الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زينب غاصب: النقاد قَتَلة

زينب غاصب: النقاد قَتَلة
16 ديسمبر 2009 22:21
منذ عقدين من الزمن وأكثر ظهرت قصائد الشاعرة السعودية زينب غاصب، وفي فترة لم تكن الكتابة النسائية قد ظهرت بشكل كبير كما نلاحظه اليوم.. تؤسس الشاعرة لنفسها خطا شعريا يرسم هموم جيلها وتشكلاته ووعيه الخاص، وتضيف إلى ذلك مجموعة من الأفكار الموازية لكل مايمر من تحولات وتغيرات وإشكالات جيل تجاذبته الصراعات وتحولات الأفكار والانفتاح على المعرفي والجديد في اتساع وانتشار.. زينب غاصب شاعرة مثقفة أصدرت فيما مضى “للأعراس وجهها القمري” وسيكون لها مجموعة شعرية أخرى في أيام مقبلة، وتكتب في الصحافة مقالاتها منذ عقدين، تلك المقالات التي اتسمت بالجرأة الأدبية وطرح قضايا اجتماعية وجدلية مختلفة.. ? في البدء هل لي بمعرفة شيء عن بدايتك في النشر وتلك الذاكرة مع النصوص الأولى والقصائد المنشورة؟ ? البدايات كانت من الطفولة، عبارة عن قصائد تخضع لمستوى سني حينها، كانت تدور كلها في محيط البيئة التي تحيط بي كالبحر، والنخيل، والأشجار، خاصة وطفولتي كانت متنقلة مابين مدينة جدة، حيث الحجاز العريق بالتراث والجمال الحجازي في العادات والتقاليد، والانفتاح على الآخر، ومابين مسقط رأسي جزيرة فرسان تلك الجزيرة الحالمة في الجنوب، حيث البحر، والنوارس، والنخيل، ومدرسة تراثية عريقة في الفلكلور، وأناشيد الغوص، والمواسم، ومن هاتين البلدتين تكونت ثقافتي بجماليات فنية وظفتها فيما بعد في شعري، أما بالنسبة للنشر فقد نشرت لي أول قصيدة في عام 1985، وكانت بعنوان “تراتيل للوقت” وهي أول قصيدة في ديواني. تجربة غير منتهية ? “للأعراس وجهها القمري”، مجموعتك الشعرية الأولى.. أين وصلت تجربتك الآن بعد توقف عن النشر؟ هل لهذا التوقف عن الإصدار سبب ما؟ ? لا أستطيع أن أحكم على تجربتي لأنني لا أؤمن بالتجربة المنتهية، إذ أن التجربة تظل في حراكها عملية مستمرة مع الأديب، سواء كان شاعرا، أو قاصا، أو مفكرا، ومتى ما أعلن الأديب أنه وصل في تجربته إلى مرحلة التكامل، فمعنى هذا أنه أفلس من الإبداع، والمتلقي هنا هو المخول الوحيد بالحكم، لا نقول على التجربة الأولى أو الثانية أو ما يليهما، وإنما على الفكر في النصوص من حيث الشكل، والمضمون، واللغة، وعموما تبقى لكل محاولة نكهتها الخاصة بانفعالاتها وطقوسها، أما بالنسبة للتوقف عن النشر، فأنا لم أتوقف عن النشر، حيث قصائدي تنشر في كل الصحف المحلية والعربية، ولكنني توقفت عن الإصدار فقط، في ظل معاناة التوزيع عندنا، وعدم وجود صناعة حقيقية تخدم المؤلف وتعنى بتوزيع مطبوعاته، خاصة إذا كان النشر على المستوى الشخصي. ? ككاتبة صحفية لديك عدة مقالات تناقش قضايا اجتماعية كبرى، هل ترين أنها مقالات تسهم في وعي المجتمع وسد فجوات وتساؤلات يبحث عنها؟ ? نعم للمقالات أهميتها في تشكيل ثقافة المجتمع وتنويره وربما تجيب عن بعض التساؤلات التي يبحث عنها أولا يجد سبيلا إليها من حيث المعالجة المنطقية، والمقالات كما أسلفت في عدة لقاءات صحفية، هي لا تحل المشكلة أو القضية مابين ليلة وضحاها، وإنما تؤثر في الرأي العام، الذي يجعلها على طاولات الحوار. المرأة والثقافة ? هل برأيك استطاعت المرأة السعودية المثقفة أن تصنع لها الصوت المسموع خلال العقد المنصرم؟ ترى ما الذي كان يقف ضد تفاعل المرأة مع الثقافة وتعاطيها وأن تكون فاعلة؟ ثم هل كان لغياب المثقفة السعودية في فترات طويلة أثرا على المشهد الثقافي؟ ? بكثير من النجاح استطاعت المرأة السعودية المثقفة صناعة صوتها واسمها معا، سواء كانت كاتبة، أو شاعرة، أو قاصة، أو باحثة، أو ناقدة، لأنها تعيش في عصر الانفتاح الإعلامي السعودي الذي نعيشه حاليا، خاصة وقد تمكنت وبالكثير من الإصرار كسر الكثير من القوالب الاجتماعية والعادات التي كانت تحرم على المرأة حتى الكتابة باسمها الصريح الذي يرى فيه المتشددون بأنه عورة لا يجوز الإعلان أو حتى مجرد التلميح به، وهذا أضر كثيرا بالثقافة إذ جعل الرجل يتكلم بصوتها، وانعكاس هذا الصوت على المرأة بذكورية الثقافة عليها سلوكا وواقعا، ظلت المرأة تعانيه إلى الآن في ظل الأبجديات الذكورية المشوشة عن المرأة. ? كان لك رأي حول قصيدة النثر أثار البعض واعتبر أنه إلغاء لتجاربهم الطويلة في كتابة قصيدة النثر.. هل من إضافة بهذا الصدد؟ ? أنا لا أهاجم قصيدة النثر، ولا ألغي تجارب الآخرين فيها، وأكدت في أكثر من لقاء أنني أحترمها، لكن إلى الآن لا يوجد لها مصطلح واضح في التسمية والملامح، وتظل لها قواعدها من حيث وجود الصورة واختزال المعنى الواقعي، ولكن هذا المسمى الفضفاض جعل الكثير يدخلون في عباءتها دون أن يكون لهم حتى مجرد الإلمام بقواعدها، فكتبوا ثرثرات وخواطر وموضوعات إنشائية، سمحوا لأنفسهم بتسميتها قصائد، وأنا على فكرة أقرأها وبكثافة من مبدعيها أمثال محمد الماغوط، وأدونيس أحيانا، ومن وجهة نظري الشخصية أرى أن محمد عبيد الحربي لدينا ممن تمكنوا من الكتابة فيها بحرفية واضحة، إلا أنه انقطع الآن ولم نعد نرى له إنتاجا مع الأسف، ولم نعرف سبب انقطاعه هذا، بالإضافة إلى آخرين لا تحضرني أسماؤهم الآن. ? بعض النقاد يشير إلى تشابه بين شعراء جيلكم وشاعراته مارأيك؟ هل هو للتأثر بشعراء محددين والإعجاب بتجربتهم؟ ? النقاد لدينا يا أخي هم المتأثرون ببعضهم البعض، بدليل أنهم لا يكتبون إلا عن أصوات معينة ومحددة، متجاهلين الكثير من الأصوات الأخرى. وهم عندما ينقدون لا تكون كتاباتهم إلا تعبير عن فلسفاتهم ومصطلحاتهم الخاصة، التي تبرز أسماءهم على حساب النصوص التي يتناولونها ولا أدري ما هو المعيار الذي ينتهجونه للحكم على النص من خلاله، فقتلوا نصوصا غاية في الإبداع، وأحيوا نصوصا في منتهى الرداءة