكت الظلمات، فالليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر، وإن الفجر آتٍ بإذن الله. الثقة بالله والأخذ بالأسباب الرسول - عليه الصلاة والسلام - وصاحبه الصديق – رضي الله عنه - أخذا بكل الأسباب، وتوكَّلا على الله وسارا في طريقهما إلى المدينة، فلما دخلا الغار، رأى أبو بكر- رضي الله عنه - أقدام المشركين فاكتأب وحزن فقال: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال له الرسول - عليه الصلاة والسلام - مطمئناً: يا أبا بكر، (‏مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟) (أخرجه البخاري)، (لا تحزن فإن الله معنا) (زاد المعاد في هدى خير العباد 2/138). هنا نفدت الأسباب فلا حول لهما ولا قوة، فقد صدقا في التوكل على الله، عندئذ تدخلت العناية الإلهية، فأمر الله الحمامتين أن تبيضا على باب الغار، وأمر العنكبوت أن ينسج خيوطه «وما يعلم جنود ربك إلا هو»، فالله كان قادراً على حمل رسوله من مكة إلى يثرب كما فعل ليلة الإسراء والمعراج، ولكنه الأخذ بالأسباب والثقة بالله وصدق التوكل عليه. هجر المعصية للطاعة وهذا درس نتعلمه من ذكرى الهجرة المباركة وهو هجر المعاصي، ومحاربة النفس والشيطان، فهذه الهجرة دائمة في مختلف الأزمنة والأمكنة، فقد جاء في الحديث: «وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» (أخرجه البخاري). فعلى المسلم أن يهجر المعاصي بجميع أشكالها من ربا، وغيبة، ونميمة، وأكل لأموال الناس بالباطل، وأن يفتح صفحة جديدة مع ربه، وكل ما أصاب المسلمين من ذل وضعف ليس تخلياً من الله عنهم، بل نتيجة حتمية لارتكاب المعاصي «من عرفني وعصاني سلطت عليه من لا يعرفني». المؤاخاة في المدينة عندما قدم الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة كان هناك عداء تقليدي مستحكم بين عرب المدينة دفعهم إلى حروب طاحنة، أفنت كثيراً من رجالاتهم، فجمعهم الرسول على الحق، وأصلح ما بين القبيلتين «الأوس والخزرج»، وأصبحا أخوة بعد عداء طويل، ثم آخى بين الأنصار - وهم أهل المدينة - وبين المهاجرين - أهل مكة - فأصبحوا إخواناً متحابين كالجسد الواحد، وبعدئذ فتحوا البلاد وأصبحوا قادة للأمم ومضرباً للمثل في جميع مجالات الحياة. بين الأمس واليوم فما أحرى شباب الأمة، ورجالها، ونساءها أن يتأسوا بالهجرة، ودور أبي بكر في وفائه، وعليّ في شجاعته وبلائه، وبعبد الله بن أبي بكر في دهائه، وعامر بن فهيرة في كتمانه، وعائشة وأسماء في ثباتهما. وما أشبه الليلة بالبارحة! فذكرى الهجرة تطالعنا اليوم ونحن نواجه قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهي أشد ضراوة تريد أن تقضي من جديد على الشعب الفلسطيني المرابط فوق أرض فلسطين الطاهرة، حيث يتعرض هذا الشعب الصامد للقتل والتشريد، وهدم البيوت، وتدمير المصانع والمؤسسات والآبار، واقتلاع للبيارات والأشجار، وقصف وقتل واغتيال وتدمير وما صاحبه من تيتيم للأطفال، وترميل للنساء، وتشريد لمئات الأسر التي هدمت بيوتها، ومئات الآلاف من العمال الذين يحال بينهم وبين لقمة العيش الشريفة، كما تشتد الهجمة الإسرائيلية على مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك والمقدسات. والعبرة الواضحة من الهجرة أن الإيمان بالله، والثبات على الحق، والصبر على المكاره، كل ذلك يستلزم النصر بإذن الله. فليكن لنا في رحاب الذكرى مدد يوثق صلتنا بالله، ويربط على قلوبنا في معركة المصير، حتى نصون الحق، ونسترد الأرض، ونطهر القدس والأقصى، وترفرف أعلامنا خفاقة فوق ثرى فلسطين الغالية إن شاء الله
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©