الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانقسام الفلسطيني... عقبة أمام "حل الدولتين"

16 ديسمبر 2009 22:17
هاورد شنايدر قطاع غزة نشأ سامي وتيسير بركات معاً هنا في المتاهة الإسمنتية لمخيم جباليا للاجئين في غزة، ولكن افترقت بهما دروب الحياة بعد ذلك. فأثناء شبابهما، انتقل تيسير إلى الضفة الغربية بينما بقي سامي في غزة. بيد أن الاختيارين أثرا على حياة وقيم ورخاء وفرص كل واحد منهما، ووضعاهما في نقطتين مختلفتين تماماً في ما بات اليوم نزاعاً ثلاثياً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، من جهة، وبين الضفة وغزة من جهة أخرى. والراهن أن قطاع غزة والضفة الغربية، أصبحا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، قطبين متناقضين للدولة الفلسطينية المقبلة، فكل واحد منهما مختلف عن الآخر على نحو متزايد، مما يضع عراقيل جديدة أمام جهود تحقيق حل الدولتين الذي يقوم على تعايش الدولة الفلسطينية وإسرائيل جنباً إلى جنب. فقد باتت غزة متشبعة بثقافة الأصوليين التي تعتبر القضاء على إسرائيل هدفها الأخير؛ هذا في حين أصبحت الضفة الغربية، في المقابل، منفتحة وعلمانية نسبياً، وتحاول الحكومة الفلسطينية فيها حل الصراع مع إسرائيل عبر السياسة والدبلوماسية. ولكن أثناء هذا التحول، باتت المنطقتان الفلسطينيتان تناوئ إحداهما الأخرى على نحو متزايد. ونتيجة لذلك، أخذت فكرة "فلسطين الواحدة" تتلاشى على ما يبدو بالنسبة للأخوين بركات، ولبعض الفلسطينيين الآخرين عملياً. وهذا واقع صعب ساهمت فيه طبعاً السياسات الإسرائيلية التي تضع قيوداً كثيرة على السفر من قطاع غزة وإليه، وتحُد من نموه الاقتصادي، في محاولة لإضعاف الدعم لحركة "حماس" التي تسيطر على القطاع. والواقع أن غزة والضفة الغربية لا يحكمهما فصيلان متنافسان فقط، وإنما يختلفان أيضاً من حيث المؤشرات، مثل معدلات الولادة والنمو السكاني والمواقف الدينية والثقافية والرخاء. فرحلة ساعتين بالسيارة تبدو كرحلة إلى بلد بعيد جداً، حيث تجعل القيود المفروضة على السفر وغيرها من زيارة الأصدقاء واجتماع شمل الأسر أمراً صعباً. وإذا كانت الضفة الغربية تتمتع بتجدد النمو الاقتصادي وبزوغ شعور بالقدرة، فإن غزة -التي تعتمد على المساعدات الخارجية حتى في أحسن الأوقات نظراً لعدد سكانها من اللاجئين- أصبحت مكاناً للوظائف المؤقتة والمساعدات والسلع المهربة؛ وما زالت لا تستطيع، أو لم يُسمح لها بإعادة الإعمار بعد الحرب الإسرائيلية التي شنت عليها في ديسمبر الماضي. وفي هذه الأثناء، ازدادت الشكوك حول ما إذا كان باستطاعة منطقتين بهذا الاختلاف أن تعودا كما كانتا في الماضي وكيف. ومثلما يوضح نمطا الحياة اللذان يعيشهما الأخوان بركات، فإن للاختلاف والتباعد زخماً خاصاً. ففي أيام الخميس في الضفة الغربية، يتجمع رجال ونساء بمطعم زرياب في رام الله في بداية عطلة نهاية الأسبوع. يحتسون القهوة ويدخنون في غرفة مزينة بمنحوتات وقطع فنية أصلية، معظمها صنعها تيسير بركات بنفسه، وهو مالك المحل وأصغر الأخوين بركات. ولا مجال لرؤية أجواء كهذه في غزة طبعاً. والحال أن القادم إلى رام الله يمكنه أن يلاحظ حركة ونشاطاً جديدين في هذه المدينة، التي تعد مركز الحياة السياسية والثقافية بالنسبة لسكان الضفة الغربية الـ2.4 مليون. فرافعات البناء منتشرة هنا وهناك بينما تقوم الجرافات بإعداد بقع كبيرة للمشاريع المقبلة. وهناك مهرجانات سينمائية وشركات استثمارية، ومراكز تجارية ومشاريع سكنية. وعلى رغم أن الضفة الغربية ما زالت محتلة من قبل إسرائيل وعانت سنوات من العنف خلال الانتفاضة التي اندلعت في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن بركات رأى انفتاح الأبواب في وجهه تدريجياً. فقد جاء إلى الضفة في منتصف الثمانينيات بعد أن درس في كلية الفنون بمصر بحثاً عن وسيلة لكسب لقمة العيش تترك له بعض الوقت لممارسة الرسم والنحت. وبعد أن امتهن التدريس لبضع سنوات، اختار لنفسه طريقاً أكثر استقلالية، حيث فتح مطعماً وزينه بنفسه بمجموعة عصرية وجميلة من القطع الفنية. كانت رام الله هي الموقع المثالي. ففيها توجد طبقة من المهنيين تستطيع تحمل كلفة قضاء أمسية في الخارج، وهناك المغتربون العائدون الذين قد لا يترددون في الإنفاق ودفع ثمن لوحة فنية، إضافة إلى الطابع الثقافي الذي يسمح له بفعل ما يريد. ويقول بركات، وعمره 50 عاماً، "إن الوضع هنا -مثل منح أحدهم قرص أسبرين- يمكن أن يتغير في أي لحظة. ولكنه أفضل مقارنة مع غزة". أما في غزة، فقد وجه سامي بركات تعليمات صارمة لأبنائه أثناء انطلاق الانتفاضة مؤداها: إياكم أن تقتربوا من أماكن الاحتجاجات مثل معبر إيريز الذي يفصل بين إسرائيل والقطاع. ولكن في أحد أيام أكتوبر 2000 تجاهل أحد أبنائه النصيحة، حيث استقل يوسف بركات، 13 عاماً، حافلة متوجهة إلى مظاهرة احتجاجية في إيريز. وفي وقت لاحق من ذاك اليوم، أصابته رصاصة مطاطية في الرأس. وقد نجا الابن من الموت ولكنه فقد البصر في عينه اليمنى. ويوسف هذا، الذي يبلغ 22 عاماً اليوم، يدرس التاريخ بجامعة القدس وليست لديه فكرة واضحة عما سيفعله بعد تخرجه قريباً. غير أن الحادث الذي وقع قبل تسعة أعوام ترك آثاره. فإذا كان فرع عائلة بركات في الضفة الغربية يعتبر التعايش مع إسرائيل مهماً، فإن فرع بركات في غزة ليس متفائلا. وعلى رغم أنهم ليسوا متشددين ولا يريدون العنف -أفراد العائلة هنا يقولون إنهم محبطون من حكم "حماس"- إلا أن الشبان، بشكل خاص، لا يتخيلون السلام حيث يقول يوسف: "ليست ثمة فرصة للتعايش، لأن إسرائيل لا ترغب في السلام!". ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©