فنيا، ولغويا، ثم انكبوا على أفكارهم متأرجحين بين التنكر لها أو الانخراط في فنون أخرى تخدم شهرتهم، وإن كان هنالك تشابه في الأصوات الشعرية بين شاعرات جيلي وشاعراته فهذا بحد ذاته ظاهرة صحية تؤكد الواقع الذي يعيشونه في ظل قمع الأصوات ومحاربة ما يسمونه بالحداثة، مما جعل الرمزية واقعا ملموسا كمخرج للتخلص من مصادرة النصوص والتحريض على الشاعر بأيدي الراديكاليين الذين لا يفهمون ولا يريدون غير سماع أصواتهم ومبادئهم ومن يمثلها. الشهرة الروائية ? لماذا برأيك برزت الأسماء النسائية الروائية أكثر خلال الفترة الماضية القريبة واختفى صوت الشاعرة والشعر عموما إلا من متابعات نخبوية هنا وهناك؟ ? الأصوات النسائية التي برزت في الرواية، شاءت لها ظروفها أن تظهر في ظل الانفتاح الإعلامي في المملكة، والثورة في عالم الاتصالات المعتمد على الانترنت، الذي أوصل مالم يكن يوصل للقارئ، يضاف إلى ذالك كسر (تابو الممنوع) وتوظيف الجسد، والجنس، حتى وإن كان في غير محله في الرواية، هو الذي أعطى الروائيات هذا الانتشار، والشهرة، وإن كانت الروايات ضعيفة على المستوى الفني، لكن ومن وجهة نظري الشخصية، أعتقد أن هذه الروايات ستختفي من الذاكرة لأن القارئ سيمل من هذه النوعيات التي توافق هواه وقتيا، لكنه بعدها سيبحث عن الجديد الذي يتكلم عن همومه، وواقعه، الذي يعانيه اجتماعيا، وحضاريا، ثم أن الرواية الحاضرة فقدت أهم مميزاتها، بتجاهلها للخيال الذي لابد من دمجه بالواقع، وتوظيفه فنيا، فيبهرك بأحداثه المثيرة كما في “مئة عام من العزلة” لماركيز مثلا، فهو يكتب الرواية لتبقى خالدة في ذاكرة المتلقي، عكس الروايات الآن التي تجعل ذاكرة المتلقي تسقط بعض الأحداث من ذاكرتها بفعل السرد المقرف في تفاصيلها الجسدية، والجنسية، ولن تكون لدينا مستقبلا روايات خالدة مثل روايات نجيب محفوظ، أو ماركيز، أو تولستوي، أو ديستوفسكي أو غيرهم، والسبب هنا هو الفرق بين الأفكار التي تحملها روايات هؤلاء، وروايات هؤلاء ، بدليل أن الروائية الأمريكية توني موريسون وهي من أصول زنجية حصلت على جائزة نوبل للآداب عام 1993م، عن رواية موضوعها معاناة المرأة السوداء، وعبوديتها في بلاد الحرية، ومن هنا يأتي الخلود. ? ماذا عن كتابك الجديد والذي قلت أنه سيكون “نصوص نثرية” هل لتحديد النوع والتصنيف أهمية ما لديك؟ أم تخشين أن يأتي ناقد ويصنف عملك على أنه قصيدة نثر؟ ? أنا قلت سأصدر ديوانا بعنوان نصوص لن أحددها بشعرية أو نثرية، وسأدع الحكم للمتلقي، وعلى فكرة كل هذه النصوص قد نشرت في مجلتي (“سيدتي” السعودية، و”زهرة الخليج” الإماراتية) عندما كنت أكتب فيهما زاويتين مفتوحتين أسبوعيا، فهي قديمة وليست جديدة، بمعنى ان العلاقة قديمة بيني وبين الكتابة النثرية وليست بيني وبين المصطلح، وإذا جاء ناقد وصنف النصوص على أنها قصائد نثرية، فلن يضيرني هذا فهي ليست عيبا، ولا نكرة، إلا فيمن يثرثر ويدعيها. وسأظل أحترم النقد وإن كان ضدي. ? من خلال تواجدك ضمن نادي ثقافي في السعودية وهو نادي جدة.. كيف تقيمين هذه المرحلة مع النادي وإلى أي مدى كانت ناجحة بنظرك؟ ? حقيقة لا أستطيع أن أحكم على التجربة فالمرأة برغم تواجدها في الأندية الأدبية السعودية إلا أنها تظل ضمن مسمى محدد (بلجنة نسائية) حتى وإن كانت الأعمال مشتركة بينها وبين الرجل، ونحن النساء المثقفات نطمح أن تكون لنا عضوية كاملة ومباشرة ومشتركة مع الرجال ومعترف بها من قبل وزارة الثقافة والإعلام تماما كالرجل، وليست على الهامش بتقرير الأندية فلماذا لاتكون هنالك امرأة نائبة لرئيس النادي مثلا؟ وما المانع أن تكون عضويتها من قبل وزارة الثقافة السعودية؟ لذا تظل تجربة اللجان النسائية في الأندية الأدبية، سواء نادي جدة أوغيره من أنديتنا، تجربة غير دقيقة، وغير واضحة المعالم، إلا أن نادي جدة هو الأكثر شهرة بين الأندية لتميزه في الأنشطة. ? النقد والإبداع، ألا تلاحظين أن الكثير من النقاد غرقوا في التنظير بعيدا عن تناول الأدب المحلي والجديد والذي يحتاج إلى مواكبة ما؟ ? أوافقك الرأي هنا، فعلاوة على غرقهم في التنظير، فهم همشوا الكثير من الألوان الأدبية كالقصة القصيرة، والشعر، والفكر الأدبي، والتراث، وانكبوا على دراسة الرواية دون غيرها من الأجناس، ربما لنيل الشهرة من خلالها خاصة بعد قيام الأندية بتخصيص ملتقيات سنوية لها ما يجعلهم يعدون أوراقا لقراءتها، ونيل حظوة المشاركة فيها، إلا أن هذا الاهتمام بالرواية أعطى الشعر تميزا من حيث الانتشار بأصوات مبدعيه من الجنسين، بعكس الرواية التي اشتهرت بترويج النقاد، إلا أن قلة من النقاد مازالوا يطلبون الشعر أمثال الدكتور عالي القرشي، الذي مازال يكتب عن الشعر، والدكتور سعد البازعي الذي أقرأ له أحيانا كتابات في هذا المجال. صوت يموت بالصرخات ويسري صوتك النهري في جسدي. أحدث عنه أسئلتي.. وافتح في دمي، عرقا من الكلمات.. أيا هذا المضيء لنا: سحابات، تصحر غيمها المطري. وقافلة، تباطأ لحنها الغجري. أيا هذا تسائلني وطقسي يسرق الأحلام. والصوت المبعثر فيك، يكاد يموت بالصرخات.. تأوه من لظى عينيك هذا الصمت. يصهرني.. فأرسم حول أوردتي، تصاويرا لهذا العشق. أشطر نصف خاصرتي. لتدخل قامة للريح. تمحو لون هذا الليل. تغسل بقعة الأحزان. فيأتي مولدا للماء والأزهار .. هاك يدي.. حبال، تربط الأطراف غزلهما. غناء يرتقي شفتي. يصوغ الجرح لحنهما. فأسقي دمعتي للرمل، يحضنني.. فأخفى وجهي المبتل بالصحراء، في ضلعيه. هاك يدي، ستبقى مرتعا للنخل، تمشي فوقها الأحجار. تزرع داليات الضوء، والأطيار، تشدو فوق كرمهما. هاك يدي.. مساحات لهذا البر، وأغنية لهذا الشسع، والأعراس، آت وجهها القمري.. * من ديوان “للأعراس وجهها القمري”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©